Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 45-48)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يريد حياة الإنسان ، كماء أنزلناه من السماء { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } ، أي : فاختلط النبات بعضه ببعض بسبب النماءِ ، { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا } أصبح عبارة عن صيرورته إِلى ذلك ، و « الهَشِيم » المتفتِّت من يابس العُشْب ، و { تَذْرُوهُ } بمعنى تفرِّقه ، فمعنى هذا المَثَل تشبيهُ حالِ المَرْء في حياته ومالِهِ وعزَّته وبَطَره ، بالنَّبات الذي له خُضْرة ونَضْرة عن الماءِ النازل ، ثم يعودُ بعد ذلك هشيماً ، ويصير إِلى عُدْم ، فمن كان له عَمَلٌ صالح يبقى في الآخرةِ ، فهو الفَائِزُ . وقوله سبحانه : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } لفظه الخبر ، لكنْ معه قرينة الصِّفة للمال والبنين ؛ لأنه في المَثَلِ قَبْلُ حَقَّر أمْرَ الدنيا وبيَّنه ؛ فكأنه يقول : المال والبنون زينةُ هذه الحياة الدنيا المحقَّرة ، فلا تُتْبِعُوهَا نُفُوسَكُمْ ، والجمهور أنَّ { ٱلصَّـٰلِحَاتُ } . هي الكلماتُ المذكورُ فضْلُها في الأحاديث : " سُبْحَانِ اللَّهِ ، وَالحَمْدُ للَّهِ ، ولاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ » ، وقد جاء ذلك مصرَّحاً به من لفظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله : « وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالحَاتُ " . وقوله سبحانه : { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي : صاحبها ينتظرُ الثَّواب ، وينبسطُ أمله ، فهو خَيْرٌ من حال ذي المَالِ والبنينَ ، دون عَمَلٍ صالحٍ ، وعن أبي سعيد الخدريِّ ؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " اسْتَكْثِرُوا مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ » قيلَ : وَمَا هُنَّ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ : » التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ والتَّسْبِيحُ وَالحَمْدُ للَّهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّة إِلاَّ باللَّه " رواه النسائيُّ وابنُ حِبَّان في « صحيحه » انتهى من « السلاح » . وفي « صحيح مسلم » عن سَمُرة بن جُنْدُبٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " أحَبُّ الكَلاَمِ إِلى اللَّهِ تَعَالى أَرْبَعٌ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، والحَمْدُ لِلَّهِ ، ولا إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ ، واللَّهُ أكْبُرُ لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ " وفي « صحيح مُسْلِم » ، عن أبي مالِكٍ الأشعريِّ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الطُّهوُرُ شَطْرُ الإِيمَانِ والحَمْدُ للَّهِ تَمْلأُ المِيزَانَ ، وسُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ أَو تَمُلأُ مَا بَيْنَ السَّمٰواتِ والأَرْضِ … " الحديث انتهى . قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وروى مالكٌ عن سعيد بن المسيَّب ، أنَّ الباقيات الصالحات قولُ العبْدِ : اللَّهُ أكْبَرُ ، وسبحانَ اللَّهِ ، والحمدُ للَّهِ ، ولا إِله إِلا اللَّه ، ولا حَوْلَ ولاَ قوَّة إِلا باللَّه » وروي عن ابْنِ عباس وغيره ؛ أن الباقياتِ الصَّالحات الصَّلواتُ الخَمْس . انتهى . * ت * : وما تقدَّم أولى ، ومن كلام الشيْخِ الوليِّ العارف أبي الحَسن الشَّاذِليِّ رضي اللَّه عنه قال : عليك بالمطهرِّات الخمس في الأقوال ؛ والمطهِّرات الخمس في الأفعال ، والتبرِّي من الحول والقَّوة في جميع الأحوال ، وغُصْ بعقلك إِلى المعاني القائمة بالقَلْب ، وٱخْرُجْ عنها وعنه إِلى الرَّبّ واحفظِ اللَّه يحفظْك ، وٱحفظِ اللَّه تجدْهُ أمامك وٱعبُدِ اللَّه بها ، وكُنْ من الشاكرين ، فالمطهِّراتُ الخمس في الأقوالِ : سُبْحَانَ اللَّه ، والحمدُ للَّهِ ، ولا إِلٰه إِلا اللَّه ، واللَّهُ أَكبر ، ولا حول ولا قوة إِلا باللَّه ، والمطهِّراتُ الخَمْسُ في الأفعال : الصلواتُ الخمْسُ ، والتبرِّي من الحول والقوة : هو قولُكَ : لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلا باللَّه . انتهى . وقوله سبحانه : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } : يحتمل أن الأرض ؛ لِذَهَابِ الجبال ، والضِّرابِ والشَّجَرِ - بَرَزَتْ ، وانكشفَتْ ويحتملُ أن يريد بُرُوزَ أهلها من بطنها للحِشَرْ ، و « المغادَرة » : الترك ، { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا } ، أي : صفوفاً وفي الحديث الصحيح : " يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ صُفُوفاً يُسْمِعُهُمُ الدَّاعي ، ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ … " الحديث بطوله ، وفي حديثٍ آخَرَ : " أَهْلُ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِائَةٌ وعِشْرُونَ صَفًّا ، أنْتُمْ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا " . وقوله سبحانه : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } : يفسِّره قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إنكُمْ تُحْشَرُونَ إِلى اللَّه حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً " { كَمَآ بَدَأْنَا أوَّلَ خَلَقٍ نُّعِيدُهُ } [ الأنبياء : 104 ] .