Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 186-186)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله جلَّ وعلا : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ … } الآيةَ . قال الحسنُ بْنُ أبي الحَسَن : سببُها أن قوماً قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : « أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيَهُ ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيَهُ » ، فنزلتِ الآية . و { أُجِيبُ } : قال قومٌ : المعنى : أجيبُ إِن شئْتُ ، وقال قوم : إِن اللَّه تعالَىٰ يجيب كلَّ الدعاء ، فإِما أن تظهر الإِجابةُ في الدنيا ، وإما أن يكفِّر عنه ، وإِما أن يُدَّخَرَ له أجرٌ في الآخرة ، وهذا بحَسَب حديثِ « الموطَّإِ » ، وهو : " مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلاَّ كَانَ بَيْنَ إِحْدَىٰ ثَلاَثٍ … " الحديثَ . * ت * : وليس هذا بٱختلافِ قولٍ . قال ابن رُشْدٍ في « البيان » : الدعاءُ عبادةٌ من العبادات يؤْجر فيها الأجر العظيم ، أَجيبَتْ دعوته فيما دعا به ، أو لم تُجَبْ ، وهأنا أنقل ، إِن شاء اللَّه ، من صحيح الأحاديث في هذا المَحَلِّ ما يَثْلَجُ له الصَدْرُ ، وعن أنسٍ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَعْجِزُوا عَنِ الدُّعَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ " رواه الحاكم أبو عبد اللَّه في « المُسْتَدْرَكِ » على الصحيحين ، وابن حِبَّانَ في « صحيحه » ، واللفظ له ، وقال الحاكم : صحيحُ الإِسناد ، وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الدُّعَاءُ : سِلاَحُ المُؤْمِنِ ، وَعِمَادُ الدِّينِ ، وَنُورُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ " رواه الحاكم في « المستدرك » ، وقال : صحيحٌ ، وعن جابرِ بن عبدِ اللَّهِ - رضي اللَّه عنهما - عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يَدْعُو اللَّهُ بِالمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّىٰ يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَيَقُولُ : عَبْدِي ، إِنِّي أَمَرْتُكَ ؛ أَنْ تَدْعُونِي ، وَوَعَدْتُّكَ أَنْ أَسْتَجِيبَ لَكَ ، فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُونِي ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : أَمَا إِنَّكَ لَمْ تَدْعُنِي بِدَعْوَةٍ إِلاَّ ٱسْتَجَبْتُ لَكَ ، أَلَيْسَ دَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذَا وَكَذَا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ ؛ أَنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ فَفَرَّجْتُ عَنْكَ ؟ ! فَيَقُولُ : نَعَمْ ، يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي عَجَّلْتُهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا ، وَدَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذَا وَكَذَا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ ، أنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ ، فَلَمْ تَرَ فَرَجاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : إِنِّي ٱدَّخَرْتُ لَكَ بِهَا فِي الجَنَّةِ كَذَا وَكَذَا [ و ] كَذَا وَكَذَا ، وَدَعَوْتَنِي فِي حَاجَةٍ أَقْضِيهَا لَكَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَضَيْتُهَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي عَجَّلْتُهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا ، وَدَعَوْتَنِي فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي حَاجَةٍ أَقْضِيهَا لَكَ ، فَلَمْ تَرَ قَضَاءَهَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : إِنِّي ٱدَّخَرْتُ لَكَ فِي الجَنَّةِ كَذَا وَكَذَا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَلاَ يَدَعُ اللَّهُ دَعْوَةً دَعَا بِهَا عَبْدُهُ المُؤْمِنُ إِلاَّ بَيَّنَ لَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ ٱدَّخَرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ ، قَالَ : فَيَقُولُ المُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ المَقَامِ : يَا لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ عُجِّلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ دُعَائِهِ " ، رواه الحاكم في « المستدرك » . وعن ثَوْبَانَ - رضي اللَّه عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَرُدُّ القَدَرِ إِلاَّ الدُّعَاءُ " ، رواه الحاكمُ في « المستدرك » وابنُ حِبَّانَ في « صحيحه » ، واللفظ للحاكمِ ، وقال : صحيحُ الإِسناد . قلت : وقد أخرج ابن المبارك في « رقائقه » هذا الحديثَ أيضاً ، قال : حدَّثنا سفيانُ ، عن عبد اللَّه بن عيس عن عبد اللَّه بن أبي الجَعْد ، عن ثَوْبَان ، قال : قَال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ " انتهى . وعن عائشةَ - رضي اللَّه عنها - قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُغْنِي حَذَرٌ مَنْ قَدَرٍ ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، وَإنَّ البَلاَءَ لَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ ، فَيَعْتَلِجَانِ إِلَىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ " رواه الحاكم في « مستدركه » ، وقال : صحيحُ الإِسناد ، وقوله ؛ « فَيَعْتَلِجَانِ » ، أي : يتصارعان . وعن سَلْمَانِ - رضي اللَّه عنه - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ عِنْدَ الكُرَبِ ، وَالشَّدَائِدِ ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ " ، رواه الحاكمُ أيضاً ، وقال : صحيحُ الإِسناد ، وعن ابْنِ عمر - رضي اللَّه عنهما - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ فُتِحَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ مِنْكُمْ ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ " ، قال الغَزَّالِيُّ - رحمه اللَّه - في كتابِ « الإِحياء » : « فإِن قُلْتَ : فما فائدةُ الدعاءِ ، والقضاءُ لا يُرَدُّ ؟ فاعلمْ أنَّ من القضاءِ رَدَّ البلاء بالدعاءِ ، فالدعاءُ سببٌ لردِّ البلاء ، واستجلابٌ للرحمة ؛ كما أن التُّرْس سبب لردِّ السهم ، ثم في الدعاءِ من الفائدة أنه يستدْعِي حضورَ القَلْب ، مع اللَّه عزَّ وجلَّ ، وذلك منتهى العبادَاتِ ، فالدعاءُ يردُّ القلْبَ إِلى اللَّه عز وجلَّ بالتضرُّع والاستكانةِ » ، فٱنظره ، فإِني ٱثرت الاختصار ، وانظر « سِلاَحَ المُؤْمن » الذي منه نقلْتُ هذه الأحاديثَ . ومن « جامع الترمذيِّ » . عن أبي خُزَامَةَ ، واسمه رفَاعَةُ ، عن أبِيهِ ، قال : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَىٰ بِهِ ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا ، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئاً ؟ قَالَ : هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ " ؛ قال أبو عيسَىٰ : هذا حديث حسنً صحيحٌ . وانظر جوابَ عمر لأبي عُبَيْدة « نَعَمْ ، نَفِرُّ من قدر اللَّه إِلى قدر اللَّه … » الحديث هو من هذا المعنى . انتهى ، واللَّه الموفق بفضله . وقوله تعالى : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } قال أبو رجاء الخُرَاسانِيُّ : معناه : « فَلْيَدْعُونِي » قال : * ع * : المعنَىٰ : فليطلبوا أن أجيبهم ، وهذا هو بابُ « ٱسْتَفْعَلَ » ، أي : طلب الشيء إِلا ما شَذَّ ؛ مثل : ٱستغنَى اللَّهُ . وقال مجاهد وغيره : المعنى : فليجيبوا لي فيما دعوتهم إِلَيْه من الإِيمان ، أي : بالطاعة ، والعملِ . فائدةٌ : قال صاحب « غاية المَغْنَم في اسم اللَّه الأَعْظَم » وهو إِمام عارفٌ بعلْمِ الحديث ، وكتابه هذا يَشْهَدُ له ، قال : ذكر الدِّينَوَرِيُّ في « كتاب المُجَالَسَة » ، عن ليثِ بنِ سُلَيْمٍ ؛ أن رجلاً وقَفَ علَىٰ قوم ، فقال : مَنْ عنده ضيافةٌ هذه الليلةَ ، فسكَتَ القومُ ، ثم عاد ، فقالَ رجُلٌ أَعمَىٰ : عندي ، فذَهَبَ بِهِ إِلَىٰ منزله ، فعشَّاه ، ثم حدَّثه ساعةً ، ثم وضع لهُ وَضُوءاً ، فقام الرجُلُ في جَوْف اللَّيْلِ ، فتوضَّأ ، وصلَّىٰ ما قُضِيَ له ، ثم جَعَلَ يدعو ، فَٱنْتَبَهَ الأَعْمَىٰ ، وجَعَلَ يسمع لدْعَائِهِ ، فقال : اللَّهُمَّ ، ربَّ الأرواحِ الفانيةِ ، والأجسادِ الباليةِ ، أسألُكَ بطَاعَةِ الأرواحِ الرَّاجعَةِ إِلَىٰ أجسادها ، وبطاعةِ الأَجْسَادِ الملتئمَةِ في عروقها ، وبطاعة القُبُور المتشقِّقة عن أهلها ، وبدَعْوتِكَ الصادقةِ فيهم ، وأخذِكَ الحقَّ منهم ، وتبريز الخلائقِ كلِّهم من مخافَتِكَ ينتظرُونَ قضاءَكَ ، ويرْجُون رحمتَكَ ، ويخافُونَ عذابَكَ ، أَسأَلُك أنْ تَجْعَلَ النُّور في بَصَري ، والإِخلاصَ في عَمَلِي ، وشُكْرَكَ في قَلْبِي ، وذِكْرَكَ في لِسَانِي في الليلِ والنهارِ ، ما أبقيتَنِي ، قال : فَحَفِظَ الأعمَىٰ هذا الدعاءَ ، ثم قَامَ ، فَتَوضَّأ ، وصلَّىٰ ركعتَيْنِ ، ودعا به فأصْبَحَ قدْ رَد اللَّهُ عليه بَصَرَهُ . انتهى من « غاية المَغْنَم في اسم اللَّه الأعظَم » ، وإِطلاَقُ الفناءِ على الأرواحِ فيه تجوُّز ، والعقيدةُ أن الأرواح باقيةٌ لا تفنَىٰ ، وإِنَّما عبر عن مفارقتها لأجسادها بالفَنَاءِ ، هذا هو مراده . وروى ابنُ المبارك في « رقائقه » بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قَالَ : " إِنَّ القُلُوبَ أَوْعِيَةٌ ، وَبَعْضُهَا أَوْعَىٰ مِنْ بَعْضٍ ، فَٱدْعُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ، حِينَ تَدْعُونَ ، وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ " انتهى . قال ابن عطاء اللَّهِ في « لطائفِ المِننِ » : وإِذا أراد اللَّه أن يعطِيَ عبداً شيئاً وهبه الاضطرار إِلَيْهِ فيه ، فيطلبه بالاِضطرارِ ، فيعطَىٰ ، وإِذا أراد اللَّه أن يمنع عبداً أمراً ، منعه الاضطرَار إِلَيْه فيه ، ثم منعه إِياه ، فلا يُخَافُ علَيْكَ أن تضطرَّ ، وتطلب ، فلا تعطَىٰ ، بل يُخَافُ عليك أنْ تُحْرَمَ الاضطرارَ ، فتحرم الطَّلَب ، أو تَطْلُب بغير اضطرارٍ ، فتحرم العطاء . انتهى . وقوله سبحانه : { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } ، قال أبو رجاءٍ : في أنَّني أجيبُ دعاءهم ، وقال غيره : بل ذلك دعاءٌ إِلى الإِيمان بجملته .