Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 196-196)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } : قال ابنُ زَيْد وغيره : إِتمامهما ألاَّ تفسخا ، وأن تتمهما ، إِذا بدأْتَ بهما ، وقال ابن عَبَّاس وغيره : إِتمامهما أنْ تقضي مناسكهما كاملةً بما كان فيهما من دماء ، وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ : إِتمامهما أنْ تخرج قاصداً لهما ، لا لتجارةٍ ، ولا لغيرِ ذلك ؛ ويؤيد هذا قولُهُ : { لِلَّهِ } . وفروضُ الحجِّ : النيَّة ، والإِحرامُ ، والطوافُ المتصلُ بالسعْيِ ، يعني : طواف الإِفاضة ، والسَّعْيِ بين الصفا والمروة عنْدنا ؛ خلافاً لأبي حنيفة ، والوقوفُ بعرفة ، وزاد ابن الماجِشُونَ : جَمْرة العَقَبَة . وقوله تعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } هذه الآية نزلَتْ عام الحديبية عنْد جمهور أهل التأويل ، وأجمع جمهورُ النَّاس علَىٰ أنَّ المُحْصَرَ بالعَدُوِّ يَحِلُّ حيثُ أُحْصِرَ ، وينحر هَدْيه ، إِن كان ثَمَّ هَدْيٌ ، ويحلق رأسه ، وأما المُحْصَرُ بمرضٍ ، فقال مالك ، وجمهور من العلماء : لا يحله إِلا البيتُ ، ويقيم حتَّىٰ يُفِيقَ ، وإِن أقام سنين ، فإِذا وصل البيتَ ، بعد فوت الحجِّ ، قطع التلبيةَ في أوائل الحرم ، وحلَّ بعمرة ، ثم تكون عليه حجَّة قضاء ، وفيها يكون الهَدْي . و « مَا » في موضع رفعٍ ، أي : فالواجبُ ، أو : فعليكُمْ ما ٱستَيْسَرَ ، وهو شاةٌ عند الجمهور . وقال ابن عمر وعروة : جَملٌ دون جَمَلٍ ، وبقرةٌ دون بقرة . وقوله تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } الخطابُ لجميعِ الأمَّة ، وقيل : للمحصَرِينَ خاصَّة ، ومَحِلُّ الهَدْيِ : حيث يحل نحره ، وذلك لمن لم يُحصَرْ بمِنَىٰ ، والترتيب : أن يرمي الحاجُّ الجَمْرَة ، ثم ينحر ، ثم يَحْلِق ، ثم يَطُوف للإِفاضة . وقوله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا … } الآية : المعنى : فحَلَق لإِزالة الأذَىٰ ، { فَفِدْيَةٌ } ، وهذا هو فحْوَى الخطاب عند أكثر الأصوليِّين ، ونزلَتْ هذه الآية في كَعْب بن عُجْرَةَ ، حِينَ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ يَتَنَاثَرُ قملاً ، فَأَمَرَهُ بِالحَلاَّقِ ، ونَزَلَتِ الرخْصَةُ . والصيامُ ؛ عند مالك ، وجميع أصحابه : ثلاثةُ أيامٍ ، والصدقةُ ستَّة مساكين ؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ ، وذلك مُدَّانِ بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والنُّسُكُ : شاة بإِجماع ، ومَنْ أَتَىٰ بأفضلَ منها ممَّا يذبح أو ينحر ، فهو أفضلُ والمفتدِي مخيَّر في أيِّ هذه الثلاثة شاء ، حيثُ شاء من مكَّة وغيرها . قال مالكٌ وغيره : كلَّما أتَىٰ في القرآن « أَوْ أَوْ » ، فإِنه على التخْيير . وقوله تعالى : { فَإِذَا أَمِنتُمْ } ، أي : من العدُوِّ المُحْصِرِ ، قاله ابن عبَّاس وغيره ، وهو أشبهُ باللَّفظ ، وقيل : معناه : إِذا برأتم من