Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-85)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ … } الآية : أخذ اللَّه سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسَىٰ - عليه السلام - وغيره من أنبيائهم ، وأخْذ الميثاق قولٌ ، فالمعنى : قلنا لهم : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ … } الآية ، قال سيبوَيْهِ : « لا تعبدون : متلق لقسم » ؛ والمعنى : وإذ ٱستحْلفناهم ، واللَّهِ لا تعبدونَ إلاَّ اللَّه ، وفي الإحسان تدخل أنواع بِرِّ الوالدين كلُّها ، واليُتْم في بَنِي آدمَ : فَقْدُ الأبِ ، وفي البهائمِ فَقْدُ الأمِّ ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ " ، وقيل : هو الذي له بُلْغَةٌ ، والآية تتضمَّن الرأفة باليتامَىٰ ، وحيطة أموالهم ، والحضّ على الصدقة ، والمواساة ، وتفقُّد المساكين . وقوله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } : أمر عطف على ما تضمَّنه { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } وما بعده ، وقرأ حمزة والكسَائِيُّ : « حَسَناً » ؛ بفتح الحاء والسين ، قال الأخفش : وهما بمعنى واحدٍ ، وقال الزجَّاج وغيره : بل المعنَىٰ في القراءة الثانية ، وقولوا « قَوْلاً حَسَناً » ؛ بفتح الحاء والسين ، أو قولاً ذا حُسْن بضم الحاء وسكون السين في الأولى ؛ قال ابن عبَّاس : معنى الكلام قولُوا للنَّاس : لا إله إلا اللَّه ، ومُرُوهم بها ، وقال ابن جُرَيْجٍ : قولوا لهم حُسْناً في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ : معناه : مروهم بالمَعْروف ، وٱنْهُوهم عن المُنْكَر ، وقال أبو العالية : قولوا لهم الطيبَ من القول ، وحاورُوهم بأحسن ما تُحِبُّونَ أن تحاوروا به ، وهذا حضٌّ على مكارم الأخلاق ، وزكاتُهم هي التي كانوا يَضعُونها ، وتنزل النار على ما تُقُبّلَ منها ، دون ما لم يتقبل . وقوله تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ … } الآية : خطابٌ لمعاصري النبيِّ صلى الله عليه وسلم أسند إليهم تولّي أسلافهم ؛ إِذ هم كلُّهم بتلك السبيل ، قال نحوه ابنُ عَبَّاس وغيره . والمراد بالقليلِ المستثنَىٰ جميعُ مؤمنيهم قديماً من أسلافهم ، وحديثاً كابن سَلاَمٍ وغيره ، والقِلَّة علَىٰ هذا هي في عدد الأشخاصِ ، ويحتمل أن تكون القِلَّة في الإِيمان ، والأول أقْوَىٰ . * ص * : { إِلاَّ قَلِيلاً } : منصوب على الاستثناء ، وهو الأفصح ؛ لأنه استثناءٌ من موجب ، وروي عن أبي عَمرو : « إلاَّ قَلِيلٌ » ؛ بالرفع ، ووجَّهه ابن عطية علَىٰ بدل قليل من ضمير : « تَوَلَّيتُمْ » على أن معنى « تَوَلَّيْتُم » النفي ، أي : لم يف بالميثاق إلا قليل ، ورد بمنع النحويِّين البدل من الموجب ؛ لأن البدل يحل محلَّ المبدل منه ، فلو قلْت : قام إلا زيد ، لم يجز ؛ لأن « إِلاَّ » لا تدخل في الموجب ، وتأويله الإِيجاب بالنفْي يلزم في كل موجب بٱعتبار نفي ضده أو نقيضه ؛ فيجوز إِذَنْ : « قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدٌ » ؛ على تأويل : « لَمْ يَجْلِسُوا إِلاَّ زَيْدٌ » ولم تبن العَرَب علَىٰ ذلك كلامها ، وإِنما أجازوا : « قام القَوْمُ إِلاَّ زَيْدٌ » ؛ بالرفع على الصفة ، وقد عقد سيبوَيْه لذلك باباً في كتابه . انتهى . و { دِمَاءَكُمْ } : جمع دَمٍ ، وهو اسمٌ منقوصٌ . أصله « دَمَيٌ » ؛ { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ } : معناه : ولا ينفي بعضكم بعضاً بالفتنة والبغْي ، وكذلك حكم كلّ جماعة تخاطب بهذا اللفظ في القول . وقوله تعالى : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } ، أي : خَلفَاً بعد سَلَف ، أن هذا الميثاق أخذ عليكم ، وقوله : { وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } قيل : الخطابُ يُرادُ به من سلف منهم ، والمعنى : وأنتم شهود ، أي : حُضور أخْذ الميثاق والإِقرار . وقيل : المراد : من كان في مدة محمَّد صلى الله عليه وسلم والمعنَىٰ : وأنتم شهداء ، أي : بيِّنةَ أن الميثاق أخذ على أسلافكم ، فمنْ بعدهم منْكُمْ . وقوله تعالى : { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ … } : { هَـٰؤُلاءِ } دالَّةٌ على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردًّا إلى الأسلاف ، قيل : تقدير الكلام : يا هؤلاءِ ، فحذف حرف النداء ، ولا يحسن حذفه عند سيبوَيْه ، مع المبهمات . وقال الأستاذ الأَجَلُّ أبو الحسن بْن أحمد شيخُنا : { هَـٰؤُلاء } : رفع بالابتداء ، و { أَنتُمْ } : خبر ، { تَقْتُلُونَ } ، حال بها تَمَّ المعنَىٰ ، وهي المقصود . * ص * : قال الشيخ أبو حَيَّان : ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البَادْش من جعله { هَـٰؤُلاءِ } مبتدأً ، و { أَنتُمْ } خبر مقدَّم ، لا أدري ما العلَّة في ذلك ، وفي عدوله عن جعل { أَنتُمْ } مبتدأ ، { هَـٰؤُلاءِ } الخبر ، إلى عكسه . انتهى . * ت * : قيل : العلة في ذلك دخولُ هاء التنبيه عليه ؛ لاختصاصها بأول الكلام ؛ ويدلُّ على ذلك قولهم : « هَأَنَذَا قَائِماً » ، ولم يقولوا : « أَنَا هَذَا قَائِماً » ، قال معناه ابنُ هِشَامٍ ، فـــ « قَائِماً » في المثال المتقدِّم نصب على الحال . انتهى . وهذه الآية خطابٌ لقُرَيْظة ، والنضير ، وبني قَيْنُقَاع ، وذلك أن النَّضِيرَ وقُرَيْظة حَالَفَت الأوسَ ، وبني قَيْنُقَاع حالفتِ الخزرج ، فكانوا إِذا وقعتِ الحربُ بين بني قَيْلَة ، ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها ، فقتل بعضهم بعضاً ، وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ، وكانوا مع ذلك يفدي بعضهم أسرَىٰ بعض ٱتِّباعاً لحكم التوراة ، وهم قد خالَفُوها بالقتَالِ ، والإِخراج . والديارُ : مباني الإِقامة ، وقال الخليلُ : « مَحَلَّةِ القَوْمِ : دَارُهُمْ » . ومعنى { تَظَـٰهَرُونَ } : تتعاونون ، و { العُدْوَانِ } : تجاوز الحدُودِ ، والظلم . وقرأ حمزة : « أَسْرَىٰ تُفْدُوهُمْ » ، و { أُسَـٰرَىٰ } : جمع أَسِيرٍ ، مأخوذ من الأَسْر ، وهو الشَّدُّ ، ثم كثر ٱستعماله ؛ حتى لزم ، وإن لم يكنْ ثَمَّ رَبْطٌ ولا شَدٌّ ، وأَسِيرٌ : فَعِيلِ : بمعنَىٰ مفعول ، و { تُفَـٰدُوهُمْ } : معناه في اللغة : تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئاً ، وقَالَ الثَّعْلَبِيُّ : يقال : فَدَىٰ ، إِذا أعطى مالاً ، وأخذ رجلاً ، وفَادَىٰ ، إِذا أعطى رجلاً ، وأخذ رجُلاً فتُفْدُوهم : معناه بالمالِ ، وتُفَادُوهم ، أي : مفادات الأسير بالأسير . انتهى . * ت * : وفي الحديث من قوْل العَبَّاس رضي اللَّه عنه : « فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وعَقِيلاً » ، وظاهره لا فَرْق بينهما . وقوله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ … } الآية : والذي آمنوا به فداءُ الأسارَىٰ ، والذي كَفَرُوا به قتْلُ بعضهم بعضاً ، وإِخراجُهُمْ من ديارهم ، وهذا توبيخٌ لهم وبيانٌ لقبح فعلهم ، والخِزْيُ : الفضيحة ، والعقوبة ، فقيل : خزيهم : ضرْبُ الجزية عليهم غابَر الدهر ، وقيل : قتل قريظة ، وإِجلاءُ النضير ، وقيل : الخزْيُ الذي تتوعَّد به الأمة من الناسِ هو غلبةُ العدوِّ . و { ٱلدُّنْيَا } : مأخوذةٌ من دَنَا يدْنُو ، وأصل الياء فيها واوٌ ، ولكن أبدلتْ فرقاً بين الأسماء والصفات ، وأَشَدّ العَذَابِ : الخلودُ في جهنم . وقوله تعالى : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } قرأ نافعٌ ، وابن كَثِير بياءٍ على ذِكْر الغائب ، فالخطاب بالآية لأمة محمَّد صلى الله عليه وسلم والآية واعظةٌ لهم بالمعنَىٰ ، إذ اللَّه تعالَىٰ بالمرصاد لكل كافر وعاص . وقرأ الباقون بتاء ؛ على الخطاب لمن تقدَّم ذكره في الآية قبل هذا ؛ وهو قوله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ … } الآية ، وهو الأظهر ، ويحتمل أن يكون لأمة محمَّد صلى الله عليه وسلم فقد رُوِيَ ؛ أنَّ عمر بن الخَطَّاب - رضي اللَّه عنه - قال : « إِنَّ بنِي إِسرائيل قد مضَوْا ، وأنتم الذين تُعْنَوْنَ بهذا ، يا أمة محمَّد » ؛ يريد هذا ، وما يجري مجراه .