Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 33-34)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { قَالَ يَـا ءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ } : أَنْبِئْهُمْ : معناه : أخبرهم ، والضمير في « أَنْبِئْهُمْ » عائدٌ على الملائكة بإجماعٍ ، والضميرُ في « أَسْمَائِهِمْ » مختلَفٌ فيه حَسَبَ الاختلاف في الأسماء التي علَّمها آدم ، قال بعض العلماء : إنَّ في قوله تعالَىٰ : { فَلَمَّا أَنبَأَهُم } نبوءةً لآدم عليه السلام ؛ إِذ أمره اللَّه سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم اللَّه عز وجَلَّ . وقوله تعالَىٰ : { أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } : معناه : ما غاب عنكم ؛ لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء ، الكلُّ معلوم له . واختلف في قوله تعالى : { مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } . فقال طائفة : ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع ، « وإِذْ » من قوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ } معطوفةٌ على « إذِ » المتقدِّمة ، وقولُ اللَّه تعالَىٰ وخطابه للملائكةِ متقرِّر قديم في الأَزَلِ ؛ بشرط وجودهم وفهمهم ، وهذا هو الباب كله في أوامر اللَّه تعالَىٰ ونواهيه ومخاطباته . * ت * : ما ذكره ـــ رحمه اللَّه ـــ هو عقيدةُ أهل السنة ، وها أنا أنقل من كلام الأئمة ، إن شاء اللَّه ، ما يتبيَّن به كلامه ، ويزيده وضوحاً ، قال ابن رُشْدٍ : قوله صلى الله عليه وسلم : " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " لا يفهم منه أن للَّه عز وجلَّ كلماتٍ غَيْرَ تامَّات ؛ لأن كلماته هي قوله ، وكلامه هو صفةٌ من صفات ذاتِهِ يستحيلُ عليها النقص ، وفي الحديث بيانٌ واضحٌ على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ ، وهذا هو قول أهل السنة ، والحقّ أن كلام اللَّه عزَّ وجلَّ صفة من صفات ذاته قديمٌ غيرُ مخلوقٍ ؛ لأن الكلام هو المعنى القائِمُ في النفسِ ، والنطقُ به عبارةٌ عنه ؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ : { وَيَقُولُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ } [ المجادلة : 8 ] فأخبر أن القول معنًى يقوم في النفْسِ ، وتقول : في نَفْسِي كَلاَمٌ ، أريد أن أعلمك به ، فحقيقة كلام الرجل هو المفهومُ من كلامه ، وأما الذي تسمعه منه ، فهو عبارةٌ عنه ؛ وكذلك كلام اللَّه عز وجلَّ القديمُ الذي هو صفة من صفاتِ ذاته هو المفهومُ من قراءة القارىء لا نَفْسُ قراءته التي تسمعها ؛ لأنَّ نفس قراءته التي تسمعها مُحْدَثَةٌ ، لم تكن ؛ حتى قرأ بها ، فكانت ، وهذا كله بيِّن إلا لمن أعمى اللَّه بصيرته . انتهى بلفظه من « البَيَانِ » . وقال الغَزَّالِيُّ بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابْنِ رشد : وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده ؛ حتى إذا خلق ولده ، وعقل ، وخلق اللَّه سبحانه له علْماً بما في قلْب أبيه من الطَّلَب ، صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه ، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده ، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عزَّ وجلَّ : { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } [ طه : 12 ] بذات اللَّه تعالَىٰ ، ومصير موسى عليه السلامُ سَامِعاً لذلك الكلامِ مخاطَباً به بعد وجوده ؛ إذ خلقت له معرفة بذلك الطلبِ ، ومعرفةُ بذلك الكلامِ القديمِ . انتهى بلفظه من « الإحياء » . وقوله : { لِلْمَلَـٰئِكَةِ } عمومٌ فيهم ، والسجودُ في كلام العرب : الخضوعُ والتذلُّل ، وغايته وضع الوجْه بالأرض ، والجمهور على أنَّ سجود الملائكة لآدم إيماءٌ وخضوعٌ ، ولا تدفع الآية أنْ يكونوا بلغوا غاية السجود ، وقوله تعالَىٰ : { فَقَعُواْ لَهُ سَـاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] لا دليل فيه ؛ لأن الجاثي على ركبتيه واقعٌ ، واختُلِفَ في حال السجودِ لآدم . فقال ابن عَبَّاسٍ : تعبَّدهم اللَّه بالسجود لآدم ، والعبادةُ في ذلك للَّهِ ، وقال عليُّ بن أبي طالب ، وابنُ مسعودٍ ، وابنُ عبَّاس أيضاً : كان سجودَ تحيَّة ؛ كسجود أبوَيْ يوسُفَ عليه السلام له ، لا سجودَ عبادة ، وقال الشَّعبيُّ : إنما كان آدم كالقِبْلة ، ومعنى { لأَدَمَ } : إِلَىٰ آدَمَ . * ع * : وفي هذه الوجوهِ كلِّها كرامةٌ لآدم عليه