Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-214)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً … } الآية : قال ابن عبَّاس : { ٱلنَّاسُ } : القُرُونُ التي كانَتْ بين آدم ونوح ، وهي عَشَرةٌ كانوا على الحَقِّ ؛ حتى اختلفوا ، فبعث اللَّه تعالَىٰ نوحاً فمن بعده ، وقال ابنُ عبَّاس أيضاً : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } ، أي : كفاراً يريد في مدَّة نوحٍ ؛ حين بعثه اللَّه . وقال أُبَيُّ بن كعب ، وابنُ زَيْد : المرادُ بـ { ٱلنَّاسُ } بنو آدم حين أخرجهم اللَّه نسماً من ظهر آدم ، أي : كانوا على الفطْرة ، وقيل غير هذا ، وكل من قدَّر الناسَ في الآية مؤمنين ، قدَّر في الكلام « فَٱخْتَلَفُوا » ، وكلُّ من قدَّرهم كفاراً ، قدَّر : كانت بعثة النبيِّين إِلَيْهم . والأُمَّة : الجماعة على المَقْصد ، ويسمَّى الواحدُ أُمَّةٍ ، إِذا كان منفرداً بمَقْصِد ، و { مُبَشِّرِينَ } : معناه بالثواب على الطاعةِ ، و { مُنذِرِينَ } : بالعقابِ ، و { ٱلْكِتَـٰبَ } : اسم الجنَسِ ، والمعنَىٰ : جميع الكتب ، و { لِيَحْكُمَ } : مسند إِلى الكتاب ؛ في قول الجمهور ، والذين أوتوه أرباب العلْم به ، وخصوا بالذكْر تنبيهاً منه سبحانه علَىٰ عظيمِ الشُّنْعة ، والقُبْح ، و { ٱلْبَيِّنَـٰتُ } : الدَّلالات ، والحججُ ، والبغي : التعدِّي بالباطل ، وهَدَىٰ : معناه أرشد ، والمرادُ بـ { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } من آمن بمحمَّد صلى الله عليه وسلم فقالتْ طائفةٌ : معنى الآية أن الأمم كَذَّب بعضهم كتابَ بعض ، فَهَدَى اللَّه أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم للتصديقِ بجمِيعِهَا ، وقالتْ طائفة : إِن اللَّه سبحانه هَدَى المؤمنين للحَقِّ فيما ٱختلف فيه أهلُ الكتاب من قولهم : إِنَّ إِبراهيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرَانِيًّا ، قال زيْدُ بن أسلم : وكٱختلافهمْ في يوم الجُمُعَة ؛ " فإِن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : « هذا اليومُ الَّذي اختلفوا فيه ، فهَدَانا اللَّه له ، فلليهود غَدٌ ، وللنصارَىٰ بَعْدَ غد ، وفي صيامهمْ ، وجميع ما ٱختلفوا فيه » " . قال الفَرَّاء : وفي الكلام قلْبٌ ، واختاره الطبريُّ ، قال : وتقديرُهُ : فهدَى اللَّه الذين آمنوا للحقِّ ممَّا اختلفوا ، فيه ودعاه إِلى هذا التقديرِ خوْفُ أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا في الحَقِّ ، فهدى اللَّه المؤمنين لبَعْضِ ما ٱختلفوا فيه ، وعَسَاه غير الحق في نَفْسه ؛ نحا إِلى هذا الطبريُّ في حكايته عن الفَرَّاء . قال : * ع * : وٱدِّعَاءُ القَلْب على كتابِ اللَّه دُونَ ضرورة تَدْفَعُ إِلى ذلك عَجْزٌ ، وسُوء نَظَرٍ . وذلك أنَّ الكلام يتخرَّج على وجهه ورَصْفه ؛ لأن قوله : { فَهَدَىٰ } يقتضي أنهم أصابوا الحَقَّ ، وتم المعنَىٰ في قوله : { فِيهِ } ، وتبيَّن بقوله : { مِنَ ٱلْحَقِّ } جنسُ ما وقع الخلاف فيه ، و { بِإِذْنِهِ } قال الزجَّاج : معناه بعِلْمِهِ . * ع * : والإِذن هو العلم ، والتمكين ، فإِن ٱقْتَرَنَ بذلك أمرٌ ، صار أقوَىٰ من الإِذن بمزية . وقوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم … } الآية : أكثر المفسرين أنها نزلَتْ في قصَّة الأحزاب حين حصروا المدينة ، وقالَتْ فرقةٌ : نزلَتْ تسليةً للمهاجرين ، حين أصيبَتْ أموالهم بعْدَهم ، وفيما نَالَهم من أذاية الكَافرينَ لهم . و { خَلَوْاْ } : معناه : ٱنقرضُوا ، أي : صاروا في خَلاَءٍ من الأرض ، و { ٱلْبَأْسَاءُ } في المال ، و { ٱلضَّرَّآءُ } في البدن ، و { مَّثَلُ } : معناه شبه ، والزَّلْزَلَة : شِدَّة التحريك ، تكون في الأشْخَاص والأحوال . وقرأ نافع : « يَقُولُ » بالرفع ، وقرأ الباقون بالنَّصْب ، وحَتَّىٰ : غايةٌ مجرَّدة تنصبُ الفعل بتقدير « إِلَىٰ أَنْ » وعلى قراءة نافعٍ ، كأنها اقترن بها تسبيبٌ ، فهي حرفُ ابتداءٍ ترفَعُ الفعلَ . وأكثر المتأوِّلين علَىٰ أن الكلام إِلى آخر الآية من قول الرَّسُول والمؤمنين ، ويكون ذلك من قول الرسُولِ علَىٰ طلب ٱستعجالِ النَّصْر ، لا على شَكٍّ ولا ٱرتيابٍ ، والرسولُ اسم الجنْسِ ، وقالتْ طائفةٌ : في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ ، والتقديرُ : حتَّىٰ يقول الذين آمنوا : مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ، فيقولَ الرسولُ : ألا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قريبٌ ، فقدم الرسولَ في الرتبة ؛ لمكانته ، ثم قدم قول المؤمنين ؛ لأنه المتقدِّم في الزمان . قال : * ع * : وهذا تحكُّم ، وحمل الكلام على وجهه غيرُ متعذِّر ، ويحتملُ أن يكون : { أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } إِخباراً من اللَّه تعالى مؤتنفاً بعد تمام ذكْرِ القَوْل .