Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ … } الآية : قال ابن عَبَّاس وغيره : الخِطَابُ بهذه الآية للمؤمنين ، فالمعنَىٰ : ليس البرُّ الصلاةَ وحْدها ، وقال قتادة ، والربيع : الخطاب لليهودِ والنصارَىٰ ؛ لأنهم تكلَّموا في تحويل القبلة ، وفضَّلت كل فرقة تولِّيها ، فقيلَ لهم : ليس البرَّ ما أنتم فيه ، ولكنَّ البرَّ من آمن باللَّه . وقوله تعالى : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ … } الآيةَ : هذه كلُّها حقوقٌ في المال سوى الزكاةِ ، قال الفَخْر : وروَتْ فاطمةُ بنْتُ قَيْسٍ ، أنَّ فِي المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ، وتَلاَ : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ … } ، وعنه صلى الله عليه وسلم " لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ ، وَجَارُهُ طَاوِياً إِلَىٰ جَنْبِهِ " انتهى . قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وإِذا وقع أداء الزكاة ، ثم نزلَتْ بعد ذلك حاجةٌ ، فإِنه يجبُ صرف المال إِليها بٱتفاقٍ من العلماءِ ، وقد قال مالك : يجبُ على كافَّة المسلمين فِدَاءُ أسراهم ، وإن ٱستغْرَقَ ذلك أموالَهُمْ ، وكذلك إِذا منع الوالي الزكاةَ ، فهل يجبُ على الأغنياء إِغناءُ الفقراء ؟ الصحيحُ : وجوبُ ذلك علَيْهم . انتهى . ومعنى : { أَتَىٰ } : أعطى علَىٰ حبِّه ، أي : على حبِّ المال ، ويحتملُ أن يعود الضميرُ على اسْمِ اللَّه تعالَىٰ من قوله : { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } ، أي : من تَصَدَّقَ مَحَبَّة في اللَّه وطاعته . * ص * : والظاهر أن الضمير في « حُبِّهِ » عائدٌ على « المال » ؛ لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود علَىٰ غير الأقرب إِلاَّ بدليلٍ . انتهى . قال : * ع * : والمعنَى المقصودُ أن يتصدَّق المرءُ في هذه الوجوهِ ، وهو صحيحٌ شحيحٌ يخشَى الفَقْر ، ويأمل الغنَىٰ ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم . والشحُّ ؛ في هذا الحديث : هو الغريزيُّ الذي في قوله تعالَىٰ : { وَأُحْضِرَتِ ٱلأَنفُسُ ٱلشُّحَّ } [ النساء : 128 ] وليس المعنَى أنْ يكون المتصدِّق متَّصِفاً بالشحِّ الذي هو البُخْل . { وَفِي ٱلرِّقَابِ } ، أي : العتق ، وفَكّ الأسْرَىٰ . { وَٱلصَّـٰبِرِينَ } : نصبٌ على المدح ، أو على إِضمار فعْلٍ ، وهذا مَهْيَعٌ في تكرار النعوتِ . و { ٱلْبَأْسَآءِ } : الفَقْر والفاقة . { وَٱلضَّرَّاءِ } : المرض ، ومصائبُ البدن ، وعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَوَّلُ مَنْ يُدْعَىٰ إِلَى الجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ " رواه الحاكم في « المستَدْرَكِ » ، وقال : صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ . انتهى من « السلاح » . وفي صحيح مُسْلِمٍ ، عن صُهَيْب ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِذَا أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ ، صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ " انتهى . { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } ، أي : وقْتَ شدَّة القتال ، هذا قولُ المفسِّرين في الألفاظ الثلاثة ، تقولُ العربُ : بَئِسَ الرَّجُلُ إِذَا افتقر ، وبَؤُسَ إِذا شَجُع ، ثم وصف تعالَىٰ أهل هذه الأفعال البَرَّة بالصدْقِ في أمورهم ، أي : هم عند الظنِّ بهم والرجاء فيهم ؛ كما تقول : صَدَقَنِي المَالُ ، وصَدَقَنِي الرُّمْحُ ، ووصفهم تعالى بالتقَىٰ ، والمعنَىٰ : هم الذين جَعَلُوا بينهم وبين عذاب اللَّه وقايةً .