Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 70-73)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله جلَّت عظمته { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … } الآية : عدَّد اللَّه سبحانه على بني آدم ما خصَّهم به من المزايا مِنْ بين سائر الحيوان ، ومن أفضل ما أكْرَم به الآدِميَّ العقْلُ الذي به يعرفُ اللَّه تعالى ، ويفهم كلامه ، ويوصِّل إِلى نعيمه . وقوله سبحانه : { عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا } المراد بـــ « الكثير المفضولِ » الحيوانُ والجنُّ ، وأما الملائكة ، فهم الخارجون عن الكثير المفضول ، وليس في الآية ما يقتضي أن الملائكة أفضَلُ من الإِنسِ ؛ كما زعمت فرقة ؛ بل الأمر محتملٌ أنْ يكونوا أفضَلَ من الإِنس ، ويحتمل التساوي . وقوله سبحانه : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } يحتمل أن يريد باسْمِ إِمامهم ، فيقول : يا أمة محمَّد ، ويا أتباع فِرْعَوْنَ ، ونحو هذا ، ويحتمل أن يريد : مع إِمامهم أنْ تجيء كل أمَّة معها إِمامها من هادٍ ومضلٍّ ، واختلف في « الإمام » ، فقال ابن عباس والحسن : كتابهم الذي فيه أعمالهم ، وقال قتادة ومجاهد : نبيهم ، وقال ابن زيد : كتابهم الذي نَزَلَ عليهم ، وقالت فرقة : متَّبَعُهُمْ مِنْ هادٍ أو مُضِلٍّ ، ولفظة « الإِمام » تعمُّ هذا كلَّه . وقوله سبحانه : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } : حقيقةٌ في أن في القيامة صحائفَ تتطاير ، وتوضعُ في الأيْمَان لأهل الأَيْمانَ ، وفي الشمائل لأهل الكُفْر والخذلان ، وتوضع في أيمان المذْنِبِين الذين يَنْفُذُ عليهم الوعيد ، فيستفيدون منها أنهم غَيْرُ مخلَّدين في النار . وقوله سبحانه : { يَقْرَءُونَ كِتَـٰبَهُمْ } : عبارةٌ عن السرور بها ، أي : يردِّدونها ويتأمَّلونها . وقوله سبحانه : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي : ولا أقلَّ ، وقوله سبحانه : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } : قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : الإِشارة بـــ { هَـٰذِهِ } إلى الدنيا ، أي : مَنْ كان في هذه الدارِ أعمى عن النظرِ في آيات اللَّه وعِبَرِه ، والإِيمان بأنبيائه ، فهو في الآخرة أعمى ؛ على معنى أنه حيرانُ لا يتوجَّه لصوابٍ ولا يلوحُ له نُجْحٌ . قال مجاهد : فهو في الآخرةِ أعمى عن حُجَّته ، ويحتمل أنْ يكون صفةَ تفضيلٍ ، أي : أشدُّ عمًى وحيرةً ؛ لأنه قد باشر الخَيْبة ورأى مخايل العذاب ؛ ويقوِّي هذا التَّأويل قوله ، عطفاً عليه : { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } الذي هو « أَفْعَلُ مِنْ كَذَا » والعمى في هذه الآية هو عَمَى القلب ، وقولُ سِيَبَوَيْه : لا يقال أعمى مِنْ كَذَا ، إِنما هو في عمى العينِ الذي لا تفاضُلَ فيه ، وأما في عمى القْلبِ ، فيقال ذلك ؛ لأنه يقع فيه التفاضل * ت * : وكذا قال * ص * وقوله سبحانه : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ … } الآية : الضمير في قوله : { كَادُواْ } هو لقريشٍ ، وقيل : لثقيفٍ ، فأما لقريش ، فقال ابن جبير ومجاهد : نزلَتِ الآية ، لأنهم قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نَدَعُكَ تستلمُ الحَجَرَ الأسْوَدَ حتى تَمَسَّ أيضاً أوثانَنَا على معنى التشرُّع ، وقال ابن إسحاق وغيره : إِنهم ٱجتمعوا إليه ليلةً ، فعظَّموه ، وقالوا له : أنْتَ سيِّدنا ، ولكنْ أَقْبِلْ على بعض أمْرنا ، ونُقْبِلُ على بعض أمرك ، فنزلَتِ الآية في ذلك . قال * ع * : فهي في معنى قوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] وأما لثقيفٍ ، فقال ابن عباس وغيره : لأنهم طلبوا من رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يؤخرهم بعد إِسلامهم سَنَةً يعبدون فيها اللاَّتَ ، وقالوا : إِنما نريد أن نأخذ ما يُهْدَى لها ولكن إنْ خفْتَ أنْ تنكر ذلك عليك العربُ ، فقل : أَوْحَى اللَّهُ ذلك إِلَيَّ ، فنزلَتِ الآية في ذلك . * ت * : واللَّه أعلم بصحَّة هذه التأويلاتِ ، وقد تقدَّم ما يجبُ اعتقاده في حَقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فالتزمه تُفْلِحْ . وقوله : { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } : توقيفٌ على ما نجاه اللَّه منه من مُخَالَّةِ الكفَّار ، والولايةِ لهم .