Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 55-57)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ } : يريد السبعينَ الذين اختارهم موسَىٰ ، واختلف في وقت اختيارهمْ . فحكى أكثر المفسِّرين ؛ أن ذلك بعد عبادة العجل ، فاختارهم ؛ ليستغفِروا لبني إسرائيل ، وحكى النقَّاش وغيره ؛ أنه اختارهم حين خَرَجَ من البحْرِ ، وطلب بالميعاد ، والأول أصح . وقصة السبعين أنَّ موسى عليه السلام ، لما رجع من تكليم اللَّه تعالَىٰ ، ووجد العجْلَ قد عُبِدَ ، قالتْ له طائفة ممَّن لم يعبد العجلَ : نحن لم نكْفُرْ ، ونحن أصحابك ، ولكنْ أسمعْنَا كلام ربِّك ، فأوحى اللَّه إِليه ؛ أن اختَرْ منهم سَبْعِينَ ، فلم يجد إلا ستِّين ، فأوحى إليه أن ٱخْتَرْ من الشباب عَشَرةً ، ففعل ، فأصبحوا شيوخاً ، وكان قد اختار ستَّةً من كلِّ سبط ، فزادوا اثنين على السبعين ، فتشاحُّوا فيمن يتأخَّر ، فأُوحِيَ إِليه أنَّ من تأخَّر له أجْرُ مَنْ مضَىٰ ، فتأخَّر يوشَعُ بْنُ نُونٍ ، وكَالُوثُ بْنُ يُوفَنَّا ، وذهب موسَىٰ عليه السلام بالسبْعين ، بعد أن أمرهم أن يتجنَّبوا النساء ثلاثاً ، ويغتسلوا في اليوم الثالث ، واستخلف هارون علَىٰ قومه ، ومضَىٰ حتى أتى الجَبَلَ ، فألقي عليهم الغمام ، قال النَّقَّاش : غشيتهم سحابة ، وحِيلَ بينهم وبين موسَىٰ بالنور ، فوقعوا سجوداً ، قال السُّدِّيُّ وغيره : وَسَمِعوا كلامَ اللَّهِ يأمر وينهى ، فلم يطيقوا سماعه ، واختلطتْ أذهانهم ، ورَغِبُوا أن يكون موسَىٰ يسمع ويعبِّر لهم ، ففعل ، فلما فرغوا ، وخرجوا ، بدَّلت منهم طائفةٌ ما سمعت من كلام اللَّهِ ، فذلك قوله تعالَىٰ : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } [ البقرة : 75 ] واضطرب إيمانهم ، وامتحنهم اللَّه تعالَىٰ بذلك ، فقالوا : { لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } ، ولم يطلبوا من الرؤية محالاً ؛ أما إِنه عند أهل السُّنَّة ممتنعٌ في الدنيا من طريق السمع ، فأخذتهم حينئذ الصاعقةُ ، فٱحترقوا وماتوا موْتَ همودٍ يعتبر به الغَيْرُ ، وقال قتادة : ماتوا ، وذهبت أرواحهم ، ثم رُدُّوا ؛ لاستيفاء آجالهم ، فحين حصلوا في ذلك الهمود ، جعل موسَىٰ يناشد ربَّه فيهم ، ويقول : أيْ ربِّ ، كيف أرجع إِلى بني إِسرائيل دونهم ، فيَهْلِكُون ، ولا يؤمنون بي أبداً ، وقد خرجوا ، وهم الأخيار . قال : * ع * : يعني : هم بحال الخير وقْتَ الخروج ، وقال قومٌ : بل ظن موسَىٰ أنَّ السبعين ، إِنما عوقبوا بِسَبَبِ عبادة العجْلِ ، فذلك قوله : { أَتُهْلِكُنَا } [ الأعراف : 155 ] يعني السبعين : { بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاءُ مِنَّا } يعني : عَبَدَةَ العجلِ ، وقال ابن فورك : يحتمل أن تكون معاقبة السبعين ؛ لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه ؛ بقولهم لموسَىٰ : { أَرِنَا } [ النساء : 153 ] وليس ذلك من مقدورِ موسَىٰ عليه السلام . قال : * ع * : ومن قال : إن السبعين سَمِعُوا ما سمع موسَىٰ ، فقد أخطأ ، وأذهب فضيلةَ موسَىٰ ، واختصاصه بالتكْلِيم . و { جَهْرَةً } : مصدر في موضع الحالِ ، والجهرُ العلانيةُ ، ومنه الجَهْرُ ضد السر ، وجَهَرَ الرَّجُلُ الأَمْرَ : كشفه ، وفي « مختصر الطبريِّ » عن ابن عبَّاس : { جَهْرَةً } : قال علانيةً ، وعن الربيع : { جَهْرَةً } : عياناً . انتهى . وقوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } : أجاب اللَّه تعالى فيهم رغبةَ مُوسَىٰ عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمودِ ، أو الموت ؛ ليستوفوا آجالهم ، وتاب عليهم ، والبعث هنا