Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-87)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } روى ابن مسعود أن اليهود قال بعضُهم لبعْض : سَلُوا محمداً عن الرُّوحِ فإِن أجاب فيه ، عرفْتم أنه ليس بنبي . قال * ع * : وذلك أنه كان عندهم في التوراة ؛ أَن الروح ممَّا انفرد اللَّه بعلْمه ، ولا يَطَّلع عليه أحَدٌ من عباده ، فسألوه ، فنزلَتِ الآية . وقيل : إن الآية مكِّية ، والسائلون هم قريشٌ ، بإِشارة اليهودِ ، واختلف الناس في الرُّوح المسؤول عَنْه ، أيُّ رُوحٍ هو ؟ فقال الجمهُور : وقع السؤال عن الأرواحِ التي في الأشخاصِ الحيوانيَّة ما هي ، فالرُّوح : اسم جنسٍ على هذا ، وهذا هو الصوابُ ، وهو المُشِكْل الذي لا تَفْسِيرَ له . وقوله سبحانه : { مِنْ أَمْرِ رَبِّي } يحتملُ أن يريد أنَّ الرُّوح مِنْ جملة أمور اللَّه التي استأثر سبحانه بعلْمها ، وهي إِضافةُ خَلْقٍ إِلى خَالِقٍ ، قال ابنُ رَاشِدٍ في « مرقبته » : أخبرني شيخي شهابُ الدِّينِ القَرِافِيُّ عن ابْنِ دَقِيقِ العِيد ؛ أنَهَ رأى كتاباً لبعض الحكماءِ في حقيقة النفْسِ ، وفيه ثَلاَثُمِائَةِ قولٍ ، قال رحمه اللَّه : وكثرُة الخلافِ تؤذنُ بكثرة الجهالاتِ ، ثم علماءُ الإِسلام اختلفوا في جوازِ الخَوْضِ فيها على قولَيْن ، ولكلٍّ حُجَجٌ يطُولُ بنا سَرْدُها ، ثم القائلون بالجوازِ اختلفوا ، هَلْ هي عَرَضٌ أو جوهرٌ ، أو ليستْ بجوهرٍ ولا عرضٍ ، ولا توصَفُ بأنها داخلُ الجسمِ ولا خارجُه ، وإِليه ميل الإِمام أبي حامد وغيره ، والذي عليه المحقِّقون من المتأخِّرين أنها جسْمٌ نورانيٌّ شفَّافٌ سارٍ في الجسْمِ سَرَيانَ النارِ في الفَحْم ؛ والدليلُ على أنها في الجسْم قوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [ الواقعة : 83 ] فلو لم تكن في الجِسْمِ ، لما قال ذلك ، وقد أخبرني الفقيهُ الخطيبُ أبو محمد البرجيني رحمه الله عن الشيخ الصَّالح أبي الطاهر الرَّكْرَاكِيِّ رحمه الله قال : حَضَرْتُ عند وَلِيٍّ من الأولياء حين النَّزْعِ ، فشاهدتُّ نَفْسَهُ قد خَرَجَتْ من مواضع من جَسَده ، ثم تشكَّلت على رأْسِه بشَكْله وصُورَته ، ثم صَعِدت إِلى السماء ، وصَعِدت نفْسي معها ، فلما انتهينا إلى السماء الدنيا ، شاهَدتُّ باباً ورجْلَ مَلَكٍ ممدودةً عليه ، فأزال ذلك المَلَكُ رِجْله ، وقال لنفْسِ ذلك الوليِّ : اصْعَدِي ، فَصَعِدَتْ ، فأرادَتْ نفْسي أنْ تَصْعَدَ معها ، فقال لها : ارْجِعي ، فقد بقي لك وقْتٌ ، قال : فرجعت فشاهدت الناسَ دائرين على جسْمي ، وقائلٌ يقولُ : ماتَ ، وآخر يقول : لم يَمُتْ ، فدخلَتْ من أنْفي ، أو قال : مِنْ عَيْني ، وقَمْتُ . انتهى . * ت * : وهذه الحكايةُ صحيحةٌ ، ورجال إِسنادها ثقاتٌ معروفون بالفَضْل ، فابنَ راشِدٍ هو شارِحُ ابنِ الحاجِبِ الفَرْعِيِّ ، والبرجينيُّ معروفٌ عند أهْل إِفريقيَّةَ وأبو الطاهر من أكابر الأولياء معطَّم عند أهل تُونُسَ ، مزاره وقبره بالزلاج معروفٌ زرته رحمه الله ، وقرأ الجمهور : « وما أوتيتم » ، واختلف فيمَنْ خوطب بذلك ، فقالت فرقة : السَّائِلُونَ فقَطْ ، وقالت فرقة : العالم كلُّه ، وقد نص على ذلك صلى الله عليه وسلم ؛ على ما حكاه الطبريُّ . وقوله : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ … } الآية : المعنى وما أوتيتم أنْت يا محمَّد ، وجميعُ الخلائق من العلْم إِلا قليلاً ، فاللَّه يُعلِّم مَنْ علَّمه بما شاء ، ويَدَعُ ما شاء ، ولو شاء لذهب بالوحْيِ الذي آتاك ، وقوله { إِلاَّ رَحْمَةً } استثناءٌ منقطعٌ ، أي : لكنْ رحمةً من ربِّك تمسكُ عليك قال الداووديُّ : وما روي عن ابن مسعود من أنه سَيُنْزَعُ القرآنُ من الصدور ، وتُرْفَعُ المصاحف لا يَصِحُّ وإِنما قال سبحانه : { وَلَئِن شِئْنَا } فلم يشأ سبحانه ، وفي الحديثِ عنه صلى الله عليه وسلم : " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ " قال البخاريُّ : وهم أهل العِلْم ، ولا يكون العلْمُ مع فَقْد القرآن . انتهى كلامُ الداووديِّ ، وهو حَسَن جدًّا ، وقد جاء في الصحيح ما هو أبْيَنُ من هذا ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْتَزِعُ العِلْمَ انْتِزَاعاً ولَكِنْ يَقْبضِ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ … " الحديث .