Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 178-179)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَٰـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ … } الآيةَ : { كُتِبَ } : معناه : فُرِضَ ، وأُثْبِتَ ، وصورةُ فَرْضِ القصاصِ ، هو أنَّ القاتل فُرِضَ عليه ، إِذا أراد الوليُّ القتل ، الاِستسلامُ لأمر اللَّه ، وأن الوليَّ فرض عليه الوقوفُ عند قتل وليِّه ، وترك التعدِّي علَىٰ غيره ، فإِن وقع الرضَا بدون القصاص من دية أو عفو ، فذلك مباحٌ ، والآية معلِّمة أن القِصَاصَ هو الغايةُ عند التَّشَاحِّ ، و { ٱلْقِصَاصُ } : مأخوذ من : قَصِّ الأثر ؛ فكأن القاتل سلك طريقاً من القتل ، فقص أثره فيها . روي عن ابن عَبَّاس ؛ أنَّ هذه الآية مُحْكَمة ، وفيها إِجمال فسَّرته آية « المائدة » ، وأن قوله سبحانه : { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ } يعمُّ الرجال والنساء ، وأجمعتِ الأمة علَىٰ قتل الرجُلِ بالمرأةِ ، والمرأة بالرجل . وقوله تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ … } الآيةَ : فيه تأويلاتٌ : أحدها : أنَّ « مَنْ » يرادُ بها القاتلُ ، و « عُفِيَ » : تتضمن عافياً ، وهو وليُّ الدم ، والأخُ : هو المقتولُ ، و « شَيْءٌ » : هو الدمُ الذي يعفَىٰ عنه ، ويرجع إلى أخذ الدية ، هذا قول ابْنِ عَبَّاس ، وجماعة من العلماء ، والعَفْوُ علَىٰ هذا القولِ علَىٰ بابه . والتأويلُ الثَّاني : وهو قول مالكٍ ؛ أنَّ « مَنْ » يراد بها الوليُّ ، وعُفِيَ : بمعنى : يُسِّرَ ، لا على بابها في العَفْو ، والأخُ : يراد به القاتل ، و « شَيْءٌ » : هي الديةُ ، والأخوَّة على هذا أخوَّة الإِسلام . والتأويل الثالثُ : أنَّ هذه الألفاظ في معنى : الَّذين نزلَتْ فيهم الآيةُ ، وهم قومٌ تقاتَلُوا ، فقتل بعضُهم بعضاً ، فأُمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصلحَ بينهم ، ويُقَاصَّهم بعضَهم من بعض بالدِّيَات على ٱستواء الأحرار بالأحرار ، والنساء بالنساء ، والعبيد بالعبيد ، فمعنى الآية : فمن فضِل له من إِحدى الطائفتين على الأخرَىٰ شيْءٌ من تلك الدِّيَاتِ ، وتكون : « عُفِيَ » بمعنى فَضِلَ . وقوله تعالى : { فَٱتِّبَاعٌ } : تقديره : فالواجبُ والحُكْمُ : ٱتباع ، وهذا سبيلُ الواجباتِ ؛ كقوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } [ البقرة : 229 ] وأما المندوبُ إِلَيْه ، فيأتي منصوباً ؛ كقوله تعالى : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] ، وهذه الآية حضٌّ من اللَّه تعالَىٰ علَىٰ حسن الاقتضاءِ من الطالِبِ ، وحُسْنِ القضاء من المُؤَدِّي . وقوله سبحانه : { ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ } إِشارة إِلى ما شرعه لهذه الأمة ، من أخذ الدية ، وكانت بنو إِسرائيل لا ديَةَ عندهم ، إِنما هو القِصَاصُ فَقَطْ ، والٱعْتداءُ المتوعَّد عليه في هذه الآية ، هو أنْ يأخذ الرجُلُ ديةَ وليِّه ، ثم يقتل القاتل بعد سقوط الدم . وٱخْتُلِفَ في العذابِ الأليم الَّذي يلحقه ، فقال فريقٌ من العلماء ، منهم مالك : هو كَمَنْ قتل ابتداءً ، إِن شاء الوليُّ قتله ، وإِن شاء ، عفا عنه ، وعذابه في الآخرة ، وقال قتادة وغيره : يقتل البتَّةَ ، ولا عَفْوَ فيه ، ورُوِيَ في ذلك حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ } : المعنى : أن القصاص إِذا أقيم ، وتحقَّق الحكْمُ به ، ٱزدجر مَنْ يريد قتْلَ أحدٍ مخافَةَ أن يقتصَّ منه ، فَحَيِيَا بذلك معاً ، وأيضاً : فكانت العربُ إِذا قتل الرجلُ الآخَر ، حمي قبيلاَهُما ، وتقاتلوا ، وكان ذلك داعياً إِلَىٰ موت العددِ الكثيرِ ، فلمَّا شرَعَ اللَّه سبحانه القِصَاص ، قنع الكلُّ به ، ووقَف عنده ، وتركوا الاقتِتال ، فلهم في ذلك حياةٌ ، وخُصَّ أولو الألباب بالذِّكْر ، تنبيهاً عليهم ؛ لأنهم العارفون القابلُون للأوامر والنواهِي ، وغيرُهم تَبَعٌ لهم . و { تَتَّقُونَ } معناه : القتل ، فتسلمون من القصاص ، ثم يكون ذلك داعيةً لأنواع التقوَىٰ في غير ذلك ، فإن اللَّه سبحانه يثيبُ على الطاعة بالطاعة .