مَرَضِكم . وقوله سُبحانه : { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ … } الآية . قال ابن عبَّاس وجماعةٌ من العلماء : الآيةُ في المحصَرين وغيرهم ، وصورة المتمتِّع أنْ تجتمعَ فيه ستَّةُ شروطٍ ، أن يكون معتمراً في أشْهُر الحجِّ ، وهو من غير حاضِرِي المَسْجِد الحرام ، ويحل وينشىء الحَجَّ من عَامِهِ ذلك ، دون رُجُوع إِلى وطنه ، أو ما ساواه بُعْداً ، هذا قول مالِكٍ ، وأصحابه ، وٱختلفَ ، لِمَ سُمِّيَ متمتعاً . فقال ابن القاسِمِ : لأنه تمتع بكلِّ ما لا يجوز للمُحْرِمِ فعْلُه مِنْ وقْت حلِّه في العمرة إِلى وقْت إِنشائه الحجِّ ، وقال غيره : سمي متمتعاً ؛ لأنه تمتَّع بإِسقاط أحد السفرين ، وذلك أنَّ حق العمرة أنْ تقصد بسَفَرٍ ، وحقّ الحج كذلك ، فلمَّا تمتع بإِسقاط أحدهما ألزمه اللَّه تعالَىٰ هَدْياً كالقَارن الَّذي يجمع الحجَّ والعمرةَ في سَفَر واحدٍ ، وجُلُّ الأمة على جواز العُمْرة في أَشْهُر الحجِّ للمكِّيِّ ولا دَمَ عليه . وقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } ، يعني : من وقتِ يُحْرِمْ إِلى يومِ عرفة ، فإِنْ فاته صيامها قبل يوم النحرِ ، فليصُمْها في أيام التشريق ؛ لأنها من أيام الحج . { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ، قال مجاهد وغيره : أي : إِذا رجعتم من مِنَىٰ ، وقال قتادة ، والربيع : هذه رخصةٌ من اللَّه سبحانه ، والمعنى : إِذا رجعتم إِلى أوطانكم ، ولما جاز أنْ يتوهَّم متوهم التخْيير بين ثلاثةِ أيَّامٍ في الحجِّ أو سبعة إِذا رجع ، أُزِيلَ ذلك بالجليَّةِ من قوله تعالى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ } . و { كَامِلَةٌ } قال الحسن بن أبي الحَسَن : المعنَىٰ : كاملة الثوابِ ، وقيل : كاملةٌ تأكيدٌ ؛ كما تقول : كَتَبْتُ بيَدِي ، وقيل : لفظها الإِخبار ، ومعناها الأمر ، أي : أكملوها ، فذلك فرضها ، وقوله تعالى : { ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ … } الآيةَ : الإِشارة بذلك علَىٰ قول الجمهورِ هي إِلى الهَدْي ، أي : ذلك الاشتداد والإِلزام ، وعلى قول من يرى أن المكِّيَّ لا تجوز له العُمْرة في أشهر الحج ، تكون الإِشارة إِلى التمتُّع ، وحُكْمِه ؛ فكأن الكلام ؛ ذلك الترخيصُ لمن لَمْ ؛ ويتأيَّد هذا بقوله : { لِمَن لَّمْ } ؛ لأن اللام أبداً إِنما تجــيء مع الرخص ، واختلف الناس في { حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } بعد الإِجماع على أهل مكة ، وما اتصل بها ، فقيل : من تَجِبُ عليه الجمعة بمكَّة ، فهو حَضَرِيٌّ ، ومن كان أبعد من ذلك ، فهو بَدَوِيٌّ ، قال : * ع * : فجعل اللفظة من الحضارة ، والبداوة . وقيل : من كان بحيثُ لا يَقْصُرُ الصلاة ، فهو حاضرٌ ، أي : مشاهدٌ ، ومن كان أبعد من ذلك ، فهو غائبٌ . وقال ابن عبَّاس ، ومجاهد : أهل الحرم كلِّه حَاضِرُو المَسْجِدِ الحرامِ ، ثم أمر تعالَىٰ بتقواه على العموم ، وحذَّر من شديد عقابه .