Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 187-188)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ … } الآيةَ : لفظة { أُحِلَّ } تقتضي أنه كان محرَّماً قبل ذلك ، و { لَيْلَةَ } : نصب على الظَّرْف . و { ٱلرَّفَثُ } : كناية عن الجِمَاع ؛ لأن اللَّه تعالَىٰ كريمٌ يُكَنِّي ؛ قاله ابن عَبَّاس وغيره ، والرَّفَثُ في غير هذا : ما فَحُشَ من القول ، وقال أبو إِسْحَاق : الرَّفَثُ : كلُّ ما يأتيه الرجُلُ ، مع المرأة من قُبْلةٍ ، ولَمُسٍ . * ع * : أو كلامٍ في هذا المعنى ، وسببُ هذه الآيةِ فيما قال ابن عَبَّاس وغيره : إِن جماعةً من المسلمين ٱختانوا أنفُسَهُم ، وأصابوا النِّسَاء بعد النَّوْم ، أو بعد صلاة العشَاء على الخلافِ في ذلك ، منْهم عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب : جاء إِلى امرأته ، فأرادها ، فقالَتْ له قد نِمْتُ ، فَظَنَّ أنها تَعْتَلُّ بذلك ، فوقع بها ، ثم تحقَّق أنها قد كانت نامَتْ ، وكان الوطْءُ بعد نَوْمِ أحدهما ممنوعاً ، فذهب عُمَرُ ، فٱعتذر عنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فنَزَلَ صدْرُ الآية ، وروي أن صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ نام قَبْل الأكْلِ ، فبقي كذلك دُونَ أكْلٍ ، حتَّىٰ غُشِيَ علَيْهِ في نهارِهِ المُقْبِلِ ، فنَزَلَ فيه مَنْ قوله تعالى : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } . واللِّبَاسُ : أصله في الثِّيَاب ، ثم شبه ٱلْتِبَاس الرَّجُلٍ بالمرأةِ بذلك . وتَابَ عَلَيْكُمْ ، أي : من المعصية التي وقعتم فيها . قال ابنُ عبَّاس وغيره : { بَـٰشِرُوهُنَّ } كنايةٌ عن الجماعة ، { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } . قال ابن عبَّاس وغيره : أي : ٱبتغوا الوَلَدَ ، قال الفَخْر والمَعْنَىٰ : لا تباشروهن لقضاء الشهوة فقطْ ، ولكنْ لٱبْتغاءِ ما وَضَعَ اللَّه له النِّكاح من التناسُلِ ، قال ـــ عليه السلام ـــ : " تَنَاكَحُوا ، تَنَاسَلُوا ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ " انتهى . وقيل : المعنى : ٱبتغوا ليلةَ القَدْرِ . وقيل : ابتغوا الرُّخْصَة ، والتوسعَةَ ؛ قاله قتادة ، وهو قول حَسَنٌ . { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ … } الآيةُ : نزلت بسبب صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ ، و { حَتَّىٰ } : غايةٌ للتبيُّن ، ولا يصحُّ أن يقع التبيُّن لأحد ، ويحرم عليه الأكل إِلا وقدْ مَضَى لطُلُوع الفجْرِ قدْرٌ ، والخيط استعارةٌ وتشبيه لرقَّة البياضِ أولاً ، ورقَّةُ السوادِ إِلحاقٌ به ، والمرادُ فيما قال جميع العلماء : بياضُ النهارِ ، وسوادُ الليل . و { مِنَ } الأولى لٱبتداء الغايةِ ، والثانيةُ للتبعيض ، و { ٱلْفَجْرِ } : مأخوذ من تَفَجُّر الماء ؛ لأنه ينفجر شيئاً بعد شيْء ، وروي عن سَهْل بن سعدٍ وغيره من الصحَابة ؛ أن الآية نزلَتْ إِلا قوله : { مِنَ ٱلْفَجْرِ } ، فصنع بعض الناسِ خَيْطَيْنِ ، أَبْيَضَ وأسْوَدَ ، فنزَلَ قوله تعالَىٰ : { مِنَ ٱلْفَجْرِ } . * ع * : ورُوِيَ ؛ " أنَّهُ كَانَ بَيْنَ طرفَيِ المُدَّة عامٌ من رمَضَان إِلى رمَضَان تأخّر البيان إِلى وقت الحاجة ، وعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ جعل خيطَيْن علَىٰ وسَادِهِ ، وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ : « إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ » " . واختلف في الحدِّ الذي بتبيُّنه يجبُ الإِمساك ، فقال الجمهورُ ، وبه أخذ الناس ، ومضَتْ عليه الأمصار والأعصار ، ووردتْ به الأحاديثُ الصِّحَاحُ : إِنه الفَجْر المُعْتَرِضُ في الأُفُقِ يَمْنَةً ويَسْرَةً ، فبطلوعِ أوله في الأفق يجبُ الإمساكُ ، وروي عن عثمانَ بن عفَّان ، وحذيفةَ بن اليَمَانِ ، وابن عبَّاس وغيرهم ؛ أن الإِمساك يجبُ بتبيُّن الفَجْر في الطُّرُق ، وعلى رءوس الجبالِ ، وذكر عن حُذَيفة ؛ أنه قال : « تَسَحَّرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ النَّهارُ إِلاَّ أنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ » . ومن أكل ، وهو يشكُّ في الفجر ، فعليه القضاء عند مالك . وقوله سبحانه : { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ } أمر يقتضي الوجوب ، و { إِلَىٰ } : غايةٌ ، وإِذا كان ما بعدها من جنْسِ ما قبلها ، فهو داخلٌ في حكمه ، وإِذا كان من غير جنْسه ، لم يدخلْ في المحدودِ ، والليلُ : الذي يتم به الصيامُ : مَغِيبُ قرص الشمسِ ، فمن أفطر شاكًّا في غروبها ، فالمشهورُ من المَذْهَب ؛ أنَّ عليه القضاءَ والكفَّارةَ . وروى أبو هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " ثَلاَثةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، والإِمَامُ العَادِلُ ، ودَعْوَةُ المَظْلُومِ ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَىٰ : وَعِزَّتِي ، لأَنْصُرَنَّكِ ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " رواه الترمذيُّ ، وابن ماجة ، وابن حِبَّان في « صحيحه » ، وقال الترمذيُّ : واللفظ له ؛ حديثٌ حسنٌ ، ولفظ ابن ماجة : « حَتَّىٰ يُفْطِرَ » . انتهى من « السِّلاح » . وعنه صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَّا تُرَدُّ " ، رواه ابنُ السُّنِّيِّ . انتهى من « حِلْيَة النوويِّ » . وعنه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ " رواه البخاريُّ ومسلم . انتهى . وروى ابنُ المبارك في « رقائقه » ، قال : أخبرنا حمَّاد بن سَلَمَةَ ، عن واصل مولى أبي عُيَيْنَة ، عن لقيد أبِي المُغيرَةِ ، عن أبي بُرْدَة : أنَّ أبا موسَى الأَشْعَرِيَّ كَانَ في سفينة في البَحْر مرفوعٍ شراعُها ، فإِذا رجُلٌ يقول : يأَهْلَ السفينةِ ، قِفُوا سبْعَ مرارٍ ، فقلْنا : ألا تَرَىٰ علَىٰ أيِّ حالٍ نحْنُ ، ثم قال في السابعة ، قِفُوا أخبرْكُمْ بقضاءٍ قضاه اللَّه علَىٰ نَفْسِهِ ؛ أنَّه من عَطَّشَ نَفْسَهُ للَّهِ في يومٍ حارٍّ من أيامِ الدُّنْيَا شديدِ الحَرِّ ، كان حقًّا على اللَّه أنْ يرويه يوم القيامة ، فكان أبو موسَىٰ يبتغي اليَوْمَ الشَّديدَ الحَرِّ ، فيصومه . انتهى . قال يوسُفُ بن يَحْيَـــى التَّادِلِيُّ في « كتاب التشوُّف » ، وخرَّج عبد الرزَّاق في « مصنَّفه » عن هشامِ بنِ حَسَّان ، عن واصلِ بن لَقِيط ، عن أبي بُرْدة ، عن أبي موسَى الأشعريِّ ، قَالَ : « غَزَا النَّاسُ بَرًّا وبحراً ، فكنْتُ ممَّن غَزَا في البَحْر ، فبينما نحْنُ نسيرُ في البَحْر ؛ إِذ سمعنا صوتاً يقول : يأهل السفينة ، قِفُوا أخبرْكُم ، فنظرنا يميناً وشَمالاً ، فلم نر شيئاً إِلا لُجَّةَ البحر ، ثم نادى الثانيةَ ؛ حتى نادى سبْعَ مراتٍ ، يقول كذلك ، قال أبو موسَىٰ : فلما كانَتِ السابعةُ ، قُمْتُ ، فقُلْتُ : ما تخبرنا ؟ قال : أخبركم بقضاءٍ قضاه اللَّه علَىٰ نَفْسِهِ ؛ أنَّ من عَطِشَ للَّه في يوم حَارٍّ ، أنْ يرويه اللَّه يوم القيامة » ، وذكره ابن حَبِيب في « الواضحة » ؛ بلفظ آخر . انتهى . قال ابن المبارك : وأخبرنا أبو بكر بن أبي مَرْيَم الغَسَّانيّ ، قال : حدَّثني ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، قال : قَالَ رَسُولُ الَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ بَاباً ، وإِنَّ بابَ العبادة الصيام " انتهى . وروى البخاريُّ ومسلم في « صحيحيهما » ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ عَمَلِ ٱبْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ : إِلاَّ الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، إِنَّمَا يَدَعُ شَهْوتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " انتهى . وقوله تعالى : { وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَـٰجِدِ } قالتْ فرقة : المعنى : ولا تجامعوهُنَّ ، وقال الجمهور : ذلك يقع على الجِمَاعِ ، فما دونه ممَّا يُتلذَّذ به من النساء ، و { عَـٰكِفُونَ } ، أيْ : مُلاَزِمُون ، قال مالكٌ - رحمه اللَّه - وجماعةٌ معه : لا ٱعتكاف إلا في مساجد الجُمُعَاتِ ، وروي عن مالكٍ أيضاً ؛ أنَّ ذلك في كل مسجدٍ ، ويخرج إِلى الجُمُعة ؛ كما يخرج إِلى ضروريِّ أشغالِهِ ، قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وحرم اللَّه سبحانه المباشَرَةَ في المَسْجد ؛ وكذلك تحرم خارجَ المَسْجِدِ ؛ لأن معنى الآية ، ولا تباشرُوهُنَّ وأنتم ملتزمون لِلاعتكاف في المساجد معتقدُونَ له . انتهى . و { تِلْكَ } إِشارةٌ إِلى هذه الأوامر والنواهِي . والحُدُودُ : الحواجزُ بيْن الإِباحة والحظر ؛ ومنه قيل للبوَّاب حَدَّاد ؛ لأنه يمنع ؛ ومنه الحَادُّ ؛ لأنها تُمنع من الزينةِ ، والآياتُ : العلاماتُ الهاديةُ إِلى الحق . وقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ … } الآية : الخطابُ لأمة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ويدخلُ في هذه الآيةِ القِمَارُ ، والخُدَعُ ، والغُصُوب ، وجَحْد الحُقُوق ، وغَيْرُ ذلك . وقوله سبحانه : { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ … } الآية : يقال : أَدْلَى الرَّجُلُ بحجَّة ، أو بأمْر يرجُو النَّجاح به ، تشبيهاً بالذي يرسل الدَّلْو في البِئْر يرجُو بها الماءَ ، قال قومٌ : معنى الآية : تُسَارعون في الأموال إِلى المخاصَمَة ، إِذا علمْتم أنَّ الحُجَّة تقوم لكم ؛ إِمَّا بأن لا تكون على الجاحِدِ بيِّنة ، أو يكون مالَ أمانةٍ ؛ كاليتيم ونحوه ممَّا يكون القولُ فيه قوله ، فالباء في « بِهَا » باءُ السبب ، وقيل : معنى الآية : تُرْشُوا بهَا علَىٰ أكْل أكثر منْها ، فالباء إِلزاقٌ مجرَّدٌ ؛ وهذا القول يترجَّح لأن الحكَّام مَظِنَّةُ الرُّشَا ، إِلاَّ من عُصِمَ ، وهو الأقل ، وأيضاً ، فإِن اللفظتين متناسبتَان . { تُدْلُواْ } : من إِرسال الدلْوِ ، والرِّشْوَةُ : من الرِّشَاءِ ؛ كأنها يمدُّ بها ؛ لتقضي الحاجة . والفريقُ : القطْعة ، والجزء . و { بِٱلإِثْمِ } أي : بالظلم . { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : أنكم مبطلون .