Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ … } الآية : هذه الآيةُ سيِّدة آي القرآن ، وورد في الحديثِ ؛ " أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآن " ، وورد " أنَّ مَنْ قَرَأَهَا أَوَّلَ لَيْلِهِ ، لَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ " ؛ وكذلك مَنْ قَرَأَهَا أَوَّلَ نَهارِهِ ، وهي متضمِّنة التوحيدَ والصِّفاتِ العُلاَ ، وعن أنسِ بنِ مالكٍ ، قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ : " مَا مَنَعَكِ أَنْ تَسْمَعِي ، مَا أَوْصَيْتُكِ بِهِ ، تَقُولِينَ ، إِذَا أَصْبَحْتِ ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَىٰ نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ " ، رواه النَّسائيُّ ، واللفظ له ، والحاكمُ في « المستدرك » عَلَى الصَّحيحَيْن ، وقال : صحيحٌ علَىٰ شرط الشيخَيْن ، يعني البخاريَّ ومسلماً . انتهى من « السِّلاح » . وعن ابن مسعود ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ ، قَالَ : " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " رواه الحاكم في « المستدرك » ، وقال : صحيح الإِسناد ، ورواه الترمذيُّ من حديث أنسٍ ، والنَّسائيّ من حديثِ رَبِيعَةَ بْنِ عامرٍ ، انتهى من « السِّلاح » . واللَّه : مبتدأ ، ولا إِلَهَ : مبتدأ ثانٍ ، وخبره محذوفٌ ، تقديره معبودٌ أو موجودٌ ، وقَيُّوم : بناءُ مبالغةٍ ، أي : هو القائم على كلِّ نفس بما كَسَبَتْ ؛ بهذا المعنىٰ فسَّره مجاهدٌ ، والرَّبيع ، والضَّحَّاك ، ثم نفى عزَّ وجلَّ ؛ أنْ تأخذه سِنَةٌ أو نَوْم ، وفي لفظٍ : الأَخْذُ غَلَبَةٌ مَّا ، فلذلك حَسُنَتْ في هذا الموضِعِ بالنفْيِ ، والسِّنَةُ : بدْء النُّعَاس ، وليس يفقد معه كلّ الذِّهْن ، والنَّوْمُ هو المستثْقَلُ الذي يزولُ معه الذهْن ، والمراد بالآية : التنزيهُ أنه سبحانه لا تدركُه آفة ، ولا يلحقه خَلل بحالٍ من الأحوال ، فجعلت هذه مثالاً لذلك ، وأقيمَ هذا المذكورُ من الآفاتِ مقام الجميعِ ، وهذا هو مفهومُ الخطَابِ ؛ كما قال تعالى : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } [ الإسراء : 23 ] . * ت * : وبيانه أنه إِذا حرم التأفيف ، فَأحْرَىٰ ما فوقه من الشَّتْمِ ، والضَّرْب في حقِّ الأبوَيْن ، وروَىٰ أبو هريرة ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ مُوسَىٰ عَلَى المِنْبَرِ ، قَالَ : " وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَىٰ : هَلْ يَنَامُ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكاً فَأرَّقَهُ ثَلاَثاً ، ثُمَّ أعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةً ، وأَمَرَهُ بِأَنْ يَحْتَفِظَ بِهِمَا ، قَالَ : فَجَعَلَ يَنَامُ ، وتَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ ، فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَىٰ ؛ حَتَّىٰ نَامَ نَوْمَةً ، فَٱصْطَفَقَتْ يَدَاهُ ، فَٱنْكَسَرَتِ القَارُورَتَانِ ، قَالَ : ضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلاً أَنْ لَوْ كَانَ يَنَامُ ، لَمْ تَسْتَمْسِكِ السَّمَاءُ وَالأرْضِ " . قوله تعالَىٰ : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : بالملك ؛ فهو مالكُ الجميع ، وربُّه ، ثم قرَّر ، ووَقَفَ تعالَىٰ من يتعاطَىٰ أنْ يشفع إِلاَّ بإذنه ، أي : بأمره . * ص * : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ } : « مَنْ » : مبتدأ ، وهو ٱستفهامٌ معناه النفْيُ ؛ ولذا دخلَت « إِلاَّ » في قوله : { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، والخبر « ذَا » ، و « الَّذِي » نعْتٌ لـــ « ذَا » أو بدل منه ، وهذا على أنَّ « ذا » اسمُ إِشارةٍ ، وفيه بُعْد ؛ لأن الجملة لم تستقلَّ بـــ « مَنْ » مع « ذَا » ، ولو كان خبراً ، لاستقلَّ ، ولم يحتجْ إِلى الموصولِ ، فالأولَىٰ أنَّ « مَنْ » ركِّبت مع « ذَا » لِلاستفهامِ . انتهى . قال مجاهدٌ وغيره : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } : الدُّنيا ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } : الآخرة ، وهذا صحيحٌ في نفْسه عند موت الإِنسان ؛ لأن ما بين اليَدِ هو كلُّ ما تقدَّم الإِنسان ، وما خَلْفه : هو كلُّ ما يأتي بعده ، { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } ، أي : مِن معلوماته ؛ لأن علْم اللَّه تعالَىٰ لا يتبعَّض ، ومعنى الآية : لاَ مَعْلُومَ لأحدٍ إلا ما شاء اللَّه أنْ يعلمه ، قال ابن عبَّاس : كُرْسيُّه : علْمه [ قالَ ] الطبريُّ : ومنه الكُرَّاسَة . قال : * ع * : والذي تقتضيه الأحاديثُ أنَّ الكرسيَّ مخلوقٌ عظيمٌ بَيْن يَدَيِ العَرْشِ ، والعَرْشُ أعظمُ منْه ؛ وقد قال رُسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الكُرْسِيِّ إِلاَّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ " وقال أبو ذَرٍّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا الكُرْسيُّ فِي العَرْش إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ " وهذه الآية مُنْبِئَةٌ عن عِظَمِ مخلوقاتِ اللَّه سبحانَهُ ، والمستفادُ من ذلك عِظَمُ قدرتِهِ ـــ جل وعلا ـــ ؛ إِذ لا يَؤُوده حفْظُ هذه المخلوقاتِ العظيمةِ ، { وَلاَ يَؤُودُهُ } : معناه : لا يُثْقِلُهُ ، ولا يشقُّ عليه ، وهو تفسيرُ ابن عبَّاس وغيره ، و { ٱلْعَلِىُّ } : يراد به عُلُوُّ القَدْر ، والمنزلةِ ، لا عُلُوُّ المكانِ ؛ لأن اللَّه سبحانه منزَّه عن التَّحَيُّز ؛ وكذا { ٱلْعَظِيمُ } : هو صفةٌ ؛ بمعنى عِظَم القَدْر ، والخَطَر ، لا علَىٰ معنى عِظَمِ الأجْرَامِ ، ومن « سلاح المؤمن » قال : وعن أبي أُمَامَةً ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ " رواه النَّسَائِيُّ عن الحُسَيْن بن بِشْرٍ عن محمَّد بن حِمْيَرَ ، عن محمَّد بن زيَادٍ الألهانيِّ ، عن أبي أُمَامَةَ ، فأما الحُسَيْن ، فقال فيه النَّسائيُّ : لا بأس به ، وقال في موضِعٍ آخر : ثِقَة ، وقال أبو حاتِمٍ : شيخ ، وأما المُحمَّدان ، فٱحتجَّ بهما البخاريُّ في « صحيحه » ، وقد أخرج شيخُنا الحافظُ أبو محمَّد الدِّمْيَاطِيُّ - رحمه اللَّه - الْحَدِيثَ في بَعْضِ تصانِيفِهِ مِنْ حديثِ أبِي أمَامَةَ ، وعليٍّ ، وعبد اللَّه بنِ عُمَر ، والمُغِيرَة ، وجابرٍ ، وأنَس ، قال : وإِذَا ضمت هذه الأحاديث بعضُها إِلَىٰ بعض ، أخذت قوة . انتهى من « السلاح » . وقد أخْرج البخاريُّ والنَّسَائِيُّ من حديث أبي هُرَيْرة في قصَّته مع الشَّيْطَان وأخْذِهِ الطَّعام ، ما هو مَعْلُومٌ من فَضْل هذه الآية . وفيه : أنه إِذا قرأْتَهَا حِينَ تَأوي إِلَىٰ فِرَاشِكَ ، لَمْ يَزَلْ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، وَلاَ يَقْرَبْكَ شَيْطَانٌ ؛ حَتَّىٰ تُصْبِحَ ، وخرَّجه الترْمِذِيُّ من حدِيثِ أبي أَيُّوبَ في قصَّته مع الغُول نحْو حديث أبِي هريرة ؛ قال الغزَّاليُّ ما معناه : إِنما وصفت بكونها سيِّدة آي القرآن ؛ لاشتمالها على ٱسْم اللَّه الأعظم ، وهو الحيُّ القيومُ ؛ قاله في « الجَوَاهِر » ، وأسند صاحبُ « غاية المَغْنَمِ في ٱسم اللَّهِ الأعْظَمِ » ، عن غَالِبٍ القَطَّان ، قال : مكثْتُ عشْرَ سنينَ ، أدعو اللَّه أنْ يعلِّمني ٱسْمَه الأعْظَم الَّذي إِذا دُعِيَ به أجَابَ ، وإِذا سُئِلَ به أعطَىٰ ، فأتانِي آتٍ في مَنَامِي ثَلاَثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَقُولُ : يَا غَالِبُ قُلْ : يَا فَارِجَ الهَمِّ ، وَيَا كَاشِفَ الغَمِّ ، يَا صَادِقَ الوَعْدِ ، يَا مُوفِياً بِالْعَهْدِ ، يَا مُنْجِزاً لِلْوَعْدِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، لاَ إلۤـــهَ إِلاَّ أَنْتَ . انتهى من « غاية المَغْنَمِ » .