Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-36)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالَىٰ : { وَقُلْنَا يَا ءادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } : { ٱسْكُنْ } : معناه : لاَزِمِ الإقامةَ ، ولفظه لفظ الأمر ، ومعناه الإِذن ، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام ، هل هي جنةُ الخُلْدِ ، أو جنةٌ أُخْرَىٰ . * ت * : والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة . { وَكُلاَ مِنْهَا } ، أي : من الجنةِ ، والرغَد : العيشَ الدارَّ الهنيَّ ، و « حَيْثُ » مبنيةٌ على الضمِّ . وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } : معناه لا تقرباها بأكْلٍ ، والهاءُ في « هَذِهِ » بدلٌ من الياء ، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرةٍ معيَّنة واحدة ، واختلف في هذه الشجرة ، ما هي ؟ فقال ابن عَبَّاس ، وابن مسعود : هي الكَرْم ، وقيل : هي شجرة التِّين ، وقيل : السنبلة وقيل غير ذلك . وقوله : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } : الظالمُ ؛ في اللغة : الذي يضع الشيء في غير موضعه ، والظلم ؛ في أحكام الشرع على مراتب : أعلاها الشِّرْكُ ، ثم ظُلْمُ المعاصِي ؛ وهي مراتبُ ، و { أَزَلَّهُمَا } : مأخوذ من الزَّلَلِ ، وهو في الآية مجازٌ ؛ لأنه في الرأْي والنَّظر ، وإنما حقيقة الزَّلَلِ في القَدَمِ ، وقرأ حمزة : « فأَزَالَهُمَا » مأخوذ من الزوالِ ، ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعينَ هو متولِّي إغواء آدم ـــ عليه السلام ـــ ، واختلف في الكيفيَّة . فقال ابن عباس ، وابن مسعود ، وجمهور العلماء : أغواهما مشافهةً ؛ بدليل قوله تعالَىٰ : { وَقَاسَمَهُمَا } [ الأعراف : 21 ] والمقاسمة ظاهرها المشافهةُ . وقالت طائفةٌ : إن إبليس لم يدخُلِ الجنةَ بعد أن أخرج منها ، وإنما أغوى آدم بشيطانِهِ ، وسُلْطَانه ، ووَسَاوِسِهِ التي أعطاه اللَّه تعالَىٰ ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ٱبْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ " . * ت * : وإلى هذا القوْلِ نَحَا المَازِرِيُّ في بعض أجوبته ، ومن ابتلي بشيء من وسوسة هذا اللعينِ ؛ فأعظم الأدوية له الثقَةُ باللَّه ، والتعوُّذ به ، والإعراض عن هذا اللعين ، وعدمُ الالتفاتِ إليه ، ما أمكن ؛ قال ابن عطاءِ اللَّه في « لَطَائِفِ المِنَنِ » : كان بي وسواسٌ في الوضوءِ ، فقال لي الشيخُ أبو العبَّاس المُرْسِيُّ : إن كنت لا تترك هذه الوسوسةَ لا تَعْدُ تَأْتِينَا ، فَشَقَّ ذلك علَيَّ ، وقطع اللَّه الوسواسَ عني ، وكان الشيخ أبو العباس يُلَقِّنُ للوسواسِ : سُبْحَانَ المَلِكِ الخَلاَّقِ ، { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 16 ، 17 ] انتهى . قال عِيَاضٌ : في « الشِّفا » ؛ وأما قصة آدم عليه السلام ، وقوله تعالَىٰ : { فَأَكَلاَ مِنْهَا } [ طه : 121 ] بعد قوله : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } ، وقوله تعالَىٰ : { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } [ الأعراف : 22 ] وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله : { وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] أي : جهل ، وقيل : أخطأ ، فإن اللَّه تعالى قد أخبر بعذره بقوله : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ ءَادَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] قال ابن عبَّاس : نسي عداوة إِبليس ، وما عهد اللَّه إِليه من ذلك ؛ بقوله : { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ … } [ طه : 117 ] الآيَة ، وقيل : نسي ذلك بما أظهر لهما ، وقال ابن عباس : إنما سمي الإنسان إنساناً ؛ لأنه عهد إِليه فنسي ، وقيل : لم يقصد المخالفة ؛ ٱستحلالاً لها ، ولكنهما ٱغترَّا بِحَلِفِ إِبليس لهما : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] وتوهَّما أن أحداً لا يحلف باللَّه حانِثاً ، وقد روي عذر آدم مثل هذا في بعض الآثار ، وقال ابن جُبَيْر : حلف باللَّه لهما حتى غَرَّهُمَا ، والمؤمن يخدع ، وقد قيل : نسي ، ولم ينو المخالفَةَ ؛ فلذلك قال تعالَىٰ : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] أَيْ : قَصْداً للمخالفةِ وأكثر المفسرين على أن العزمَ هنا الحزمُ والصبرُ ، وقال ابن فُورَكَ وغيره : إِنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوءة ، ودليل ذلك قوله تعالَىٰ : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ ٱجْتَبَـاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [ طه : 121 ، 122 ] فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان ، وقيل : بل أكلها ، وهو متأوِّل ، وهو لا يعلم أنَّها الشجرة التي نهي عنها ، لأنه تأول نهي اللَّه تعالَىٰ عن شجرة مخصوصةٍ ، لا على الجنْسِ ، ولهذا قيل : إنما كانت التوبةُ من ترك التحفُّظ ، لا من المخالفة ، وقيل : تأول أن اللَّه تعالى لم ينهه عنها نَهْيَ تحريمٍ . انتهى بلفظه فجزاه اللَّه خيرًا ، ولقد جعل اللَّه في شِفَاهُ شِفَاءً . والضمير في { عَنْهَا } يعود على الجنة ، وهنا محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهر تقديره : فَأَكَلاَ مِنَ الشَّجَرَةِ . وقوله تعالَىٰ : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } : قيل : معناه : مِنْ نعمة الجنَّةِ إلى شقاء الدنيا ، وقيل : من رفعة المنزلةِ إلى سُفْل مكانة الذنب . * ت * : وفي هذا القول ما فيه ، بل الصوابُ ما أشار إليه صاحب « التَّنْوِيرِ » ؛ بأن إخراج آدَم لم يكن إهانة له ، بل لما سبق في علمه سبحانه من إكرام آدم وجعله في الأرض خليفةً ، هو وأخيارَ ذرّيته ، قائمين فيها بما يجبُ للَّه من عبادتِهِ ، والهبوطُ النزولُ من عُلْو إلى سُفْل ، واختلف من المخاطَبُ بالهبوط . فقال السُّدِّيُّ وغيره : آدم ، وحَوَّاء ، وإِبليس ، والحَيَّة التي أدخلت إبليس في فَمِها ، وقال الحسن : آدمُ ، وحواءُ والوَسْوَسَة . و { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } جملةٌ في موضع الحال ، { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } ، أيْ : موضع ٱستقرار ، وقيل : المراد الاستقرار في القبور ، والمتاع : ما يستمتع به ؛ من أكل ، ولُبْس ، وحَدِيثٍ ، وأنس ، وغيرِ ذلك . واختلف في « الحِينِ » هنا . فقالت فرقةٌ : إلى المَوْتِ ، وهذا قولُ من يقول : المستقرُّ هو المُقام في الدنيا ، وقالت فرقة : { إِلَىٰ حِينٍ } : إلى يومِ القيامةِ ، وهذا هو قول من يقول : المستَقَرُّ هو في القبور ، والحِينُ المدَّة الطويلة من الدهر ، أقصرها في الأيمان والالتزامات سَنَةٌ ؛ قال اللَّه تعالى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ إبراهيم : 25 ] وقيل : أقصرها ستَّةُ أشهر ؛ لأن من النخل ما يطعم في كلِّ ستة أشهر . وفي قوله تعالَىٰ : { إِلَىٰ حِينٍ } فائدةٌ لآدم عليه السلام ؛ ليعلم أنه غير باق فيها ، ومنتقلٌ إِلى الجنة التي وعد بالرجوع إِليها ، وهي لغير آدم دالَّة على المعاد ، وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سَرَنْدِيبَ ، وأن حواء نزلَتْ بِجُدَّةَ ، وأن الحية نزلَتْ بِأصْبَهَانَ ، وقيل : بِمَيْسَانَ ، وأن إبليسَ نزل عند الأُبُلَّةِ .