Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزَّ وجل : { كۤهيعۤصۤ } قد تقدَّمَ الكلامُ في فواتح السوَرِ . وقوله : { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ } مرتَفِعٌ بقولهِ : { كۤهيعۤصۤ } في قَوْلِ فرقَةٍ . وقيل : إنَّهُ ارتفعَ على أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدأ محذوفٍ تَقْديرُهُ : هذا ذكر ، وحكَى أبو عمرو الدَّانِي عن ابن يعمر أَنَّه قرأ : « ذَكِّر رَحْمَة رَبِّكَ » : بفتح الذَّالِ ، وكسر الكافِ المشدَّدة ، ونصبِ الرَّحمة . وقوله { نَادَىٰ } : مَعناه بالدُّعَاءِ والرغبَةِ ؛ قاله ابنُ العربيِّ في « أحكامه » . وقوله تعالى : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً } : يناسِبُ قَوْلَهْ : { ٱدعوا ربَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [ الأعراف : 55 ] . وفي « الصحيح » عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قَال : " خيرُ الذَّكْرِ الخفيُّ ، وخيرُ الرِّزقِ ما يَكْفِي " وذلك ؛ لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِن الرياء ، فأَمَّا دُعاءُ زكرياء عليه السلام فإنما كان خفيّاً لوجهين : أَحدُهُما : أَنَّهُ كان ليلاً . والثاني : أَنَّهُ ذَكَرَ في دُعَائه أَحوالاً تفتقرُ إلى الإخفَاءِ ؛ كَقَوْلِهِ : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِيَ مِن وَرَآئِي } . وهذا مما يُكْتَمُ . انتهى . و { وَهَنَ ٱلْعَظْمُ } معناه ضَعُفَ ، { وَٱشْتَعَلَ } مُسْتَعَارٌ للشيْب منِ اشتعال النَّار . وقولهُ : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } شُكْر للّه ـــ عز وجل ـــ على سالف أياديه عنده ، معناه : قد أَحسنتَ إليَّ فيما سلَف ، وسعدتُ بدعائي إيَّاك ؛ فالإنعامُ يقتضي أَنْ يشفع أَوله آخره . * ت * : وكذا فسَّر الدَّاوُودِيُّ ، ولفظه : « ولم أَكنْ بدُعائِك رَبِّ شقيّاً » ، يقولُ : كنْتَ تعرفني الإجابَة فيما مَضىٰ ، وقاله قتادةُ : انتهى . وقوله : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِيَ … } الآية ، قيل : معناه خاف أَن يرثَ الموَالي مَالَهُ ، والموالي : بنو العمّ ، والقرابةُ . وقولُه { مِن وَرَآئِي } أَيْ : من بعدي . وقالت فرقةٌ : إنما كان مواليه مهمِلينَ للدِّين ؛ فخاف بموته أَنْ يضَيع الدينُ ؛ فطلب وليّاً يقومُ بالدين بعده ؛ حَكَى هذا القولَ : الزَّجَّاجُ ، وفيه : أَنه لا يجوزُ أَن يسأل زَكَرِيَّاءُ من يرث ماله ؛ إذاِ الأَنبيَاءِ لا تُورَثُ . قال * ع * : وهذا يُؤَيّده قولُه صلى الله عليه وسلم : " إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَا ، فَهُو صَدَقَة " والأَظهرُ الأَلْيق بزكرياء عليه السلام أَن يريدَ وِرَاثةَ العِلْم والدِّينِ ، فتكون الوارثةُ مستعارةً ، وقد بلغه اللّه أَمَلَهُ . قال ابنُ هِشَامٍ : و { مِنْ وَرآئِي } متعلّقٌ بـ { ٱلْمَوَٰلِيَ } ، أو بمحذوفٍ هو حالٌ من الموالي ، أو مُضَاف إليهم ، أَيْ : كائِنِينَ مِنْ وَرَائي ، أو فعَل الموالي مِنْ ورائي ، ولا يصحّ تعلقه بـــ « خِفْتُ » ؛ لفساد المعنى . انتهى . من « المغني » . و { خِفْتُ ٱلمَوَٰلِيَ } ، هي قراءةُ الجمهور ، وعليها هو هذا التفسير . وقرأ عثمانُ بنُ عَفَّانَ ، وزيدُ بنُ ثابتٍ ، وابنُ عباسٍ ، وجماعةٌ « خَفَّتِ » بفتح الخاء ، وفتح الفاء ، وشدِّها ، وكَسْر التَّاء ، والمعنى على هذا : قد انقَطَع أَوْلِيَائِي ، وماتُوا ، وعلى هذه القراءة ، فإنما طلب وَليَّا يقوم بالدين . قال ابنُ العربي في « أحكامه » : ولم يخف زكرياءُ وارثَ المالِ ، وإنما أَراد إرْثَ النبوءة ، وعليها خاف أَن تخرج عن عَقِبه ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال : " إنَّا ـــ معَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ ـــ لاَ نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة " انتهى . وقرأ عليُّ بنُ أَبي طَالِبٍ ، وابنُ عباسٍ ، وغيرُهما ـــ رضي اللّه عنهم ـــ « يرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ » . * ت * : وقوله : { فَهَبْ لِي } قال ابنُ مَالكٍ في « شرح الكافية » اللامُ هنا : هي لامُ التعدِيَة ؛ وقاله ولدُه في « شرح الخلاصة » . قال ابنُ هشام : والأَوْلَىٰ عندي أن يمثل للتعدية بنحو : ما أكرم زيداً لعمرو ، وما أحبه لبكر ، انتهى . وقولُه : { مِن ءَالِ يَعْقُوبَ } يريدُ يرث منهم الحِكْمة ، وكذلك العاقرُ من الرجال . وقوله : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } معناه في اللغة : لم نجعل له مُشَارِكاً في هذا الاسم ، أي : لم يسم به قبل يَحْيىٰ ، وهذا قول ابن عباس وغيره . وقال مجاهدُ : وغيره : { سَمِيّاً } معناه : مثيلاً ، ونظيراً ، وفي هذا بعدٌ : لأَنه لا يفضل على إبرَاهِيم ومُوسَىٰ عليهما السلام إلا أن يفضل في خاص ؛ كالسودد ، والحصر . والعتي ، والعُسِيُّ : المبالغة في الكبر ، أو يُبْس العود ، أو شيْب الرأس ، أو عقيدة ما ، وزكرياء : هو من ذرية هارون - عليهما السلام - ومعنى قوله : { سَوِيّاً } فيما قال الجمهور ، صحيحاً من غير عِلَّة ، ولا خرس . وقال ابن عباس : ذلك عائدٌ على الليالي ، أراد : كاملات مستويات . وقوله : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } قال قتادة ، وغيره : كان ذلك بإشارة . وقال مجاهد : بل بكتابة في التراب . قال * ع * : وكِلاَ الوجهين وَحْي . وقوله : { أَنْ سَبِّحُواْ } قال قتادة : معناه صلوا السُّبْحة ، والسُّبحةْ : الصلاة ، وقالت فرقة : بل أَمرهم بذكر اللّه ، وقول : سُبْحان اللّه .