Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 217-218)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ … } الآية نزلَتْ في قصَّة عمرو بن الحَضْرَمِيِّ ، " وذلك أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً علَيْها عبد اللَّه بن جَحْشٍ الأسَدِيُّ مَقْدَمَهُ من بَدْر الأولَىٰ ، فلقوا عمرو بن الحَضْرَمِيِّ ، ومعه عثمانُ بنُ عبد اللَّهِ بْنِ المُغِيرَةِ ، وأخوه نَوْفَلٌ المخزوميَّان ، والحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ في آخر يومٍ من رَجَبٍ علَىٰ ما قاله ابْنُ إِسْحَاق ، وقالوا : إِن تركْنَاهم اليَوْمَ ، دخَلُوا الحَرَم ، فأزمعوا قتالَهُم ، فرَمَىٰ واقدُ بْنُ عبدِ اللَّهِ عمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيِّ بسهْمٍ ، فقتله ، وأَسَرَ عثمانَ بْنَ عبدِ اللَّهِ ، والحَكَمَ ، وفَرَّ نوفَلٌ ، فأعجزهم ، وٱستسهلَ المسْلمون هذا في الشَّهْر الحرام ؛ خوف فوتهم ، فقالَتْ قريشٌ : محمَّد قد استحلَّ الأشهر الحُرُم ، وعَيَّروا بذلك ، وتوقَّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقَالَ : « مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ » " فنزلَتْ هذه الآية ، و { قِتَالٍ } بدلُ اشتمالٍ عند سيبوَيْه . وقال الفَرَّاء : هو مخفوضٌ بتقدير « عَنْ » وقرىء بِهِ ، والشهْرُ في الآيةِ اسمُ الجنسِ ، وكانتِ العربُ قد جعل اللَّه لها الشهْرَ الحرامَ قِوَاماً تعتدلُ عنده ، فكانت لا تسفكُ دماً ، ولا تغيِّر في الأشهر الحرم ، وهي ذُو القَعْدة ، وذو الحجَّة ، والمُحَرَّم ورَجَبٌ ، وروَىٰ جابر بن عبد اللَّه ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَغْزُو فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُغْزَىٰ ، فذلكَ قولُهُ تعالَىٰ : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ } : مبتدأٌ مقطوعٌ ممَّا قبله ، والخبرُ « أَكْبَرُ » ، ومعنى الآيةِ ؛ علَىٰ قول الجمهورِ : إِنكم يَا كُفَّار قُرَيْشٍ تَسْتَعْظِمُون علَيْنا القتالَ في الشَّهْرِ الحَرَام ، وما تفْعَلُون أنْتُمْ من الصَّدِّ عن سبيلِ اللَّهِ لِمَنْ أراد الإِسلام ، وكُفْرِكم بِاللَّه ، وإِخراجِكُم أهْلَ المسْجد عنْه ؛ كما فعلتم برَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ ، أَكْبَرُ جُرْماً عند اللَّه . قال الزُّهْرِيُّ ومجاهدٌ وغيرهما : قوله تعالَىٰ : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } منسوخٌ . * ص * : وسبيل اللَّه : دينُهُ ، و { ٱلْمَسْجِدِ } : قراءة الجمهور بالخَفْض ، قال المبرِّد ، وتبعه ابن عطية وغيره : هو معطوفٌ علَىٰ { سَبِيلِ ٱللَّهِ } ؛ وردَّ بأنه حينئذٍ يكون متعلِّقاً بـــ « صَدّ » ، أي : وصَدّ عن سبيل اللَّهِ ، وعن المسجدِ الحرامِ ، فيلزم الفَصْلُ بين المصدر ، وهو « صَدّ » وبين معموله ، وهو « المسجد » بأجنبيٍّ ، وهو : « وكُفْرٌ بِهِ » ، ولا يجوز . وقيل : معطوفٌ علَىٰ ضمير « بِهِ » ، أي : وكُفْرٌ بِهِ ، وَبِالْمَسُجِدِ ؛ ورُدَّ بأن فيه عطفاً على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض ؛ ولا يجوز عند جمهور البَصْرِيِّين ، وأجازه الكوفيُّون ، ويونُسُ ، وأبو الحَسَنِ والشَّلَوْبِينُ ، والمختار جوازه ؛ لكثرته سماعاً ؛ ومنه قراءة حمزة : { تَسَاءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] أي : وبالأرحام ، وتأويلها على غيره بعيدٌ يُخْرِجُ الكلام عن فصاحته . انتهى . وقوله تعالى : { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } : المعنَىٰ عند جمهور المفسِّرين : والفتنةُ التي كُنْتُمْ تفتنون المُسْلمين عن دينهم حتَّىٰ يهلكوا أشدُّ ٱجتراماً من قَتْلكم في الشَّهْر الحرام ، وقيل : المعنى والفِتْنَة أشَدُّ من أن لو قتلوا ذلك المَفْتُون . وقوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } هو ابتداءُ خبرٍ من اللَّه تعالَىٰ ، وتحذيرٌ منه للمؤمنين . وقوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ } ، أي : يرجع عن الإِسلام إِلى الكفر ؛ عياذاً باللَّه ، قالَتْ طائفةٌ من العلماء : يُستَتَابُ المرتدُّ ثلاثةَ أيامٍ ، فإِن تاب ، وإِلا قتل ، وبه قال مالك ، وأحمد ، وأصحابُ الرَّأيِ ، والشَّافعيُّ في أحد قولَيْه ، وفي قولٍ له : يُقْتَلُ دون استتابةٍ ، وحبط العمل ، إِذا انفسد في آخره ، فبطل ، وميراث المرتدِّ عند مالكٍ والشافعيِّ : في بيْتِ مال المسلمين . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية : قال عروة بن الزُّبَيْر وغيره : لما عَنَّفَ المسلمون عبْدَ اللَّه بن جَحْشٍ وأصحابه ، شَقَّ ذلك عليهم ، فتلافاهم اللَّه عز وجل بهذه الآية ، ثم هي باقيةٌ في كلِّ من فعل ما ذكره اللَّه عزَّ وجلَّ . وهَاجَرَ الرجُلُ ، إِذا ٱنتقل نقلة إِقامة من موضعٍ إِلى موضعٍ ، وقصد ترك الأول إِيثاراً للثاني ، وهي مُفَاعَلَةٌ من هَجَرَ ، وجَاهَدَ مفاعلة من جهد ، إِذا استخْرَج الجُهْد ، و { يَرْجُونَ } : معناه يَطْمَعُون ويستقْربُون ، والرجاء تنعُّم ، والرجاء أبداً معه خوفٌ ولا بدَّ ، كما أن الخوف معه رجاء . * ت * : والرجاءُ ما قارنه عمَلٌ ، وإِلا فهو أمنيَّة .