Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-65)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } هذه الآيةُ إِخبار للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه محفوظٌ من الكَفَرة آمِنٌ ، أي : فَلْتُبْلِّغْ رسالةَ ربِّك ، ولا تتهَّيب أحداً من المخلوقين ؛ قاله الطبريُّ ؛ ونحوه للحَسَن والسُّدِّيِّ . وقوله سبحانه : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَـٰكَ … } الآية : الجمهورُ أنَّ هذه الرؤيا رْؤَيا عينٍ ويقظةٍ ، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما كان صَبِيحَةَ الإِسراء ، وأخبر بما رأى في تلك الليلة من العجائب ، قال الكفَّار : إِن هذا لعجب ، وٱستبعدوا ذلك ؛ فٱفْتُتِنَ بهذا قومٌ من ضَعَفَةِ المسلمين ؛ فٱرتدُّوا ؛ وشقَّ ذلك على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فنزلَتْ هذه الآية ؛ فعلى هذا يحسُنْ أنْ يكون معنى قوله : { أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } في إِضلالهم وهدايتهم ، أي : فلا تهتمَّ ، يا محمَّد ، بكُفْر من كفر ، وقال ابن عباس : الرؤيا في هذه الآية هي رؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه يدخُلُ مكَّة ، فعجَّل في سنة الحُدَيْبِيَة ، فَصُدَّ فٱفَتُتِنَ المسلمون لذلك ، يعني بعَضهم ، وليس بفتْنَة كُفْر . وقوله : { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } معطوفة على قوله : { ٱلرُّءْيَا } ، أي جعلنا الرؤيا والشَّجرةَ فتنةً { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ } ؛ في قول الجمهورِ : هي شجرةٌ الزَّقُّوم ، وذلك أن أمرها لما نَزَلَ في سورة « والصَّافَّات » قال أبو جَهْل وغيره : هذا محمَّد يتوعَّدكم بنَارٍ تَحْرِقُ الحِجَارة ، ثم يزعُمُ أنها تُنْبِتُ الشجَرَ ، والنار تأكلُ الشجَر ، وما نعرفُ الزَّقُّوم إِلا التمر بالزُّبْد ، ثم أحضر تمراً وزُبْداً ، وقال لأصحابه ، تَزقَّمُوا ، فٱفتُتِنَ أيضاً بهذه المقالةِ بعْضُ الضعفاء ، قال الطبري عن ابن عباس : أن الشجرة الملعونَةَ ، يرُيد المعلونَ أُكُلُهَا ؛ لأنها لم يَجْرِ لها ذكر . قال * ع * ويصحُّ أَن يريد الملعونَةِ هنا ، فأكَّد الأمر بقوله : { فِي ٱلقُرْآنِ } ، وقالت فرقة : { ٱلْمَلْعُونَةَ } ، أي : المُبْعَدَة المكْروهة ، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله ، ولا شك أن ما ينبت في أصْل الجحيمِ هو في نهاية البُعْدِ من رحمة الله سبحانه . وقوله سبحانه : { وَنُخَوِّفُهُمْ } يريد كفَّار مكَّة . وقوله : { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الكافُ في « أَرَأَيْتَكَ » هي كافُ خطابٍ ومبالغةٍ في التنبّه ، لا موضعَ لها من الإِعراب ، فهي زائدةٌ ، ومعنى « أَرأَيْتَ » : أتأملت ونحوه ، كأنَّ المخاطِبَ بها ينبِّه المخاطَبَ ليستَجْمِعَ لما ينصُّه بعْدُ . وقوله : { لأَحْتَنِكَنَّ } معناه لأُمِيلَنَّ ولأَجُرَّنَّ ، وهو مأخوذ من تَحْنِيكِ الدابَّة ، وهو أن يشدَّ على حَنَكِها بحَبْل أو غيره ، فتقاد ، والسَّنةُ تَحْتَنِكُ المالَ ، أي : تجتره ، وقال الطبري « لأحتنكَنَّ » معناه لأستأصلنَّ ، وعن ابن عباس : لأستولين ، وقال ابن زيد : لأُضِلَّنَّ . قال * ع * وهذا بدلُ اللفظ ، لا تفسير . وقوله : { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } ، وما بعده من الأوامر : هي صيغةُ « افْعَلْ » بمعنى التهديد ، كقوله تعالى : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] « الموفور » ، المُكْمَل ، { وَٱسْتَفْزِزْ } معناه : ٱستخِفَّ وٱخدَعْ ، وقوله : { بِصَوْتِكَ } : قيل : هو الغِنَاء والمزامير والمَلاَهي ، لأنها أصواتٌ كلُّها مختصة بالمعاصي ، فهي مضافةٌ إِلى الشيطانِ ، قاله مجاهد ، وقيل : بدعائك إِياهم إِلى طاعتك . قال ابن عباس : صوته دعاءُ كُلِّ مَنْ دعا إِلى معصيةِ اللَّه ، والصوابُ أنْ يكون الصوتُ يعمُّ جميع ذلك . وقوله : { وَأَجْلِبْ } ، أي : هوِّل ، و « الجَلَبة » الصوتُ الكثير المختلِطُ الهائل . وقوله : { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } قيل : هذا مجازٌ وٱستعارة بمعنى اسع سعيك ، وابلغ جهدك ، وقيل : حقيقة وإنَّ له خيلاً ورَجُلاً من الجنِّ ، قاله قتادة ، وقيل : المراد فرسان الناس ، ورجالتهم المتصرِّفون في الباطل ، فإِنهم كلهم أعوان لإِبليس على غيرهم ؛ قاله مجاهد . { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَـٰدِ } عامٌّ لكل معصية يصنعها الناس بالمال ، ولكلِّ ما يصنع في أمر الذرِّية من المعاصي ، كالإيلاد بالزنا وكتسميتهم عَبْدَ شَمْس ، وأبا الكُوَيْفِر ، وعَبْدَ الحارِثِ ، وكلَّ اسْمٍ مكروه ؛ ومن ذلك : وأد البنات ؛ ومن ذلك : صبغهم في أديان الكفر ، وغير هذا ، وما أدخله النَّقَّاش من وطْء الجنِّ ، وأنه يُحْبِلُ المرأة من الإِنسِ ، فضعيفٌ كلُّه . * ت * : أما ما ذكره من الحبل ، فلا شك في ضَعْفه ، وفسادِ قولِ ناقله ، ولم أر في ذلك حديثاً لا صحيحاً ولا سقيماً ، ولو أمكن أنْ يكون الحَبَلُ من الجنِّ ، كما زعم ناقله ، لكان ذلك شُبْهَةً يدرأُ بها الحَدُّ عمَّن ظهر بها حَبَلٌ من النساء اللواتِي لا أزواج لهنَّ ؛ لٱحتمال أنْ يكون حَبَلُها من الجنِّ ؛ كما زعم هذا القائلُ ، وهو باطلٌ ، وأما ما ذكره من الوطء ، فقد قيل ذلك ؛ وظواهر الأحاديث تدلُّ عليه ، وقد خرَّج البخاريُّ ومسلم وأبو داود والترمذيُّ والنسائي وابن ماجه ، عن ابن عبَّاس ، قال : قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وجَنّب الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبداً " فظاهر قوله عليه السلام : « اللَّهُمَّ ، جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبَ الشَّيْطَانَ مَا رَزقتنا » - يقتضي أنَّ لهذا اللعين مشاركةً مَّا في هذا الشأنِ ، وقد سمعتُ من شيخنا أبي الحسن عليِّ بن عِثمانَ الزَّواويِّ المَانْجَلاَتِيِّ سَيِّدِ علماء بِجَايَةَ في وقَتْه ، قال : حدَّثني بعضُ الناس ممَّن يوثَقُ به يخبر عن زوجته ؛ أنها تجدُ هذا الأمْرَ ، قال المخبِرُ : وأصْغَيْتُ إِلى ما أخبرت به الزوجَةُ ، فسمعتُ حِسَّ ذلك الشىءِ ، واللَّه أعلم .