Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 274-277)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … } الآية : قال ابْنُ عَبَّاس : نزلَتْ هذه الآية في عليِّ بن أبِي طَالِبٍ - رضي اللَّه عنه - كانَتْ لِه أربعةُ دراهِمَ ، فتصدَّق بدرهمٍ لَيْلاً ، وبدرهمٍ نَهَاراً ، وبدرهمٍ سرًّا ، وبدرهمٍ علانيةً ، وقال قتادةُ : نزلَتْ في المنْفِقِينَ في سبيل اللَّه مِنْ غَيْر تبذيرٍ ولا تقتيرٍ ، قال : * ع * : والآية ، وإنْ كانَتْ نزلَتْ في عليٍّ - رضي اللَّه عنه - فمعناها يتناولُ كُلَّ مَنْ فعل فِعْلَه ، وكلَّ مشَّاءٍ بصدَقَته في الظلم إِلى مَظِنَّةِ الحاجة . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ } { ٱلرِّبَا } : هو الزيادةُ ، مأخوذ من : رَبَا يَرْبُو ، إِذا نَمَا ، وزاد علَىٰ ما كان ، وغالبه : ما كانت العربُ تفعله من قولها للغريم : « أَتَقْضِي ، أَمْ تُرْبِي » ، فكان الغريم يزيدُ في عدد المالِ ، ويصبر الطالب عليه ، ومن الربا البيِّن التفاضُلُ في النوع الواحِدِ ؛ وكذلك أكثر البيوعِ الممنوعَة ، إِنما تجد منْعها لمعنَىٰ زيادةٍ ؛ إِما في عينِ مالٍ ، أو في منفعةٍ لأحدهما مِنْ تأخيرٍ ونحوه ، ومعنى الآية : الذين يكْسِبُون الربا ، ويفعلونه ، وإِنما قصد إِلى لفظة الأكْل ؛ لأنها أقوى مقاصدِ الناسِ في المَالِ ، قال ابن عبَّاس وغيره : معنَى قوله سبحانه : { لاَ يَقُومُونَ } ، أي : من قبورِهِمْ في البَعْثِ يوم القيامة إِلاَّ كما يقومُ الَّذي يتخبَّطه الشيطانُ من المَسِّ ، قالوا : كلُّهُم يُبْعَثُ كالمَجْنُونِ ؛ عقوبةً له وتمقيتاً عند جميع المَحْشَرِ ؛ ويقوِّي هذا التأويلَ المجْمَع علَيْه أنَّ في قراءة عبد اللَّه بن مسعود : « لاَ يَقُومُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ » . وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰاْ } معناه ؛ عند جميع المتأولين : في الكفار ، وأنه قول بتكذيب الشريعة ، والآية كلُّها في الكفار المُرْبِينَ ، نزلَتْ ، ولهم قيلَ : { فَلَهُ مَا سَلَفَ } ، ولا يقال ذلك لمؤمنٍ عاصٍ ، ولكن يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيدِ هذه الآيةِ ، ثم جزم اللَّه سبحانه الخَبَر في قوله : { وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْ } ، قيل : هذا من عموم القُرآن المخصَّص ، وقيل : من مُجْمَلِهِ المبيَّن ، قال جعفر بن محمَّدٍ الصَّادِقُ : وحرم اللَّه الربَا ؛ ليتقارض النَّاسُ . وقوله تعالى : { فَلَهُ مَا سَلَفَ } ، أي : من الربا ؛ لا تباعة علَيْه في الدنيا والآخرة ، وهذا حكْمٌ مِنَ اللَّه سبحانه لِمَنْ أسلم من الكفار ، وفي قوله تعالى : { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } أربعُ تأويلات : أحدها : أمْرُ الربا في إِمرار تحريمه وغير ذلك . والثاني : أمر ما سَلَف ، أي : في العفْوِ وإِسقاطِ التَّبَعَةِ فيها . والثالث : أنَّ الضمير عائدٌ علَىٰ ذي الربا ؛ بمعنى : أمره إِلى اللَّه في أنْ يثبته على الاِنتهاء أو يعيدَهُ إِلى المعصية . والرابع : أنْ يعود الضميرُ على المنتهَىٰ ، ولكنْ بمعنى التأنيسِ له ، وبَسْط أمله في الخَيْر . وقوله تعالى : { وَمَنْ عَادَ } ، يعني : إِلى فِعْلِ الربا ، والقولِ ؛ إِنما البيعُ الرِّبَا ، والخلودُ في حق الكافر : خلودُ تأبيدٍ حقيقيّ ، وإِن لحظنا الآيةَ في مُسْلمٍ عاصٍ ، فهو خلودٌ مستعارٌ على معنى المبالغة . وقوله تعالى : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَوٰاْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَـٰتِ } ، { يَمْحَقُ } : معناه : ينقص ، ويذهب ؛ ومنه : مِحَاقُ القَمَرِ ، وهو ٱنتقاصه ، { وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَـٰتِ } : معناه : ينميها ، ويزيد ثوابها تضاعفاً ، تقولُ : رَبَتِ الصدقةُ ، وأرْبَاهَا اللَّه تعالَىٰ ، وربَّاهَا ، وذلك هو التضعيفُ لمن يشاء ؛ ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ صَدَقَةَ أَحَدِكُمْ لَتَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فَصِيلَهُ ؛ حَتَّىٰ تَجِيءَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وإِنَّ اللُّقْمَةَ لَعَلَىٰ قَدْرِ أُحُدٍ " . قال : * ع * : وقد جعل اللَّه سبحانه هذَيْن الفعلَيْن بعَكْس ما يظنُّه الحريصُ الجَشِيعُ من بني آدم ؛ إِذ يظن الربا يغنيه ، وهو في الحقيقة مُمْحَقٌ ، ويظن الصدَقَةَ تُفْقِرُه ، وهي في الحقيقة نماءٌ في الدنيا والآخرة ، وعن يزيدَ بْنِ أبي حَبِيبٍ ؛ أن أبا الخَيْرِ حدَّثه ؛ أنَّه سمع عقبة ابن عَامِرٍ يقولُ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّ ٱمْرِىءٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ ؛ حَتَّىٰ يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ " أوْ قَالَ : " حَتَّىٰ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ " ، قال يزيد : وكان أبو الخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لاَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ فِيهِ ، وَلَوْ كَعْكَةٍ أَوْ بَصَلَةٍ ، قال الحاكم : صحيحٌ علَىٰ شرط مسلمٍ ، ولم يخرِّجاه ، يعني : البخاريَّ ومسلماً . انتهى من « الإلمام في أحاديث الأحكام » ؛ لابن دقيقِ العيدِ . قال الشيخُ ٱبْنُ أبي جَمْرَة : ولا يُلْهَمُ لِلصدقةِ إِلاَّ مَنْ سبقَتْ له سابقةُ خَيْر . انتهى . قال أبو عمر في « التمهيد » : وروي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " مَا أَحْسَنَ عَبْدٌ الصَّدَقَةَ إِلاَّ أَحْسَنَ اللَّهُ الخِلاَفَةَ عَلَىٰ بَنِيهِ ، وَكَانَ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، وحُفِظَ فِي يَوْمِ صَدَقَتِهِ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ وَآفَةٍ " انتهى . وروى أبو داود في « سننه » ، أنَّ سَعْدَ بْنَ عْبَادَةَ ، قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : المَاءُ ، فَحَفَرَ بئْراً ، وَقَالَ : هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ " . وروى أبو داود في « سننه » ، عن أبي سعيدٍ ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلَماً ثَوْباً عَلَىٰ عُرْيٍ ، كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ ، وأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً عَلَىٰ جُوعٍ ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَىٰ مُسْلِماً عَلَىٰ ظَمَإٍ ، سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ " انتهى . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } يقتضي الزجْرَ للكفَّارِ المستحلِّين للربا ، ووصْف « الكَفَّار » بـــ « أثيم » إِما مبالغةٌ من حيثُ ٱختلف اللفظانِ ، وإِما ليذهب الاشتراكُ الذي في « كَفَّار » ؛ إِذ قد يقع على الزَّارِعِ الذي يستر الحَبَّ في الأرض ، قاله ابنُ فُورَكَ . ولما انقضَىٰ ذكْر الكافرين ، عقَّب سبحانه بذكْرِ ضدِّهم ؛ ليبين ما بين الحالَتَيْنِ ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ … } الآية ، وقد تقدَّم تفسير مثل هذه الألفاظ .