Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 19-21)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ لِيَتَسَاءلُواْ بَيْنَهُمْ } الإِشارة بـــ « ذلك » إلى الأمر الذي ذكَره اللَّه في جِهَتِهِمْ ، والعبرة التي فعلها فيهم ، « والبَعْث » : التحريك عن سكونٍ ، واللام في قوله : { لِيَتَسَاءَلُواْ } لام الصيرورة ، وقول القائلِ : { كَمْ لَبِثْتُمْ } يقتضى أنه هَجَسَ في خاطره طُولُ نومهم ، واستشعر أنَّ أمرهم خَرَجَ عن العادة بعضَ الخروجِ ، وظاهر أمرهم أنهم انتبهوا في حالٍ منَ الوَقْت ، والهواء الزمانيُّ لا يباين الحالة التي ناموا عليها ، وقولهم : { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ } يروى أنهم انتبهوا ، وهُمْ جيَاعٌ ، وأنَّ المبعوثَ هو تَمْلِيخَا ، وروي أن باب الكهف انهدَمَ بناءُ الكفَّار منه ؛ لطول السنين ، ويروى أن راعياً هدمه ؛ ليدخل فيه غنمه ، فأخذ تمليخا ثياباً رثَّةً منْكَرة ولبسها ، وخرَجَ من الكهف ، فأنكر ذلك البِنَاءَ المهدُومَ ؛ إذ لم يعرفه بالأمْسِ ، ثم مَشى ، فجعل يُنْكِر الطريق والمعالمَ ، ويتحيَّر وهو في ذلك لا يشعر شعوراً تامًّا ، بل يكذِّب ظنه فيما تغيَّر عنده حتى بَلَغَ بابَ المدينة ، فرأى على بابها أمَارة الإِسلام ، فزادَتْ حَيْرَتُه ، وقال : كيف هَذَا بِبَلد دقْيُوس ، وبالأمْسِ كنا معه تَحْتَ ما كنا ، فنهض إلى بابٍ آخر ، فرأى نحواً من ذلك ؛ حتى مشَى الأبوابَ كلَّها ، فزادَتْ حيرته ، ولم يميِّز بشراً ، وسمع الناس يُقْسِمُون باسم عيسى ، فاستراب بنَفْسه ، وظنَّ أنه جُنَّ ، أو انفسد عقله ، فبقي حَيْرَان يدعو اللَّه تعالى ، ثم نهض إِلى باب الطعام الذي أراد اشتراءه ، فقال : يا عبد اللَّه ، بِعْنِي من طعامك بهذه الوَرِقِ ، فدفع إِليه دَرَاهِمَ ، كأخْفَافِ الربع فيما ذُكِرَ ، فعجب لها البائعُ ودَفَعَهَا إلى آخر يُعَجِّبُهُ ، وتعاطَاهَا النَّاسُ ، وقالوا له : هذه دراهِمُ عَهْدِ فلانٍ المَلِكِ ، مِنْ أيْن أنْتَ ؟ وكَيْفَ وجدتَّ هذا الكَنْزَ ، فجعل يبهت ويعجَبُ ، وقد كان بالبلد مشهوراً هو وبَيْتُهُ ، فقال : ما أعرفُ غير أنِّي وأصْحَابي خَرَجْنا بالأمْس من هذه المدينةِ ، فقال النَّاس : هذا مجنونٌ ، ٱذهبوا به إِلى المَلِكِ ، ففزِعَ عند ذلك ، فَذُهِبَ به حتى جيءَ به إلى المَلِكِ ، فلما لم يَرَ دْقيُوس الكافِرَ ، تأنَّس ، وكان ذلك المَلِكُ مؤمناً فاضلاً يسمَّى تبدوسِيس ، فقال له المَلِكُ : أين وجدت هذا الكَنْز ؟ فقال له : إِنما خرجْتُ أنا وأصْحَابي أمْس من هذه المدينة ، فأوينا إِلى الكَهْف الذي في جَبَل أنجلوس ، فلما سمع المَلِكُ ذلك ، قال في بعض ما رُوِيَ : لعلَّ اللَّه قَدْ بعث لكُمْ أيُّها الناس آيَةً فَلْنَسِرْ إِلى الكهف ، حتى نرى أصحابه ، فساروا ، وروي أنه أو بعض جلسائه قال : هؤلاءِ هُمُ الفتيةُ الذين ورِّخَ أمرهم على عهد دقْيُوس المَلِك ، وكتب على لُوح النُّحَاس بباب المدينةِ ، فسار الملك إليهم ، وسار الناس معه فلما انتهوا إلى الكهف ، قال تَمْليَخا : أدخُلُ عليهم لئلا يرعبوا ، فدخل عليهم ، فأعلمهم بالأمْر ، وأن الأمة أمَّة إِسْلام ، فروي أنهم سُرُّوا وخَرَجُوا إلى الملك ، وعظَّموه ، وعظَّمهم ، ثم رجَعُوا إلى الكهف ، وأكثرُ الروايات على أنهم ماتُوا حين حدَّثهم تملِيخَا ، فانتظرهم النَّاسُ ، فلما أبطأ خروجُهم ، دَخَل الناس إليهم ، فرعبَ كلُّ من دخل ، ثم أقدموا فوجَدُوهم موتى ، فتنازعوا بحَسَب ما يأتى ، وفي هذه القصص من الاختلاف ما تَضِيقُ به الصُحفُ فاختصرته ، وذكرت المهم الذي به تتفسَّر ألفاظ الآيةِ ، واعتمدتُّ الأصحَّ واللَّه المعينُ برحمته ، وفي هذا البَعْثِ بالوَرِقِ جوازُ الوَكَالةِ ، وصحَّتُها . و { أَزْكَى } معناه : أكثر فيما ذكر عكرمة ، وقال ابن جُبَيْر : المراد أحَلّ ، وقولهم : { يَرْجُمُوكُمْ } قال الزجاج : بالحجارة ، وهو الأصح وقال حَجَّاج : « يرجموكم » معناه : بالقول وقوله سبحانه : { وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } : الإِشارة في قوله : { وَكَذَٰلِكَ } إلى بعثهم ليتساءلوا ، أي : كما بعثناهم ، أعثرنا عليهم ، والضمير في قوله : { لِيَعْلَمُواْ } يحتمل أن يعود على الأمَّة المسلمة الذين بُعِثَ أهّل الكهف على عهدهم ، وإلى هذا ذهب الطبريُّ ؛ وذلك أنهم فيما روي دخلتهم حينئذٍ فتنةٌ في أمْرِ الحَشْر وبَعْثِ الأجساد من القبور ، فشَكَّ في ذلك بعضُ الناس ، واستبعدوه ، وقالوا : إِنما تُحْشَر الأرواح ، فشَقَّ ذلك على مَلِكهم ، وبقي حَيرَان لا يَدْرِي كيف يبيِّن أمره لهم ، حتى لَبَس المُسُوح ، وقعد على الرَّمَادَّ وتضرَّع إلى اللَّه في حُجَّة وبيانٍ ، فأعثرهم اللَّه على أَهْل الكهف ، فلما بعثهم اللَّه ، وتبيَّن الناس أمرهم ؛ سُرَّ الملِكُ ، ورَجَعَ مَنْ كان شَكَّ في بعث الأجساد إلى اليقين به ، وإلى هذا وقعت الإِشارة بقوله : { إِذْ يَتَنَـٰزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } ؛ على هذا التأويل ، ويحتمل أن يعود الضميرُ في { يَعْلَمُواْ } على أصحاب الكهف ، وقوله : { إِذْ يَتَنَـٰزَعُونَ } ؛ على هذا التأويل : ابتداءُ خبرٍ عن القوم الذين بُعِثُوا على عهدهم ، والتنازع على هذا التأويل إِنما هو في أمر البناء أو المسجد ، لا في أمر القيامة ، وقد قيل : إِن التنازع إِنما هو في أنْ ٱطلعوا عَليْهم ، فقال بعضهم : هم أمواتٌ ، وبعضٌ : هم أحياء ، وروي أنَّ بعض القومِ ذهبوا إلى طمس الكَهْف عليهم ، وترْكِهِم فيه مغيِّبين ، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر : { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } ، فاتخذوه ، قال قتادة : { ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ } هم الولاة .