Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 174-176)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ … } الآية . قال ابن عَبَّاس وغيره : المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمْر محمَّد صلى الله عليه وسلم ، و { ٱلْكِتَـٰبِ } : التوراة والإِنجيل . * ع * : وهذه الآية وإِن كانَتْ نزلَتْ في الأحبار ، فإِنها تتناوَلُ من علماء المسلمين مَنْ كتم الحقَّ مختاراً لذلك بسبب دُنْيَا يصيبُهَا ، وفي ذكر البَطْنِ تنبيهٌ علَىٰ مذمَّتهم ؛ بأنهم باعوا آخرتهم بحظِّهم من المطعم الذي لا خَطَرَ له ، وعلى هُجْنَتِهمْ بطاعة بُطُونهم ، قال الرَّبِيع وغيره : سَمَّىٰ مأكولهم ناراً ؛ لأنه يؤول بهم إِلى النار ، وقيل : يأكلون النار في جَهَنَّمَ حقيقةً . * ت * : وينبغي لأهل العلْمِ التنزُّه عن أخْذ شيء من المتعلِّمين علَىٰ تعليم العلْم ، بل يلتمسُونَ الأجر من اللَّه عزَّ وجلَّ ، وقد قال تعالى لنبيِّه - عليه السلام - : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً … } [ الأنعام : 90 ] الآية ، وفي سنن أبي دَاوُدَ ، عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قال : " « عَلَّمْتُ نَاساً مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الكِتَابَ ، وَالقُرْآنَ ، وَأَهْدَىٰ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْساً ، فَقُلْتُ : لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، لآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلأسْأَلَنَّهُ ، فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَجُلٌ أَهْدَىٰ إِلَيَّ قَوْساً مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالقُرْآنَ ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقاً مِنْ نَارٍ ، فَٱقْبَلْهَا » ، وَفِي روايةٍ : « فَقُلْتُ مَا تَرَىٰ فِيهَا ، يَا رَسُولَ اللَّهُ ؟ قَالَ : جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا » " انتهى . وقوله تعالى : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } : قيل : هي عبارةٌ عن الغضب عليهم ، وإِزالة الرضَا عنهم ؛ إِذ في غير موضعٍ من القُرآن ما ظاهره أن اللَّه تعالَىٰ يكلِّم الكافرين ، وقال الطبريُّ وغيره : المعنَىٰ : لا يكلِّمهم بما يحبُّونَهُ . { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } ، أي : لا يطهِّرهم من موجباتِ العذابِ ، وقيل : المعنى : لا يسمِّيهم أزكياء . وقوله تعالى : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } : قال جمهور المفسِّرين : « ما » تعجُّب ، وهو في حيِّز المخاطبين ، أي : هم أهلٌ أن تَعْجَبُوا منْهم ، وممَّا يطول مُكْثُهم في النَّار ، وفي التنزيل : { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] و { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } [ مريم : 38 ] . وقال قتادة ، والحَسَنُ ، وابْنُ جُبَيْر ، والربيع : أظهر التعجُّب من صبرهم على النار لَمَّا عملوا عملَ مَنْ وَطَّن نفْسه علَيْها ، وتقديره ما أجرأَهم علَى النَّارِ ؛ إِذ يعملون عملاً يؤدِّي إِليها ، وذهب مَعْمَرُ بْنُ المُثَنَّىٰ ؛ إِلى أن « ما » استفهامٌ ، معناه : أيُّ شَيْءٍ صبرهم عَلَى النار ، والأول أظهر . وقوله سبحانه : { ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ … } الآية : المعنَىٰ : ذلك الأمر بأنَّ اللَّه نزَّل الكتابَ بالحَقِّ ، فكفروا به ، والإِشارة إِلى وجوب النَّار لهم . و { ٱلْكِتَـٰبَ } : القُرْآن ، و { بِٱلْحَقِّ } ، أي : بالإِخبار الحقِّ ، أي : الصادقة . و { ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } هم اليهودُ والنصارَىٰ ، في قول السُّدِّيِّ ، وقيل : هم كفَّار العرب ؛ لقول بعضهم : هو سِحْرٌ ، وبعضهم : أساطير ، وبَعْضهم : مفترًى ، إِلى غير ذلك . و { بَعِيدٍ } ، هنا : معناه من الحقِّ ، والاستقامة .