Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 238-239)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ … } الآية : الْخِطابُ لجميع الأمة ، والآية أَمْر بالمحافظةِ عَلَى إِقامة الصَّلوات في أوقاتها ، وبجميع شروطها ، وخرَّج الطحاويُّ عن ابنِ مسعودٍ ، عن النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال : " أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةُ جَلْدَةٍ ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَىٰ وَيَدْعُوهُ ، حَتَّىٰ صَارَتْ وَاحِدَةً ، فَٱمْتَلأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَاراً ، فَلَمَّا ٱرْتَفَعَ عَنْهُ ، أَفَاقَ ، فَقَالَ : عَلاَمَ جَلَدتَّنِي ؟ قَالَ : إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، ومَرَرْتَ عَلَىٰ مَظْلُومٍ ، فَلَمْ تَنْصُرْهُ " انتهى من « التذْكِرَة » للقرطبيِّ . وفي الحديثِ : " أنَّ الصَّلاَةَ ثَلاَثَةُ أَثْلاَثٍ الطُّهُورُ ثُلُثٌ ، وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ ، وَالسُّجُودُ ثُلُثٌ ، فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا ، قُبِلَتْ مِنْهُ ، وَقُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ ، وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ ، رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِهِ " رواه النَّسَائِيّ . انتهى من « الكوكب الدَّرِّيِّ » . ورَوَىٰ مالكٌ في « الموطَّإ » ، عن يَحْيَـــى بْنِ سعيدٍ ؛ أنه قال : " بلَغَنِي أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلاَةُ ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ ، نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ، لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ " قال أبو عمر بن عبد البَرِّ في « التمهيد » : وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مسنَداً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وجوهٍ صِحَاحٍ ، ثم أسند أبو عمر عن أنَسِ بنِ حكيمٍ الضَّبِّيِّ ، قال : قَالَ لِي أبو هُرَيْرة : إِذا أَتَيْتَ أَهْلَ مِصْرِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ المُسْلِمُ صَلاَةُ المَكْتُوبَةِ ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلاَّ قِيلَ : ٱنْظُرُوا ، هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ ، أُكْمِلَتِ الفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الأَعْمَالِ المَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ » ، وفي روايةِ تَمِيمِ الدَّارِيِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ بهذا المعنَىٰ . قال : « ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَىٰ حَسَبِ ذَلِكَ » " انتهى . وذكَرَ اللَّه سبحانه الصَّلاةَ الوسْطَىٰ ثانيةً ، وقد دَخَلَتْ قَبْلُ في عموم قوله : « الصَّلَوَاتِ » ؛ لأنه أراد تشريفَهَا . واختلف النَّاس في تعيينها . فقال عليٌّ ، وابن عبَّاسٍ ، وجماعة من الصَّحابة : إِنها صلاةُ الصُّبْح ، وهو قول مالكٍ ، وقالتْ فرقةٌ : هي الظُّهْر ، وورد فيه حديث ، وقالت فرقة : هي صلاةُ العَصْر ، وفي مُصْحَف عائشةَ ، وإِملاء حَفْصَة : « صَلاَةِ العَصْرِ » ؛ وعلَىٰ هذا القول جمهورُ العلماءِ ، وبه أقولُ . وقال قَبِيصَةُ بن ذُوَيْبٍ : هي صلاة المَغْرِب ، وحكى أبو عمر بن عبد البَرِّ عن فرقة ؛ أنها صلاة العشَاءِ الآخِرَةِ ، وقالتْ فرقة : الصلاة الوسطَىٰ لم يعيِّنها اللَّه سبْحانه ، فهي في جملة الخَمْس غير معيَّنة ؛ كليلة القَدْر ، وقالت فرقة : هي صلاة الجُمُعَة ، وقال بعضُ العلماء : هي الخَمْس ، وقوله أولاً : { عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ } يعم النفْلَ ، والفَرْض ، ثم خَصْ الفرْضَ بالذِّكْر . وقوله تعالى : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } معناه في صلاتِكُمْ . واختلف في معنى { قَـٰنِتِينَ } . فقال الشَّعْبِيُّ وغيره : معناه مطيعين ، قال الضَّحَّاك : كل قُنُوتٍ في القرآن ، فإِنما يُعْنَىٰ به الطاعة ، وقاله أبو سعيدٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال ابْنُ مسعودٍ وغيره : القُنُوت : السُّكُوت ؛ وذلك أنهم كانوا يتكلَّمون في الصلاة حتَّىٰ نزلَتْ هذه الآيةُ ، فأمروا بالسُّكُوت ، وقال مجاهد : معنى { قَـٰنِتِينَ } خاشِعِينَ ، ، فالقنوتُ : طُولُ الركوعِ والخشوعِ ، وغضُّ البصر ، وخَفْضُ الجَنَاح ، قال : * ع * : وإِحضارُ الخَشْية ، والفِكْرُ في الوقوف بين يَدَيِ اللَّه سبحَانَه ، وقال الرَّبِيعُ : القنوتُ : طولُ القيَامِ ، وطولُ الرُّكُوعَ . وقال قومٌ : القنوتُ : الدعاء ، و { قَـٰنِتِينَ } : معناه دَاعِينَ ، روي معناه عن ابن عَبَّاس . وقول تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا … } الآية ، أمر اللَّه تعالَىٰ بالقيامِ له في الصلاة بحالة قُنُوت ، وهو الوقار والسَّكينة ، وهدوء الجوارحِ ، وهذا على الحالة الغالبَةِ من الأمْن والطُّمأْنينة ، ثم ذكر تعالى حالة الخَوْف الطارئَة أحياناً ، فرخَّص لعبيده في الصَّلاة { رِجَالاً } : متصرِّفين على الأقدام ، و { رُكْبَانًا } : على الخَيْل والإِبل ونحوهما ؛ إِيماء ، وإِشارة بالرأس ؛ حيث ما توجَّه ، هذا قول جميع العلماءِ ، وهذه هي صلاة الفَذِّ الذي قد ضايقه الخَوْفُ على نَفْسه في حال المسايفة ، أو مِنْ سَبُعٍ يطلبه ، أو عدو يتبعه ، أو سَيْلٍ يحملُه ، وبالجملة فكلُّ أمرْ يخافُ منْه علَىٰ رُوحِهِ ، فهو مبيحٌ ما تضمَّنته هذه الآية . وأما صَلاَةُ الخَوْف بالإِمام ، وانقسام النَّاس ، فليس حكْمُها في هذه الآية ، وسيأتي ، إِن شاء اللَّه ، في « سورة النساء » . والرُّكْبَان : جمع رَاكِبٍ ، وهذه الرخْصَة في ضِمنها ؛ بإِجماعٍ من العلماء : أن يكون الإنسان حيثُ ما توجَّه ويتقلَّب ويتصرَّف بحسب نَظَره في نجاة نَفْسِهِ . * ت * : ورَوَىٰ أبو دَاوُد في « سننه » ، عن عبد اللَّه بن أُنَيْسٍ ، قال : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَىٰ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ ، وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ ، قَالَ : « ٱذْهَبْ فَٱقْتُلْهُ » ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرْتُ صَلاَةَ العَصْرِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، فَٱنْطَلَقْتُ أَمْشِيَ وَأَنَا أُصَلِّي أُومِىءُ إِيمَاءً نَحْوَهُ ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ ، قَالَ لِي : « مَنْ أَنْتَ » ؟ قُلْتُ : رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَجِئْتُكَ فِي ذَلِكَ ، قَالَ : إِنِّي لَفِي ذَلِكَ ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً حَتَّىٰ إِذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِي ؛ حَتَّىٰ بَرَدَ " انتهى ، وقد ترْجَم عليه « بَابٌ فِي صَلاَةِ الطَّالِبِ » . قال : * ع * : واختلف النَّاس ، كَمْ يصلِّي من الركعات ؟ والذي عليه مالكٌ وجماعةٌ : أنه لا ينقصُ من عدد الركعاتِ شيئاً ، فيصلِّي المسافر ركعتَيْن . واختلف المتأوِّلون في قوله سبحانه : { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ … } الآية : فقالَتْ فرقةٌ : المعنَىٰ : إِذا زال خَوْفُكُم ، فٱذكُروا اللَّه سبحانه بالشُّكْر على هذه النعمة ، وقالتْ فرقة : اذكروا اللَّه ، أي : صَلُّوا كما علمتم صلاةً تامَّة ، يعني فيما يُسْتقْبلُ من الصَّلَوات .