Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 50-54)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } الآية : { فَرَقْنَا } : معناه : جعلْنَاه فِرَقاً ، ومعنى { بِكُمُ } أي : بسببكم ، والبحر هو بحر القُلْزُمِ ولم يفرق البحر عَرْضاً من ضفَّة إلى ضفَّة ، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة ، وكان ذلك الفرق يُقَرِّبُ موضع النجاة ، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرةٍ بسبب جبالٍ وأوغار حائلة ، وقيل : انفرق البحْرُ عَرْضاً على ٱثْنَيْ عَشَرَ طَريِقاً ؛ طريق لكلِّ سبط ، فلما دخلوها ، قالَتْ كل طائفة : غَرِقَ أصحابنا ، وجَزِعُوا ، فقال موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ : اللهمَّ ، أَعِنِّي علَىٰ أخلاقهِمُ السَّيئة ، فأوْحَى اللَّه إِلَيْه أَنْ أدِرْ عصَاك على البَحْر ، فأدارها ، فصار في الماء فتوحٌ كالطَّاق ، يرَىٰ بعضهم بعضًا ، وجازوا وجبريلُ في ساقتهم عَلَىٰ مَاذِيَانةٍ يحث بني إسرائيل ، ويقول لآلِ فرْعَوْنَ : مَهْلاً حتَّىٰ يلحق آخركم أوَّلَكُم ، فلما وصل فرعونُ إلى البحر ، أراد الدخول ، فنفر فرسُهُ ، فتعرَّض له جبريلُ بالرَّمَكَة ، فأتبعها الفرَسُ ، ودخَل آلُ فرعَوْن ، وميكائلُ يحثهم ، فلما لم يبق إلا ميكائلُ في ساقتهم على الضّفَّة وحده ، انطبَقَ البحْرُ عليهم ، فغرقوا . وَ { تَنظُرُونَ } : قيل : معناه بأبصاركم لقُرْبِ بعضهم من بعضٍ ، وقيل : ببصائركم لِلٱعتبار ؛ لأنهم كانوا في شُغُلٍ . قال الطبريُّ : وفي أخبار القرآن على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذه المغيَّبات التي لم تكُنْ من علم العَرَب ، ولا وقعتْ إلا في خفيِّ علْمِ بني إسرائيل دليلٌ واضحٌ عند بني إسرائيل ، وقائمْ عليهم بنبوءة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم . وموسَى : اسم أَعْجميٌّ ، قال ابن إِسحاقَ : هو مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهرَ بْنِ قَاهَثَ بْنِ لاَوى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الخَليِلِ صلى الله عليه وسلم . وخص الليالي بالذكْرِ في قوله تعالَىٰ : { وَإِذْ وٰعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } إِذ الليلة أقدم من اليوم ، وقبله في الرتبة ، ولذلك وقع بها التاريخُ ، قال النقَّاش : وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم ؛ لأنه لو ذكر الأيام ، لأَمْكَن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل ، فلما نصَّ على الليالي ، ٱقتضَتْ قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلةً بأيامها . قال : * ع * : حدَّثني أبي ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : سمعتُ الشيخَ الزاهد الإِمام الواعظَ أبا الفضل بْنَ الجوهَرِيِّ ـــ رحمه اللَّه ـــ يعظُ النَّاسَ بهذا المعنى في الخلوة باللَّه سبحانه ، والدنوِّ منه في الصلاة ، ونحوه ، وأنَّ ذلك يشغل عن كل طعامٍ وشرابٍ ، ويقول : أين حال موسَىٰ في القرب من اللَّه ، ووصالِ ثمانين من الدهْرِ من قوله ، حين سار إلى الخَضِرِ لفتاه في بعض يوم : { آتِنَا غَدَاءَنَا } [ الكهف : 62 ] . * ت * : وأيضاً في الأثر أنَّ موسَىٰ لم يصبه ، أو لم يشك ما شكاه من النَّصَب ؛ حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخَضِرِ عليهما السلام . قال : * ع * : وكل المفسِّرين على أن الأربعين كلَّها ميعاد . وقوله تعالى : { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } أي : إلهاً ، والضمير في { بَعْدِهِ } يعود على موسَىٰ ، وقيل : على انطلاقه للتكليمِ ؛ إذ المواعدة تقتضيه ، وقصص هذه الآية أن موسَىٰ عليه السلام ، لما خرج ببني إسرائيل من مصْرَ ، قال لهم : إن اللَّه تعالى سينجِّيكم من آل فرعَوْنَ ، وينفلكم حُلِيَّهُمْ ، ويروى أن استعارتهم للحُلِيِّ كانت بغَيْرِ إذن موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ وهو الأشبه به ، ويؤيِّده ما في سورة طه في قولهم لموسى : { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا } [ طه : 87 ] فظاهرُهُ أنهم أخبروه بما لم يتقدَّم له به شعورٌ ، ثم قال لهم موسَىٰ : إنه سينزل اللَّه عليَّ كتابًا فيه التحليلُ والتحريمُ والهُدَىٰ لكم ، فلما جازوا البحر ، طلبوا موسَىٰ بما قال لهم من أمر الكتاب ، فخرج لميعاد ربه وحده ، وقد أعلمهم بالأربعين ليلةً ، فعدوا عشرين يوماً بعشرين ليلة ، وقالوا : هذه أربعون من الدهر ، وقد أَخْلَفَنَا المَوْعِدَ ، وبدا تعنُّتهم وخلافُهم ، وكان السامريُّ رجلاً من بني إسرائيل يسمى موسى بْنَ ظفر ، ويقال : إِنه ابْنُ خالِ مُوسَىٰ ، وقيل : لم يكن من بني إسرائيل ، بل كان غريباً فيهم ، والأول أصحُّ ، وكان قد عرف جبريلَ عليه السلام وقت عبورهم ، قالت طائفة : أنكَرَ هَيْئَتَهُ ، فعرف أنه ملَكٌ ، وقالت طائفة : كانت أم السامريِّ ولدته عام الذبْحِ ، فجعلته في غَارٍ وأطبقت عليه ، فكان جبريل عليه السلام يَغْذُوهُ بأصبع نفسه ، فيجد في أصبع لَبَناً وفي أصبع عَسَلاً ، وفي أصبع سَمْناً ، فلما رآه وقت جواز البحْرِ ، عرفه ، فأخذ من تحت حافرِ فرسه قبضةَ ترابٍ ، وألقَىٰ في روعِهِ ؛ أنه لن يلقيها على شيء ، ويقول له : كن كذا إلا كان ، فَلَمَّا خرج موسَىٰ لميعاده ، قال هارون لبنِي إسرائيل : إِن ذلك الحُلِيَّ والمتاعَ الذي استعرتم من القِبْط لا يحلُّ لكم ، فَجِيئوا به ؛ حتى تأكله النار التي كانت العادةُ أن تنزل على القرابين . وقيل : بل أوقد لهم ناراً ، وأمرهم بطرح جميعِ ذلك فيها ، فجعلوا يطرحون . وقيل : بل أمرهم أن يضعوه في حُفْرة دُون نار حتَّىٰ يجيء موسَىٰ ، وروي ، وهو الأصحُّ الأكثر ؛ أنه ألقى الناسُ الحُلِيَّ في حفرة ، أو نحوِها ، وجاء السامريُّ ، فطرح القبضة ، وقال : كن عجلاً . وقيل : إن السامريَّ كان في أصله من قوم يعبدون البقر ، وكان يعجبه ذلك . وقيل : بل كانت بنو إسرائيل قد مرَّت مع موسَىٰ على قوم يعبدون البَقَرَ . * ت * : والذي في القرآن : { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ } [ الأعراف : 138 ] قيل : كانت على صور البقر ، { فَقَالُواْ يا مُوسَى ٱجْعَلْ لَنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَة } [ الأعراف : 138 ] فوعاها السامريُّ ، وعلم أن من تلك الجهة يفتنون ، ففتنت بنو إسرائيل بالعجل ، وظلَّت منهم طائفةٌ يعبدونه ، فٱعتزلهم هارونُ بمن تبعه ، فجاء موسَىٰ من ميعاده ، فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه ، إن شاء اللَّه تعالى ، ثم أوحى اللَّه إِليه ؛ أنه لن يتوب علَىٰ بني إِسرائيل ؛ حتى يقتلوا أنفسهم ، ففعلَتْ بنو إِسرائيل ذلك ، فروي أنهم لبسوا السلاح مَنْ عَبَدَ منهم ، ومن لم يَعْبُد ، وألقى اللَّه عليهم الظلام ، فقتل بعضهم بعضاً ، يقتل الأب ابنه ، والأخ أخاه ، فلما استحر فيهم القتْلُ ، وبلغ سبعين ألفاً ، عفا اللَّه عنهم ، وجعل من مات شهيداً ، وتاب على البقية ؛ فذلك قوله سبحانه : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم } وقال بعض المفسِّرين : وقف الذين عبدوا العجْلَ صفًّا ، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح ، فقتلوهم ، وقالت طائفة : جلس الذين عبدوا بالأفْنِيَةِ ، وخرج يُوشَعُ بنُ نُونٍ ينادي : ملعونٌ مَن حَلَّ حُبْوَتَهُ ، وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم ، وموسى صلى الله عليه وسلم في خلالِ ذلك يدعو لقومه ، ويَرْغَبُ في العفو عنهم ، وإِنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال ؛ لأنهم لم يغيِّروا المُنْكَرَ حين عُبِدَ العِجْلُ . { وَأَنتُمْ ظَـٰلِمُونَ } ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحالِ ، والعفو تغطيةُ الأثر ، وإِذهابُ الحالِ الأول من الذنب أو غيره . * ت * : ومنه الحديثُ : " فَجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تعفي أَثَرَهَا " . قال : * ع * : ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذَّنْبِ ، والكتابُ هنا هو التوراةُ بإجماع ، واختلف في الفُرْقَانِ هنا ، فقال الزجَّاج وغيره : هو التوراة أيضاً ؛ كرر المعنى ؛ لاختلاف اللفظ ، وقال آخرون : الكتاب التوراةُ ، والفرقانُ سائر الآيات التي أوتي موسَىٰ عليه السلام ؛ لأنها فَرَقَتْ بين الحق والباطل ، واختلف هل بقي العجْلُ مِنْ ذَهَب ؟ فقال ذلك الجمهور ، وقال الحسن بن أبي الحسن : صار لحماً ودماً ، والأول أصحُّ . * ت * : وقوله تعالَىٰ : { فَتُوبُواْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } عن أبي العالية : إلى خالقكم ؛ مِنْ بَرَأَ اللَّهُ الخَلْقَ ، أي : خلقهم ، فالبريئة : فَعِيلَةٌ بمعنى مفعولة . انتهى من « مختصر أبي عبد اللَّه اللَّخْميِّ النحوي للطبريِّ » .