السلام . وقوله تعالَىٰ : { إِلاَّ إِبْلِيسَ } نصبٌ على الاستثناءِ المتَّصِلِ ؛ لأنه من الملائكة على قول الجمهور ، وهو ظاهر الآية ، وكان خازناً ومَلَكاً على سماء الدنْيا والأرض ، واسمه عَزَازِيلُ ؛ قاله ابن عباس . وقال ابن زيد والحسن : هو أبو الجِنِّ كما آدمُ أبو البشر ، ولم يكُ قطُّ ملَكاً ، وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضاً ، قال : واسمه الحارثُ . وقال شَهْرُ بن حَوْشَبٍ : كان من الْجِنِّ الذين كانوا في الأرض ، وقاتلتهم الملائكةُ فسَبَوْهُ صغيراً ، وتعبَّد مع الملائكة ، وخُوطِبَ معها ، وحكاه الطبريُّ عن ابن مسعود . والاستثناءُ على هذه الأقوال منقطعٌ ؛ واحتجَّ بعض أصحاب هذا القول ؛ بأن اللَّه تعالى قال في صفة الملائكة : { لاَ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] ورجَّح الطبريُّ قَوْلَ من قال : إن إِبليسَ كان من الملائكَةِ ، وقال : ليس في خلقه مِنْ نارٍ ، ولا في تركيبِ الشَّهْوَةِ والنسلِ فيه حينَ غُضِبَ عليه ما يدْفَعُ أنه كان من الملائكة ، وقوله تعالَىٰ : { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] يتخرَّج على أنه عمل عملهم ، فكان منهم في هذا ، أو على أن الملائكة قد تسمى جِنًّا ؛ لاستتارها ؛ قال اللَّه تعالَىٰ : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] وقال الأعشَىٰ في ذكر سليمانَ عليه السلام : [ الطويل ] @ وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ المَلاَئِكِ تِسْعَةً قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلاَ أَجْرِ @@ أو على أن يكون نسبه إلى الجَنَّةِ ؛ كما ينسب إلى البَصْرَةِ بِصْرِيَّ . قال عِيَاضٌ : ومما يذكرونه قصَّةُ إبليس ، وأنه كان من الملائكة ، ورئيساً فيهم ، ومن خُزَّان الجَنَّة إلى ما حكَوْه ، وهذا لم يتفقْ عليه ، بل الأكثر ينفون ذلك ، وأنه أبو الجن . انتهى من « الشِّفا » . وإِبْلِيسُ : لا ينصرفُ ؛ لأنه اسم أعجميٌّ ؛ قال الزَّجَّاج : ووزنه فِعْلِيلُ ، وقال ابن عبَّاس وغيره : هو مشتقٌّ من أُبْلِسَ ، إِذا أبعد عن الخير ، ووزنه علَىٰ هذا إفْعِيلُ ، ولم تصرفه هذه الفرقةُ ؛ لشذوذه وقلَّته ، ومنه قوله تعالَىٰ : { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] أيْ : يائسون من الخَيْر ، مبعدُونَ منه فيما يَرَوْنَ ، و { أَبَىٰ } : معناه : امتنَعَ من فعْلِ ما أمر به ، { وَٱسْتَكْبَرَ } : دخل في الكبرياءِ ، والإبَاءَةُ مقدَّمة على الاِستكبارِ في ظهورهما عليه ، والاستكبارُ والأَنَفَة مقدَّمة في معتقده ، وروى ابْنُ القاسم عن مَالكٍ ؛ أنه قال : بَلَغَنِي أنَّ أوَّلَ معْصيَةٍ كانت الحسدُ ، والكِبْرُ ، والشُّحُّ ، حسد إِبليسُ آدم ، وتكبَّر ، وشحَّ آدم في أكله من شجرة قد نُهِيَ عن قربها . * ت * : إِطلاق الشحِّ على آدم فيه ما لا يخفَىٰ عليك ، والواجب ٱعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحُطُّ من رتبتهم ، وقد قال اللَّه تعالَىٰ في حق آدَمَ : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] . وقوله تعالى : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } : قالت فِرقَةٌ : معناه : وصار من الكافرين ، وردَّه ابن فُورَكَ ، وقال جمهور المتأوِّلين : معنى : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، أيْ : في علْمِ اللَّهِ تعالَىٰ ، وقال أبو العالية : معناه : من العاصين ، وذهب الطبريُّ إِلى أن اللَّه تعالَىٰ أراد بقصة إبْلِيسَ تقريعَ أشباهه من بني آدم ، وهم اليهودُ الذين كفروا بمحمَّد صلى الله عليه وسلم ، مع علمهم بنبوءته ، ومع تقدُّم نعم اللَّه عليهم ، وعلى أسلافهم . * ت * : ولفظ الطبريِّ : وفي هذا تقريعٌ لليهود ؛ إذ أبوا الإسلام مع علمهم بنبوءة رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم من التوارة والكُتُبِ ؛ حَسَداً له ، ولبني إِسماعيل ؛ كما امتنع إِبليسُ من السجود ؛ حَسَداً لآدَم وتكبُّراً عن الحق وقبولِهِ ، فاليهود نظراء إِبْليسَ في كُفْرهم وكِبْرهم وحَسَدهم وتَرْكِهِمْ الانقيادَ لأمر اللَّه تعالى . انتهى من « مختصر الطبريِّ » لأبي عبد اللَّه اللَّخْمِيِّ النحْويِّ . واختلف ، هل كفر إبليس جهلاً أو عناداً ؟ على قولَيْن بين أهل السنة ، ولا خلاف أنه كان عالماً باللَّه قبل كفره ، ولا خلاف أن اللَّه تعالى أخرج إبليس عند كفره ، وأبعده عن الجنة ، وبعد إخراجه قال لآدم : { ٱسْكُنْ } .