Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 265-266)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمُ ٱبْتِغَاء مَرْضَاتِ ٱللَّهِ … } الآية : من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه ذكْرُ نقيضِ ما يتقدَّم ذكره ؛ ليتبيَّن حال التضادِّ بعرضها على الذهْن ، ولما ذكر اللَّه صدقاتِ القوم الذين لا خَلاَق لصدَقَاتهم ، ونَهَى المؤْمنين عن مواقَعَة ما يشبه ذلك بوَجْهٍ مَّا ، عَقَّبَ في هذه الآية بذكْرِ نفقاتِ القَوْم الذين بذَلُوا صدقاتِهِمْ علَىٰ وجْهها في الشرع ، فضرب لها مثلاً ، وتقدير الكلام : ومَثَلُ نفقةِ الذين ينفقون كَمَثَلِ غارِسِ جَنَّة ، أو تقدِّر الإِضمار في آخر الكلام ، دون إِضمار في أوله ؛ كأنه قال : كَمَثَلِ غارِسِ جَنَّةِ - وابتغاء : معناه طلب ، وهو مصدر في موضع الحالِ - وتَثْبِيتاً : مصدر ، ومَرْضَاة : مصدر من : رَضِيَ . قال : * ص * : { ٱبْتِغَاءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتًا } كلاهما مفعولٌ من أجله ، وقاله مكِّيٌّ ، وردَّه ابن عَطيَّة ؛ بأن ٱبتغاءَ : لا يكون مفعولاً من أجله ، لعطف : « وَتَثْبِتاً » عليه ، ولا يصحُّ في « تثبيت » أنْ يكون مفعولاً من أجله ؛ لأنَّ الإِنفاق ليس من أجل التثبيت ؛ وأجيب : بأنه يمكن أنْ يقدَّر مفعولُ التثبيت الثوابَ ، أي : وتحصيلاً لأنفسهم الثوابَ علَىٰ تلك النفقة ؛ فيصحّ أنْ يكون مفعولاً من أجله ، ثم قال أبو حَيَّان ، بعد كلام : والمعنى أنَّهم يُثَبِّتُونَ من أنفسهم على الإِيمان ، وما يرجُونه من اللَّه تعالَىٰ بهذا العمل . انتهى . قال قتادة وغيره : { وَتَثْبِيتًا } : معناه : وتيقُّناً ، أي : أنَّ نفوسهم لها بصائرُ متأكِّدة ، فهي تثبتهم على الإِنفاق في طاعة اللَّه تثبيتاً ، وقال مجاهد والحَسَن : معنى قوله : { وَتَثْبِيتًا } ، أي : أنهم يتثبَّتون ، أين يَضَعُونَ صَدَقَاتِهِمْ . قال الحَسَن : كان الرجُلُ ، إِذا هَمَّ تثبَّت ؛ فإِنْ كان ذلك لِلَّه أمضاه ، وإِنْ خالَطَهُ شيْء أَمْسَك . والقولُ الأول أصوبُ ؛ لأن هذا المعنى الذي ذهب إِليه مجاهدٌ ، والحسنُ إِنما عبارته : « وتَثْبِيتاً » ، فإِنَّ قال محتجٌّ : إِن هذا من المصادر الَّتِي خُرِّجَتْ علَىٰ غير الصَّدْر ؛ كقوله تعالى : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] فالجوابُ : أنَّ هذا لاَ يسُوغُ إلاَّ مع ذِكْر الصدرِ ، والإِفصاحِ بالفعْلِ المتقدِّم للمصدر ، وأمَّا إِذا لم يقع إِفصاحٌ بفعْلٍ ، فليس لك أنْ تأتي بمصدر في غير معناه ، ثم تقول : أحمله علَىٰ فعْلِ كذا وكذا ؛ لفعلٍ لم يتقدَّم له ذكْرٌ ، هذا مَهْيَعُ كلامِ العربِ فيما علمتُ . والرَّبْوَةُ : ما ارتفع من الأرض ٱرتفاعاً يسيراً معه في الأغلب كثافةُ الترابِ وطِيبُهُ وتعمُّقه ، وما كان كذلك ، فنباتُه أحْسَنُ . ولفظ الرَّبْوَة : مأخوذ من : رَبَا يَرْبُو ، إِذا زاد ، وآتَتْ : معناه أعطت ، والأُكُل ؛ بضم الهمزة : الثمر الَّذي يُؤْكَل ، والشيء المأْكُول مِنْ كُلِّ شيء ، يقال له : أُكُل ، وإِضافته إِلى الجنَّة إِضافة ٱختصاصٍ ؛ كَسَرْج الدَّابَّة ، وبابِ الدَّارِ ، وضِعْفَيْن : معناه ٱثْنَيْنِ مِمَّا يظن بها ، ويُحْزَر من مثلها . ثم أكَّد سبحانه مدْحَ هذه الربوة ؛ بأنها إِنْ لم يصبْها وابلٌ ، فإِن الطَّلَّ يكفيها ، وينوبُ مناب الوابِلِ ؛ وذلك لكَرَمِ الأرض ، والطَّلُّ : المستدَقُّ من القَطْرِ ، قاله ابن عبَّاس وغيره ، وهو مشهورُ اللغة ، فشبه سبحانه نُمُوَّ نفقاتِ هؤلاء المُخْلِصِينَ الذين يُرْبِي اللَّه صدقاتِهِمْ ؛ كتربية الفَلُوِّ والفصيلِ ؛ حسب الحديثِ بنموِّ نباتِ هذه الجنة بالرَّبْوَة الموصُوفةِ ، وذلك كلُّه بخلافِ الصَّفْوان ، وفي قوله تعالى : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } : وعد ووعيد . وقوله تعالَىٰ : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ … } الاية : حكى الطبريُّ عن ابْن زَيْد ، أنَّه قرأ قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنِّ … } [ البقرة : 264 ] الآية : ثم قال : ضرَبَ اللَّه في ذلك مثلاً ؛ فقال : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ … } الآية ، وهذا بيِّن ، وهو مقتضى سياقِ الكلامِ ، وقال ابنُ عَبَّاس : هذا مثَلٌ ضربه اللَّه ؛ كأنه قال : أيودُّ أحدُكُم أنْ يعمل عمره بعَمَلِ أهْل الخير ، فإذا فَنِيَ عمره ، وٱقترَبَ أجله ، خَتَم ذلك بعَمَلٍ مِنْ عمل أهْل الشقاء ، فَرَضِيَ ذلك عُمَرُ منه ، رضي اللَّه عنه ، وروى ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ عن عُمَر نحو . * ع * : فهذا نظرٌ يحمل الآية علَىٰ كلِّ ما يدخل تحْتَ ألفاظها ، وقال بنَحْو هذا مجاهدٌ وغيره ، ونقل الثَّعْلَبِيُّ عن الحَسَن ، قال : قَلَّ واللَّهِ ، من يعقلُ هذا المَثَلَ شيْخٌ كبر سنه ، وضَعُف جسمه ، وَكَثُرَ عياله ، أَفْقَرُ ما كان إِلى جنته ، وأحدُكُم أفْقَرُ ما يكُونُ إِلَىٰ عمله ، إِذا ٱنقطعَتِ الدنْيَا عنه . انتهى ، وهو حَسَنٌ جدًّا . وقال أبو عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ في « مختصره » لتفسير الطبريِّ : وعن قتادة : هذا مثلٌ ، فٱعقلوا عن اللَّه أمثالَهُ ؛ هذا رجلٌ كَبرت سنُّه ، ورَقَّ عظمه ، وكَثُر عياله ، ثم ٱحترقَتْ جنَّته ، أحْوجَ ما يَكُون إِليها ، يقول : أيحبُّ أحدكم أنْ يضلَّ عنه عمله يَوْمَ القيامةِ أحْوَجَ ما يكُونُ إِلَيْه . وعن الحَسَنِ نحوه . انتهى . وخصَّ الأعناب والنَّخيل بالذكْر ، لشرفهما ، وفَضْلهما علَىٰ سائر الشَّجَر ، والواو في قوله : { وَأَصَابَهُ } واو الحالِ ؛ وكذلك في قوله : { وَلَهُ } ، وضعفاءُ : جمعُ ضعيفٍ ، والأعصار : الريحُ الشديدةُ العاصفةُ التي فيها إِحراق لكلِّ ما مرَّت عليه يكونُ ذلك في شدَّة الحرِّ ، ويكون في شدَّة البَرْد ، وكلُّ ذلك من فيح جهنَّم . و { لَعَلَّكُمْ } : تَرَجٍّ في حقِّ البَشَر ، أي : إِذا تأمَّل من بُيِّنَ له هذا البيان رُجِيَ له التفكُّر ، وكان أهْلاً له ، وقال ابنُ عَبَّاس : تتفكَّرونَ في زوالِ الدنْيَا ، وفنَائِها ، وإِقبال الآخرةِ وبقائها .