Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 105-109)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } يعني القرآن نَزَلَ بالمصالحِ والسَّدادِ للناس ، و { بِٱلْحَقِّ نَزَلَ } يريد : بالحقِّ في أوامره ونواهيه وأخباره ، وقرأ جمهور الناس : « فَرْقَنَاهُ » بتخفيف الراء ، ومعناه : بيَّنَّاه وأوضَحْناه وجَعَلْناه فرقاناً ، وقرأ جماعةٌ خارجَ السبْعِ : « فَرَّقْنَاهُ » بتشديد الراء ، أي : أنزلناه شيئاً بعد شيء ، لا جملةً واحدة ، ويتناسق هذا المعنى مع قوله : { لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } ، وتأوّلت فرقةٌ قوله : { عَلَىٰ مُكْثٍ } أي : على ترسُّل في التلاوةِ ، وترتُّل ، هذا قول مجاهد وابن عباس وابن جُرَيْج وابن زيد ، والتأويلُ الآخر ، أي على مُكْثٍ وتطاوُلٍ في المدة شيئاً بعد شيء . وقوله سبحانه : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ } فيه تحقيرٌ للكفَّار ، وضَرْب من التوعُّد ، و { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ } : قالت فرقة : هم مؤمنو أهْلِ الكتابِ ، و « الأذقان » : أسافل الوجوه حيث يجتمع اللَّحْيَانَ . قال الواحِدِيُّ : { إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا } أي : بإِنزال القرآن ، وبعَث محمَّد { لَمَفْعُولاً } . انتهى . وقوله سبحانه : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } هذه مبالغةٌ في صفتهم ، ومَدْحٌ لهم وحضٌّ لكل من توسَّم بالعلم ، وحصَّلَ منه شيئاً أنْ يجري إلى هذه الرتبة النفيسَةِ وحكَى الطبريُّ عن التميميِّ ؛ أن من أوتي من العلْمِ ما لم يُبْكِهِ لخَلِيقِ ألاَّ يكونَ أوتي عْلماً ينفعه ؛ لأن اللَّه سبحانه نعت العلماء ، ثم تَلاَ هذه الآية كلَّها . * ت * : وإِنه واللَّهِ لكذلكَ ، وإِنما يخشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماءُ ، اللهمَّ انْفَعْنَا بما عَلَّمتنا ، ولا تجعْلُه علينا حجَّةً بفضلك ، ونقل الغَزَّاليُّ عن ابن عبَّاس ؛ أنه قال : إِذا قرأتم سَجْدَةَ « سُبْحَانَ » ، فلا تعجلوا بالسُّجُود حتى تَبْكُوا ، فإِن لم تَبْكِ عينُ أحدِكُمْ ، فَلْيبكِ قلبه . قال الغَزَّالِيُّ : فإن لم يحضرْهُ حُزْن وبكاءٌ ؛ كما يحضر أرباب القلوب الصافيَةِ فليَبْكِ على فَقْدِ الحُزْن والبكاء ، فإِن ذلك من أعظم المصِائبِ . قال الغَزَّالِيُّ : وٱعَلَمْ أنَّ الخشوع ثمرةُ الإِيمان ، ونتيجةُ اليقينِ الحاصلِ بعظمةِ اللَّه تعالى ، ومَنْ رُزِقَ ذلك ، فإِنه يكون خاشعاً في الصلاة وغيرها ؛ فإِن موجب الخشوع استشعارُ عظمة اللَّه ، ومعرفةُ ٱطَّلاعه على العَبْد ، ومعرفةُ تقصير العَبْد ، فمن هذه المعارفِ يتولَّد الخشوعُ ، وليْسَتْ مختصَّةً بالصلاة ، ثم قال : وقد دلَّت الأخبار على أن الأصل في الصَّلاة الخشوعُ ، وحضورُ القَلْب ، وأن مجرَّد الحركاتِ مع الغَفْلة قليلُ الجدوى في المعادِ ، قال : وأعلم أنَّ المعاني التي بها تتمُّ حياة الصلاة تجمعها ستُّ جُمَلٍ ، وهي : حضورُ القَلْبِ ، والتفهُّمُ ، والتعظيمُ ، والهَيْبَة ، والرجاءُ ، والحياءُ ، فحضور القَلْب : أن يفرِّغه من غير ما هو ملابسٌ له ، والتفهُّم : أمر زائد على الحُضُور ، وأما التعظيم ، فهو أمر وراءَ الحضور والفَهْمِ ، وأما الهَيْبة ، فأمر زائد علي التعظيمِ ، وهي عبارة عن خَوْفٍ مَنْشَؤه التعظيم ، وأما التعظيم ، فهو حالةٌ للقَلْب تتوَّلد من معرفتين : إِحداهما : معرفة جلالِ اللَّه سبحانه وعظمته ، والثانية : معرفة حقارة النفْسِ ، واعَلَمْ أَنَّ حضور القلب سببه الهِمَّة ، فإِن قلبك تَابِعٌ لهمَّتك ، فلا يحضر إِلا فيما أهمَّك ، ومهما أهمَّك أمر ، حَضَر القَلْب ، شاء أم أبى ، والقلب إذا لم يحضُرْ في الصلاة ، لم يَكُنْ متعطِّلاً ؛ بل يكون حاضراً فيما الهمة مصروفةٌ إِليه . انتهى من « الإحياء » .