Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-115)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالَىٰ : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } ، معناه : قال اليهودُ : لن يدخل الجَنَّة إلاَّ مَنْ كان هُوداً ، وقال النصَارَىٰ : لن يدخل الجنة إِلا من كان نصارَىٰ ، فجمع قولهم . ودلَّ تفريقُ نوعَيْهم على تفريقِ قولَيْهم ، وهذا هو الإِيجازُ واللفُّ . و { هُودًا } : جمعُ هَائِدٍ ، ومعناه : التائبُ الراجعُ ، وكذَّبهم اللَّه تعالى ، وجعل قولهم أمنيَّةً ، وأمر نبيَّه - عليه السلام - بدعائهم إِلى إِظهار البُرْهان ، وهو الدليلُ الذي يوقع اليقينَ ، وقولهم : « لَنْ » نفي حسُنت بعده « بَلَىٰ » ؛ إذ هي ردٌّ بالإيجاب في جواب النفي ، حرْفٌ مرتَجَلٌ لذلك ، و { أَسْلَمَ } : معناه : ٱستسلَمَ ، وخضَع ، ودان ، وخص الوجْهَ بالذكْر ؛ لكونه أشرف الأعضاء ، وفيه يظهر أثر العِزِّ والذُّلِّ ، { وَهُوَ مُحْسِنٌ } : جملة في موضعِ الحالِ . وقوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ … } الآية : معناه : أنه ٱدَّعَىٰ كلُّ فريقٍ أنه أحقُّ برحمةِ اللَّه من الآخر ، وسبب الآية أن نصارَىٰ نجران اجتمعوا مع يهود المدينةِ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فتسابُّوا ، وكَفَرَ اليهودُ بعيسَىٰ وبملَّته ، وبالإِنجيلِ ، وكَفَر النصارَىٰ بمُوسَىٰ وبالتَّوراة . * ع * : وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها ؛ لأن الإِنجيلَ يتضمَّن صدْقَ موسَىٰ ، وتقرير التَّوْراة ، والتوراةَ تتضمَّن التبشيرَ بعيسَىٰ ، وكلاهما يتضمَّن صدْقَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فعنفهم اللَّه تعالَىٰ علَىٰ كذبهم ، وفي كتبهم خلافُ ما قالوا . وفي قوله تعالى : { وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } تنبيهٌ لأمة محمَّد صلى الله عليه وسلم علَىٰ ملازمة القُرْآن ، والوقوف عند حدوده ، والكتَابُ الذي يتلونه ، قيل : هو التوراةُ والإِنجيل ، فالألف واللام للْجِنْسِ ، وقيل : التوراةِ ؛ لأن النصارَىٰ تمتثلُها . وقوله تعالى : { كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني : كفار العَرَبِ ؛ لأنهم لا كتابَ لهم ، { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ … } الآية ، أي : فيثيب من كان على شيءٍ ، ويعاقب من كان على غَيْر شيء ، { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ … } الآيةَ ، أي : لا أحد أظلم من هؤلاء ، قال ابنُ عَبَّاس وغيره : المراد النصارَى الذين كانِوا يؤذون من يصلِّي ببَيْت المَقْدِسِ ، وقال ابن زَيْد : المراد كُفَّار قُرَيْش حين صدُّوا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن المسجِدِ الحرامِ ، وهذه الآية تتناوَلُ كلَّ من منع من مسجد إِلى يوم القيامة . وقوله سبحانه : { أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ … } الايةَ : فمن جعل الآية في النصارَىٰ ، روَىٰ أنَّه مَرَّ زمَنٌ بعْد ذلك لا يدخل نصرانيٌّ بيْتَ المَقْدِس إِلا أوجع ضرباً ، قاله قتادةُ والسُّدِّيُّ ، ومن جعلها في قريش ، قال : كذلك نودي بأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَلاَّ يَحُجَّ مُشْرِكٌ ، وَأَلاَّ يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ ؛ و { أَيْنَمَا } شرط ، و { تُوَلُّواْ } جزمٌ به ، و { ثَمَّ } : جوابه ، و { وَجْهُ ٱللَّهِ } : معناه : الذي وجَّهنا إِلَيْه كما تقولُ : سافَرْتُ في وجه كذا ، أي : في جهة كذا ، ويتجه في بعض المواضِعِ من القرآن كهذه الآية أن يراد بالوجْهِ الجِهَةُ الَّتي فيها رضَاهُ ، وعلَيْها ثوابُه ؛ كما تقول تصدَّقت لوجْهِ اللَّهِ ، ويتَّجه في هذه الآية خاصَّة أن يراد بالوجه الجهةُ الَّتي وجهنا إليها في القبلة ، واختلف في سبب نزولِ هذه الآيةِ ، فقال ابنُ عُمَرَ : نزلَتْ هذه الآية في صلاة النافلةِ في السفَرِ ، حيث توجَّهت بالإِنسان دابَّته ، وقال النَّخَعِيُّ : الآية عامَّة ، أينما تولوا في متصرَّفاتكم ومساعِيكُمْ ، فثَمَّ وجْه اللَّه ، أي : موضع رضاه وثوابه ، وجهة رحمته الَّتي يوصِّل إِليها بالطاعة ، وقال عبد اللَّه بن عامِرِ بنِ ربيعَةَ : نَزَلَتْ فيمن ٱجتهدَ في القبلة ، فأخطأ ، ووَرَدَ في ذلكَ حديثٌ رواه عامرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، قال : « كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فَتَحَرَّىٰ قَوْمٌ الْقِبْلَةَ ، وأَعْلَمُوا عَلاَمَاتً ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ، رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَئُوهَا ، فَعَرَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ ، فَنَزلَت هَذِهِ الآية » . وقيلَ : نزلت الآية حين صُدَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البَيْتِ . و { وٰسِعٌ } : معناه مُتَّسِعُ الرحمة ، { عَلِيمٌ } أين يضعها ، وقيل : { وٰسِعٌ } : معناه هنا أنه يوسِّع على عباده في الحُكْم دينُهُ يُسْرٌ ، { عَلِيمٌ } بالنيَّات التي هي ملاكُ العمل .