Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 88-91)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } : حكى الطبريُّ عن سفيانَ بْنِ عُيَيْنة ؛ أَنه قال : هذه الآيةُ آمرة بٱلاستغناءِ بكتابِ اللَّهِ عَنْ جميع زينَةِ الدنْيَا . قال * ع * : فكأنه قال : آتَينَاك عظيماً خطيراً ، فلا تَنظر إِلى غيْرِ ذلك من أمورِ الدنيا وزينَتِها التي مَتَّعْنا بها أنواعاً من هؤلاءِ الكَفَرَةِ ؛ ومن هذا المعنَى : قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أُوتِيَ القُرْآنَ ، فَرَأَى أَنَّ أَحَداً أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ ، فَقَدْ عَظَّمَ صَغِيراً وَصَغَّرَ عظيماً " . * ت * : وفي « صحيح مسلم » عن أبي سعيد قال : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : " لا وَاللَّهِ ، مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، إِلاَّ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا … " الحديث ، وفي رواية : " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا » ، قَالُوا : وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « بَرَكَاتُ الأَرْضِ … " الحديث ، وفي روايةٍ : " إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا … " الحديثَ ، انتهى . والأحاديثُ في هذه البابِ أكثرُ من أنْ يحصيها كتابٌ ، قال الغَزَّالِيُّ في « المنهاج » : وإِذا أنعم اللَّهُ عَلَيْكَ بنعمةَ الدِّينِ ، فإِيَّاكَ أَنْ تَلتفتَ إِلى الدنيا وحُطَامها ، فإِن ذلك منك لا يكُونُ إِلاَّ بضَرْبٍ من التهاوُنِ بما أولاكَ مَوْلاَكَ مِنْ نعمِ الدارَيْنِ ؛ أَمَا تَسمعُ قولَهُ تعالَى لسيِّد المرسلين : { وَلَقَدْ آتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ … } الآية ، تقديره : إِن من أوتي القرآن العظيمَ حُقَّ له ألاَّ ينظر إِلى الدنيا الحقيرةِ نظرةً بٱستحلاءٍ ، فضلاً عن أنْ يكون له فيها رغبةٌ ، فليلتزم الشكْرَ على ذلك ، فإِنه الكرامة التي حَرَصَ عليها الخليلُ لأَبيهِ ، والمصطفى عليه السلام لعمِّه ، فلم يفعلْ ، وأما حطامُ الدنيا ، فإِن اللَّه سبحانه يصبُّه علَى كلِّ كافرٍ وفرعونٍ وملحِدٍ وزنديقٍ وجاهلٍ وفاسقٍ ؛ الذين هم أهْوَنُ خَلْقِهِ عليه ، ويَصْرِفُه عن كلِّ نبيٍّ وصفيٍّ وصِدِّيقٍ وعالمٍ وعابدٍ ؛ الذين هم أَعَزُّ خَلْقِهِ عليه ؛ حتى إِنهم لا يكادُونَ يُصِيبُونَ كِسْرةً وخِرْقَةً ، ويمنُّ عليهم سبحانه بأَلاَّ يلطخهم بقَذَرها ، انتهى . وقال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } : المعنى : أعطيناكَ الآخِرَةَ ، فلا تنظُرْ إِلى الدنيا ، وقد أعطيناك العلْم ، فلا تتشاغلْ بالشهواتِ ، وقد مَنَحْنَاكَ لَذَّةَ القَلْب ، فلا تنظر إِلى لذة البَدَن ، وقد أعطينَاكَ القرآن ، فٱستغْنِ به ، فمَنِ ٱستغنَى به ، لا يطمَحُ بنظره إِلى زخارف الدنيا ، وعنده مَعَارِفُ المولَى ، حَيِيَ بالباقِي ، وفَنِيَ عن الفاني . انتهى . وقوله سبحانه : { وَقُلْ إِنِّي أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ * كَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } . قال * ع * : والذي أقولُ به في هذا : المعنَى : وقل أنا نذيرٌ ، كما قال قبلك رُسُلنا ، ونزَّلنا عليهم كما أنزلنا عليك ، وٱختلف في { ٱلْمُقْتَسِمِينَ } ، مَنْ هُمْ ؟ فقال ابن عباس ، وابن جُبَيْر : « المقتسمون » : هم أهْلُ الكتابِ الذينَ فَرَّقوا دينهم ، وجَعَلُوا كتابَ اللَّهِ أعضاءً ، آمنوا ببعضٍ ، وكَفَروا ببعض ؛ وقال نحْوَه مجاهدٌ ، وقالت فرقةٌ : « المقتسمون » : هم كفَّار قريشٍ جعلوا القرآن سِحْراً وشِعْراً وَكَهَانة ، وجعلوه أعضاءً بهذا التقسيم ، وقالت فرقة : « عِضِينَ » : جمعُ عضةَ ، وهي ٱسْمٌ للسحْرِ خاصَّة بلغةِ قريشٍ ؛ وقالَه عكرمة . * ت * : وقال الواحديُّ : كما أنزلنا عذاباً على المقتسمين الذينَ ٱقْتَسَمُوا طُرُقَ مكَّة يصُدُّون الناسَ عن الإِيمان . انتهى من « مختصره » .