الإِثارة ، و { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، أي : على هذه النعمة ، والترجِّي إِنَّمَا هو في حق البَشَر . وذكر المفسِّرون في تظليل الغمامِ ؛ أنَّ بني إِسرائيل ، لما كان من أمرهم ما كان من القتل ، وبقي منهم من بقي ، حصلوا في فحص التِّيه بَيْن مصْر والشَّام ، فأُمِرُوا بقتال الجَبَّارين ، فَعَصَوْا ، وقالوا : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } [ المائدة : 24 ] فدعا موسَىٰ عليهم ، فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحْص أربعين سَنَةً يتيهون في مقدارِ خَمْسَة فراسِخَ أو ستَّةٍ ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كلَّه ، وينزلون للمبيت ، فيصبحون حيثُ كانوا بكرةَ أَمْسِ ، فندم موسَىٰ على دعائه علَيْهم ، فقيل له : { لاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 26 ] . وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التِّيه ، ونشأ بنوهم علَىٰ خير طاعة ، فهم الذين خرجوا من فحْصِ التيه ، وقاتلوا الجَبَّارين ، وإذ كان جميعُهم في التيه ، قالوا لموسَىٰ : من لنا بالطعامِ ؟ قال : اللَّه ، فأنزل اللَّه عليهم المَنَّ والسلْوَىٰ ، قالوا : مَنْ لنا من حَرِّ الشمس ؟ فظلَّل عليهم الغمامَ ، قالوا : بِمَ نستصْبِحُ بالليل ، فضَرَبَ لهم عمودَ نُورٍ في وَسَطَ مَحَلَّتهم ، وذكر مكِّيٌّ عمود نار ، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسَىٰ بضرب الحَجَرِ ، قالوا : من لنا باللباس ، فَأُعْطُوا ألاَّ يَبْلَىٰ لهم ثوبٌ ، ولا يَخْلَقَ ، ولا يَدْرَنَ ، وأن تنمو صِغَارُهَا حَسَب نُمُوِّ الصبيانِ ، والمَنُّ صَمْغَةٌ حُلْوَةٌ ؛ هذا قول فرقةٍ ، وقيل : هو عسل ، وقيل : شراب حُلْوٌ ، وقيل : الذي ينزل اليوْمَ على الشجَر ، وروي أنَّ المَنَّ كان ينزل عليهم من طُلُوع الفَجْر إلى طُلُوع الشمس ؛ كالثلج ، فيأخذ منه الرجُلُ ما يكفيه ليومه ، فإِنِ ادَّخَرَ ، فسد عليه إِلا في يوم الجمعة ؛ فإِنهم كانوا يدَّخرون ليوم السبْتِ ، فلا يفسد عليهم ؛ لأن يوم السبت يومُ عبادةٍ . والسلْوَىٰ طيرٌ ؛ بإِجماع المفسِّرين ، فقيل : هو السُّمَّانا . وقيل : طائر مثل السُّمَّانَا . وقيل : طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجَنُوب . * ص * : قال ابن عطيَّة : وغلط الهُذَلِيُّ في إِطلاقه السَّلْوَىٰ على العَسَلِ ؛ حيث قال : [ الطويل ] @ وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ عَهْداً لأنْتُمُ أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَىٰ إِذَا مَا نَشُورُهَا @@ * ت * : قد نقل صاحبُ المختصر ؛ أنه يطلق على العَسَلِ لغةً ؛ فلا وجه لتغليظه ؛ لأنَّ إِجماع المفسِّرين لا يمنع من إِطلاقِهِ لغةً بمعنى آخر في غير الآية . انتهى . وقوله تعالى : { كُلُواْ … } الآية : معناه : وقلنا : كلوا ، فحذف ٱختصاراً لدلالة الظاهر عليه ، والطَّيِّبَاتُ ، هنا جَمَعَتِ الحلال واللذيذ . * ص * : وقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا } : قدَّر ابن عطية قبل هذه الجملةِ محذوفًا ، أي : فَعَصوْا ، وما ظَلَمُونا ، وقدَّر غيره : فظَلَمُوا ، ومَا ظَلَمُونَا ، ولا حاجَة إِلى ذلك ؛ لأن ما تقدَّم عنهم من القبائِح يُغْنِي عنه . انتهى . * ت * : وقول أبي حَيَّان : « لا حاجة إلى هذا التقدير … » إِلى آخره : يُرَدُّ بأن المحذوفاتِ في الكلام الفصيحِ هذا شأنها ؛ لا بد من دليل في اللفظ يدلُّ عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوحِ والخفاءِ ، فأما حذف ما لا دليل عليه ، فإِنه لا يجوزُ .