Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 23-28)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ … } الآية : { قَضَى } ، في هذه الآية : هي بمعنى أمر وألزم وأوجب عليكم ؛ وهكذا قال الناس ، وأقول : إن المعنى وقَضَى ربك أمره ، فالمقضِيُّ هنا هو الأمْرُ ، وفي مصحفِ ابن مسعود : « وَوَصَّى رَبُّكَ » ، وهي قراءة ابن عباس وغيره ، والضمير في { تَعْبُدُواْ } لجميع الخلق ؛ وعلى هذا التأويل مضى السلفُ والجمهور ، ويحتمل أنْ يكون { قَضَى } على مشهورها في الكلامِ ، ويكون الضمير في { تَعْبُدُواْ } للمؤمنين من الناس إِلى يوم القيامة . وقوله : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } معنى اللفظة أنها اسمُ فعل ؛ كأن الذي يريد أن يقول : أَضْجَرُ أو أتقذَّرُ أو أكْرَه ، ونحوَ هذا ، يعبِّر إيجازاً بهذه اللفظة ، فتعطي معنى الفعْل المذكورِ ، وإذا كان النهْيُ عن التأفيفِ فما فوقه من باب أحَرى ، وهذا هو مفهومُ الخِطَابِ الذي المسكُوتُ عنه حُكْمُهُ حكْمُ المذكور . قال * ص * : وقرأ الجمهور { ٱلذُّلِّ } بضم الذال ، وهو ضد العِزِّ ، وقرأ ابن عباس وغيره بكسرها ، وهو الانقيادُ ضدُّ الصعوبة انتهى ، وباقي الآية بيِّن . قال ابن الحاجب في « منتهى الوُصول » ، وهو المختصَرُ الكَبِير : المفهومُ ما دَلَّ عليه اللفظُ في غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْق ، وهو : مفهوم موافقة ، ومفهومُ مخالفة ، فالأول : أنْ يكون حُكْمُ المفهومِ موافقاً للمنطوق في الحُكْم ، ويسمَّى فَحْوَى الخطابِ ، ولَحْنَ الخِطَابِ ، كتحريم الضَّرْبِ من قوله تعالى : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } وكالجَزَاء بما فَوْقَ المِثْقالِ من قوله تعالى : { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ الزلزلة : 8 ] ، وكتأديةِ ما دُونَ القْنطار من قوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] وعدم تأدية ما فوق الدينار من قوله تعالى : { بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] وهو من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والأعلى على الأدنى ، فلذلك كان الحُكم في المسكوتِ أولى ، وإِنما يكون ذلك إِذا عُرِفَ المقصودُ من الحُكْم ، وأنه أشدُّ مناسبةً في المسكوت ؛ كهذه الأمثلة ، ومفهومُ المخالفة : أنْ يكونَ المَسْكُوتُ عنه مخالفاً للمنطوقِ به في الحُكْم ويسمَّى دليلَ الخطاب وهو أقسامٌ : مفهومُ الصفة ؛ مثل : " في الغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ " ، ومفهومُ الشرط ، مثل : { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ } [ الطلاق : 6 ] ومفهوم الغاية ، مثل : { حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [ البقرة : 230 ] ومفهوم إنَّما مثل : " إنما الرِّبَا في النَّسِيئَةِ " ومفهومُ الاستثناء مِثل : « لا إله إلا الله » ومفهوم العددِ الخاصِّ ، مثلَ : { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ النور : 4 ] ، ومفهومُ حَصَرْ المبتدإِ مثل : العِالمُ زَيْد ، وشرطُ مفهومِ المخالفة عْند قائله ألاَّ يظهر أن المسكوتَ عنه أولى ولا مساوياً ؛ كمفهومِ الموافَقَةِ ، ولا خرج مَخْرَجَ الأعمِّ الأغلب ، مثل : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم } [ النساء : 23 ] فأما مفهومُ الصفةِ ، فقال به الشافعيُّ ، ونفاه الغَزَّاليُّ وغيره . انتهى . وفسَّر الجمهوُرُ الأوَّابين بالرَّجَّاعين إلى الخير ، وهي لفظة لزم عُرْفُها أهْلَ الصلاح . * ت * : قال عَبْدُ الحقِّ الأشَبِيليُّ : واعَلَمْ أنَّ الميت كالحيِّ فيما يُعْطَاه ويُهْدى إِليه ، بل الميت أكثر وأكثر ؛ لأن الحي قد يستقلُّ ما يُهْدَى إِليه ، ويستحقرُ ما يُتْحَفُ به ، والميت لا يستحقر شيئاً من ذلك ، ولو كان مقدارَ جناحِ بعوضةٍ ، أو وزْنَ مثقالِ ذرةٍ ، لأنه يعلم قيمته ، وقد كان يقدر عليه ، فضيَّعه ، وقد قال عليه السلام : " إِذَا مَاتَ الإِنسانُ ٱنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاِتٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةَ جَارِيَةٍ ، أَوْ علْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " فهذا دعاءُ الولدِ يصلُ إِلى والده ، وينتفعُ به ، وكذلك أمره عليه السلام بالسَّلاَمِ على أهْلِ القُبُورِ والدعاءِ لهمْ ما ذاك إِلا لكونِ ذلك الدعاءِ لهُمْ والسلام عليهمْ ، يصلُ إليهم ويأتيهم ، والله أعلم ، وروي عنه عليه السلام ؛ أنه قال : " لكون الميِّتُ في قَبْرِهِ كالغَرِيقِ يَنْتَظرُ دَعْوَةً تَلْحَقُهُ من ابْنِهِ أَو أَخِيهِ أو صَدِيقِهِ ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ ، كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدَّنْيا وَمَا فِيهَا " والأخبارُ في هذا الباب كثيرةٌ انتهى من « العاقبة » . * ت * : وروى مالك في « الموطإ » عن يحيى بن سعيدٍ ، عن سعيد بن المسيَّب ، أنه قال : كان يقال : إِن الرجُلَ ليُرْفَعُ بدعاءِ ولده من بعده وأشارَ بيَدِهِ نحو السماء . قال أبو عمرو : وقد رُوِّينَاه بإسناده جيِّدٍ ، ثم أسند عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ العَبْدَ الدَّرَجَةَ ، فَيقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَنَّى لي هَذِهِ الدَّرَجَةُ ؟ فَيقالُ : باسْتِغْفَارَ وَلَدِكَ لَكَ " انتهى من « التمهيد » ، وروِّينا في « سنن أبي داود » ؛ " أنَّ رجُلاً مِنْ بني سَلَمَةَ قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَقيَ مِنْ برِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ ، أَبُّرُهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهما ، والاسْتِغْفَارُ لَهُما وإِنْفَاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصَلَةُ الرَّحِمِ التي لاَ تُوَصَلُ إِلاَّ بِهمَا ، وإِكْرَامُ صَدِيِقِهَما " انتهى . وقوله سبحانه : { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ … } الآية : قال الجمهورُ : الآية وصيةٌ للنَّاس كلِّهم بصلة قرابتهم ، خوطِبَ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة ، « والحَقُّ » ، في هذه الآية ، ما يتعيَّن له ؛ مِنْ صلة الرحم ، وسدِّ الخُلْة ، والمواساةِ عند الحاجة بالمالِ والمعونةِ بكلِّ وجْه ؛ قال بنحو هذا الحسنُ وابن عباس وعكرمة وغيرهم ، « والتبذير » إِنفاق المال في فسادٍ أو في سرفٍ في مباحٍ . وقوله تعالى : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ } ، أي : عمَّن تقدَّم ذكره من المساكين وابن السبيل ، { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } ، أي : فيه ترجيةٌ بفضل اللَّه ، وتأنيسٌ بالميعاد الحسنِ ، ودعاءٌ في توسعة اللَّه وعطائه ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقولُ بَعْدَ نزولِ هذه الآية ، " إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُعْطِي : يَرْزُقُنا اللَّهُ وإيَّاكُمْ مِنْ فضله " والـــ { رَحْمَةٍ } على هذا التأويل : الرزق المنتظر ، وهذا قول ابن عباس وغيره ، والميسور : من اليسر .