Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-220)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ … } الآية : السائلُون هم المؤمنُونَ ، والخَمْر : مأخوذ من خمر ، إِذا ستر ؛ ومنه : خِمَارُ المَرْأة ، والخَمَرُ : ما واراك من شَجَر وغيره ، ومنه قولُ الشاعر : [ الوافر ] @ أَلاَ يَا زَيْدُ وَالضَّحَّاكُ سِيرَا فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّرِيقِ @@ ولما كانت الخمر تستُرُ العَقْل ، وتغطِّي عليه ، سُمِّيت بذلك ، وأجمعت الأمة على تحريمِ خَمْر العِنَبِ ، ووجوبِ الحدِّ في القليلِ والكثيرِ منْه ، وجمهورُ الأمة علَىٰ أن ما أسكر كثيرُهُ مِنْ غير خَمْرِ العِنَبِ محرَّم قليلُهُ وكثيرُهُ ، والحدُّ في ذلك واجبٌ . وروي أنَّ هذه الآية أولُ تطرُّق إِلى تحريمِ الخَمْر ، ثم بعده : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ثم { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ } إلى قوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] ثم قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] فقال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " حُرِّمَتِ الخَمُرْ " ، ولم يحفَظْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حدِّ الخمر إِلا أنَّه جلد أربعين ، خرَّجه مسلم ، وأبو داود ، وروي عَنْه صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ ضرب فيها ضَرْباً مُشَاعاً ، وحَزَرَهُ أبو بكر أربعين سوطاً ، وعمل بذلك هو ، ثُمَّ عمر ثم تهافَتَ النَّاس فيها ، فشدَّد عليهم الحَدَّ ، وجعله كَأخفِّ الحدود ثَمَانِينَ ؛ وبه قال مالك . ويجتنبُ من المضروبِ : الوجْهُ ، والفَرْجُ ، والقَلْب ، والدِّماغ ، والخَوَاصر ؛ بإِجماع . قال ابن سِيرِينَ ، والحسنُ ، وابْنُ عَبَّاس ، وابن المُسَيَّب ، وغيرهم : كلُّ قمارٍ مَيْسِرٌ ؛ مِنْ نَرْدٍ وشِطْرَنْجٍ ، ونحوه ، حتَّى لِعْب الصِّبْيَان بالجَوْز . * ت * : وعبارةُ الداووديّ : وعن ابْنِ عُمَر : المَيْسِرُ القِمَار كلُّه ، قال ابن عبَّاس : كلُّ ذلك قمارٌ ؛ حتى لعِبْ الصِّبْيَان بالجَوْز ، والكِعَاب . انتهى . وقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ … } الآية : قال ابن عبَّاس ، والرَّبيع : الإِثم فيهما بعد التحريم ، والمنفعةُ قبله . وقال مجاهد : المنفعةُ بالخَمْر كسب أثمانها ، وقيل : اللَّذَّة بها إِلى غير ذلك من أفراحِها ، ثم أعلم اللَّه عزَّ وجلَّ ؛ أنَّ الإِثم أكْبَرُ من النَّفْع ، وأعود بالضَّرر في الآخرة ، فهذا هو التقدمة للتحريم . وقوله تعالى : { وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } قال جمهور العلماء : هذه نفقاتُ التطوُّع ، والعفُو مأخوذ من عَفَا الشَّيْء ، إِذا كَثُر ، فالمعنَى : أنفِقُوا ما فَضَل عن حوائجِكُم ، ولم تُؤْذُوا فيه أنفُسَكم ، فتكونوا عالَةً على النَّاس . وقوله تعالى : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } : الإِشارة إِلى ما تقدَّم تبيينُهُ من الخَمْر والمَيْسِر ، والإِنفاق ، وأخبر تعالى ؛ أنه يبيِّن للمؤمنين الآياتِ التي تقودُهم إِلى الفِكْرة في الدنيا والآخرة ، وذلك طريقُ النجاة لمن نفعته فكْرته . قال الداووديّ : وعن ابن عبَّاس : لعلَّكم تتفكَّرون في الدنيا والآخرةِ ، يعني : في زوال الدنْيا وفنائِها ، وإِقبال الآخرة وبقائِها . انتهى . قال الغَزَّالِيُّ - رحمه اللَّه - تَعَالَى : العَاقِل لا يغفُلُ عن ذكْر الآخرةِ في لَحْظة ؛ فإِنها مصيره ومستقرُّه ، فيكون لَهُ في كلِّ ما يراه من ماءٍ ، أو نارٍ ، أو غيرهما عبرةٌ ؛ فإن نظر إلى سوادٍ ، ذكر ظلمة اللَّحْد ، وإِن نَظَر إِلى صورة مروِّعة ، تذكَّر مُنْكَراً ونكيراً والزبانيةَ ، وإِن سمع صوتاً هائلاً ، تذكَّر نفخة الصُّور ، وإِنْ رأَىٰ شيئاً حسَناً ، تذكَّر نعيم الجنَّة ، وإِن سمع كلمةَ ردٍّ أو قَبُولٍ ، تذكَّر ما ينكشفُ لَهُ من آخر أمره بعد الحسَابِ ؛ من ردٍّ أو قبول ، ما أجدر أن يكون هذا هو الغالِبَ علَىٰ قَلْبِ العاقِلِ ، لا يصرفُهُ عنه إِلاَّ مُهِمَّاتُ الدنيا ، فإِذا نسب مدةَ مُقَامه في الدُّنْيا إِلى مدة مُقَامه في الآخِرة ، ٱستحْقَرَ الدنيا إِنْ لم يكُنْ أغفل قلبه ، وأعميتْ بصيرته . انتهى من « الإِحياء » . وقوله تعالَىٰ : { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } : قال ابن عبَّاس ، وسعيد بن المسيَّب : سبب الآية أن المسلمين لما نزلَتْ : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } [ الأنعام : 152 ] و [ الإسراء : 34 ] ونزلت : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } [ النساء : 10 ] تجنبوا اليتامَىٰ وأموالَهم ، وعزلوهم عن أنفسهم ، فنزلت : { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ … } الآية ، وأمر اللَّه سبحانه نبيَّه ؛ أن يجيب بأن من قصد الإِصلاح في مال اليتيمِ ، فهو خيْرٌ ، فرفع تعالى المشقَّة ، وأباح الخُلْطة في ذلك إِذا قُصِدَ الإِصلاح ، ورفْقُ اليتيم . وقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } : تحذيرٌ . وقوله تعالى : { وَلَوْ شآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } ، أي : لأتعبكم في تجنُّب أمر اليتامَى ، والعَنَتُ : المشقَّة ، ومنه عَقَبَةٌ عَنُوتٌ ؛ ومنه : عَنَتُ العُزْبَةِ ، و { عَزِيزٌ } : مقتضاه لا يرد أمره ، و { حَكِيمٌ } : أي : مُحْكِمٌ ما ينفذه .