Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 267-269)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ … } الآية : هذا خطابٌ لجميع أمَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وهذه صيغةُ أمر بالإِنفاق ، واختلف المتأوِّلون ، هل المرادُ بهذا الإِنفاق الزَّكَاةُ المفروضةُ ، أو التطوُّع ، والآية تعمُّ الوجهَيْن ، لكنَّ صاحب الزكاة يتلَقَّاها على الوُجُوب ، وصاحب التطوُّع يتلَقَّاها على الندْبِ ، وجمهورُ المتأوِّلين قالوا : معنى { مِن طَيِّبَاتِ } : من جَيِّد ومختارِ ما كسبتُمْ ، وجعلوا الخبيثَ بمعنَى الرديء ، وقال ابن زَيْد : معناه : من حلالِ ما كسبتمْ ، قال : وقوله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } ، أي : الحرام . * ع * : وقولُ ابن زيدٍ ليس بالقويِّ من جهة نَسَق الآيةِ ، لا من معناه في نَفْسه . و { كَسَبْتُم } : معناه : كانت لكُمْ فيه سعاية ، { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } : النباتات ، والمَعَادن ، والرِّكَاز ، وما ضَارع ذلك ، و { تَيَمَّمُواْ } : معناه : تعمدوا ، وتَقْصِدوا ، والتيمُّم : القصْد ، وقال الجُرْجَانِيُّ : قال فريقٌ من الناس : إِن الكلام تَمَّ في قوله : { ٱلْخَبِيثَ } ، ثم ابتدأ خَبَراً آخر ، فقال : تُنْفِقُونَ منه وأنتم لا تأخذونه إِلا إِذا أغمضتم أي : ساهَلْتُم ، قال : * ع * : كأنَّ هذا المعنَىٰ عتابٌ للنَّفْسِ وتقريعٌ ؛ وعلَىٰ هذا ، فالضميرُ في { مِنْهُ } عائدٌ على { ٱلْخَبِيثَ } . قال الجُرْجَانِيُّ : وقال فريقٌ آخر : بل الكلامُ متَّصِلُ إِلى قوله : { فِيهِ } ؛ وعلى هذا ، فالضمير في « مِنْهُ » عائدٌ على : « مَا كَسَبْتُمْ » ؛ كأنه في موضعَ نصبٍ على الحالِ ، والمعنَىٰ في الآية : فَلاَ تَفْعَلُوا مع اللَّهِ ما لا ترضَوْنه لأنفُسِكم ، وٱعلموا أنَّ اللَّه غنيٌّ عن صدقاتكم ، فمَنْ تقرب وطلب مثوبةً ، فلْيفعلْ ذلك بما لَهُ قَدْرٌ . * ت * : وهذا يقوِّي القولَ بأنها في الزكَاةِ المفروضَةِ ، و { حَمِيدٌ } : معناه محمودٌ . وقوله تعالى : { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ … } الآية : هذه الآيةُ وما بعدها - وإِن لم تكُنْ أمراً بالصدقة ، فهي جالبةُ النفوس إلى الصدقة - بيَّن - عزَّ وجلَّ - فيها نزغاتِ الشيطانِ ، ووسوستَهُ ، وعداوتَهُ ، وذكَّر بثوابه هو سبحانه ، لا رَبَّ غيره ، وذَكَّر بتفضُّله بالحكْمة ، وأثنَىٰ عليها ، ونبَّه أنَّ أهل العقول هم المتذكِّرون الذين يقيمُونَ بالحكْمة قدْرَ الإِنفاق في طاعةِ اللَّه ، وغير ذلك ، ثم ذكر سبحانه علْمَهُ بكلِّ نفقة ونَذْر ، وفي ذلك وعْدٌ ووعيدٌ ، ثم بيَّن الحِكَمَ في الإِعلان والإِخفاء ؛ وكذلك إِلى آخر المعنَىٰ . والوعد ؛ في كلامِ العربِ ، إِذا أطلق ، فهو في الخير ، وإِذا قُيِّد بالموعود ، فقد يقيد بالخَيْر ، وقد يقيَّد بالشر ؛ كالبِشَارة ، وهذه الآية مما قُيِّدَ الوعْدُ فيها بمكْرُوه ، والفَحْشَاءُ : كلُّ ما فَحُشَ ، وفَحُشَ ذكْرُه ، روى ابْنُ مسعودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً مِن ٱبْنِ آدَمَ ، وَلِلْمَلِكِ لَمَّةً ، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ ، فَإِيعَادٌ بالشَّرِّ ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ ، وأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ ، فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ ، فَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَىٰ ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ " ثُمَّ قرأَ صلى الله عليه وسلم : { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاءِ … } الآية . قُلْتُ : هذا حديثٌ صحيحٌ خرَّجه أبو عيسَى التِّرمذيُّ ، وقال فيه : حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ . والمغفرةُ : هي السَّتْر علَىٰ عبادِهِ في الدنيا والآخرة ، والفَضْل : هو الرزق في الدنيا ، والتوسعةُ فيه ، والنَّعِيمُ في الآخرة ، وَبِكُلٍّ قدْ وعد اللَّه جلَّ وعلاَ ، وروي ، أنَّ في التوراة : « عَبْدِي ، أَنْفِقْ مِنْ رِزْقِي ، أَبْسُطْ عَلَيْكَ فَضْلِي ، فَإِنَّ يَدِي مَبْسُوطَةٌ عَلَىٰ كُلِّ يَدٍ مَبْسُوطَةٍ » ؛ وفي القُرآن مصداقه ، وهو : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ سبأ : 39 ] * ت * : روى الطَّبرانيُّ سليمانُ بْنُ أحْمَدَ ، بسنده عَنْ عبد اللَّه بنِ عمرٍو ، قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ حَتَّىٰ يُشْبِعَهُ ، وسَقَاهُ مِنَ المَاءِ ، حَتَّىٰ يَرْوِيَهُ ، بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ مَا بَيْنَ كُلِّ خَنْدَقَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ " انتهى . وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي اللَّه عنه - عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً عَلَىٰ عُرْيٍ ، كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً عَلَىٰ جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ ، وأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَىٰ مُسْلِماً عَلَىٰ ظَمَإٍ ، سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ " أخرجه أبو داود ، مِنْ حديثِ أبي خالدٍ ، هو الدَّالانِي ، عن نُبَيْح ، وقد وثَّق أبو حاتم أبا خالدٍ ، وسُئِل أبو زُرْعَة عن نُبَيْح ، فقال : هو كوفيٌّ ثقة . انتهى من « الإِلمام في أحاديثِ الأحْكَامِ » ؛ لابن دقيقِ العِيدِ . و { وَٰسِعٌ } : لأنه وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً وعلماً . { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ } : أَيْ : يعطيها لِمَنْ يَشَاء من عباده ، والحكمةُ مصدرٌ من الإِحكام ، وهو الإِتقان في عملٍ أو قولٍ ، وكتابُ اللَّهِ حكْمَةٌ ، وسُنَّةُ نبيِّه - عليه السلام - حِكْمَةٌ ، وكلُّ ما ذكره المتأوِّلون فيها ، فهُوَ جُزْء من الحكْمة التي هي الجنْس ، قال الإِمامُ الفَخْر في شرحه لأسماء اللَّه الحسنَىٰ : قال المحقِّقون : العلماءُ ثلاثةٌ : علماءُ بأحكامِ اللَّهِ فقط ؛ وهم العلماءُ أصحابُ الفتوَىٰ ، وعلماءُ باللَّهِ فقَطْ ؛ وهم الحكماءُ ، وعلماءُ بالقِسْمَيْن ؛ وهُمُ الكبراءُ ، فالقسْم الأول كالسِّراجِ يحرقُ نَفْسَه ، ويضيءُ لغَيْره ، والقسم الثَّاني حالُهم أكْمَلُ من الأوَّل ؛ لأنه أَشْرَقَ قَلْبُهُ بمَعْرفة اللَّه ، وسره بنُور جلالِ اللَّه ، إِلاَّ أنه كالكَنْز تَحْت التُّرَابِ ، لا يصلُ أَثَرُه إِلَىٰ غيره ، وأما القسمُ الثالثُ ، فهم أشرفُ الأقسامِ ، فهو كالشَّمْسِ تضيءُ العَالَمَ ؛ لأنه تامٌّ ، وفوْقَ التامِّ . انتهى . وباقي الآية تذكرةٌ بيِّنة ، وإقامة لِهِمَمِ الغَفَلَةِ - و { ٱلأَلْبَـٰبِ } : العقولُ ، واحدها لُبٌّ .