Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 98-104)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ … } الآيةَ : وعيدٌ وذمٌّ لمعادِي جبريلَ ، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوةَ اللَّهِ لهم ، وعطف جبريل وميكائل على الملائكة ، وقد كان ذكْر الملائكة عمَّهما ؛ تشريفاً لهما ؛ وقيل : خُصَّا لأن اليهود ذكروهما ، ونزلَتِ الآية بسببهما ؛ فذكرا لئلا تقول اليهود : إِنا لم نُعَادِ اللَّه ، وجميعَ ملائكتِهِ ، وعداوةُ العبدِ للَّه هي مَعْصِيَتُهُ ، وترْكُ طاعته ، ومعاداةُ أوليائه ، وعداوةُ اللَّه للعبْدِ تعذيبُهُ وإظهار أثر العداوة عليه . وقوله تعالى : { أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا … } الآيةَ : قال سيبوَيْه : « الواو للعطف ، دخلت عليها ألف الاستفهام » ، والنبذ : الطَّرْح ، ومنه المنبوذ ، والعَهْد الذي نبَذُوه : هو ما أُخِذَ عليهم في التوراة من أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } هو محمَّد صلى الله عليه وسلم و { مُصَدِّقٌ } : نعْتٌ لرسولٍ ، وكتابُ اللَّه : القُرْآن ، وقيل : التوراة ؛ لأن مخالفتها نبذٌ لَهَا ، و { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } ؛ مَثَلٌ ؛ لأن ما يجعل ظهريًّا ، فقد زال النظَر إِلَيْه جملةً ، والعرب تقول : جَعَلَ هذا الأمْرَ وراءَ ظهره ، ودَبْرَ أُذُنِهِ . وَ { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : تشبيهٌ بمن لا يَعْلَم فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على عِلْمٍ . وقوله تعالى : { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ … } الآية : يعني اليهود ، و { تَتْلُواْ } : قال عطاءٌ : معناه : تقرأ ، وقال ابن عبَّاس : { تَتْلُواْ } : تتبع ، و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } ، أي : على عهد مُلْكِ سليمانَ ، وقال الطبريُّ : { ٱتَّبَعُواْ } : بمعنى : فَضَّلُوا ، و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } ، أي : على شرعه ونبوءته ، والَّذي تلته الشياطينُ ، قيل : إِنهم كانوا يلقون إِلى الكهنة الكَلِمَةَ من الحَقِّ معها المائةُ من الباطل ؛ حتى صار ذلك علمهم ، فجمعه سُلَيْمَانُ ، ودفَنَه تحْت كرسيِّه ، فلما مات ، أخرجته الشياطينُ ، وقالت : إن ذلك كان علْمَ سُلَيْمَان . وروي أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لما ذَكَر سليمانَ - عليه السلام - في الأنبياء ، قال بعضُ اليهود : ٱنْظُروا إِلَىٰ محمَّد يذكر سليمانَ في الأنبياء ، وما كان إِلا ساحراً . وقوله تعالى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } تبرئةٌ من اللَّه تعالَىٰ لسليمان - عليه السلام . والسِّحْرُ والعمل به كفْرٌ ، ويقتلُ السَّاحر عند مالك ؛ كُفْراً ، ولا يستتابُ ؛ كالزنديقِ ، وقال الشافعيُّ : يسأل عن سِحْره ، فإِن كان كُفراً ، استتيب منه ، فإِن تاب ، وإِلا قتل ، وقال مالكٌ فيمَنْ يعقدُ الرجَالَ عن النساءِ : يعاقَبُ ، ولا يُقْتَلُ ، والناس المعلَّمون : أتباعُ الشياطين من بني إِسرائيل ، { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } : « مَا » عطْفٌ على السِّحْر ، فهي مفعولةٌ ، وهذا على القول بأن اللَّه تعالى أنزل السِّحْرَ على الملكَيْن ؛ ليكفر به من اتبعه ، ويؤمن به من تركه ، أو على قول مجاهد وغيره ؛ أنَّ اللَّه تعالى أنزل على الملكَيْن الشيْءَ الذي يفرق به بين المرء وزوجه ، دون السِّحْر ، أو على القول ؛ أن اللَّه تعالى أنزل السحر عليهما ؛ ليُعْلَم علَىٰ جهة التحذير منه ، والنهْيِ عنه . قال : * ع * : والتعليمُ ؛ على هذا القول ، إِنما هو تعريف يسير بمبادئه ، وقيل : « إِنَّمَا » عطف علَىٰ « ما » في قوله : { مَا تَتْلُواْ } ، وقيل : « ما » نافية ، ردٌّ على قوله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } ، وذلك أنَّ اليهود قالُوا : إن اللَّه تعالَىٰ أنزل جبريلَ وميكَائلَ بالسِّحْر ، فنفى اللَّه ذلك . * ت * : قال عِيَاضٌ : والقِرَاءَةُ بكسر اللام من الملكَيْن شاذَّة ، وبَابِل : قُطْر من الأرض ، وهَارُوتُ ومَارُوتُ : بدل من الملكَيْن ، وما يذكر في قصتهما مع الزُّهرةِ كُلُّه ضعيفٌ ؛ وكذا قال : * ع * . * ت * : قال عياض : وأما ما ذكره أهل الأخبار ، ونقله المفسِّرون في قصَّة هَارُوت ومَارُوت . وما رُوِيَ عن عليٍّ ، وابنِ عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - في خَبَرِهما ، وابتلائهما ، فٱعلم - أكرمك اللَّه - أن هذه الأخبار لم يُرْو منها سقيمٌ ولا صحيحٌ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وليس هو شَيْئاً يؤخذ بقياسٍ ، والذي منه في القرآن ، ٱختلف المفسِّرون في معناه ، وأنكَرَ ما قال بعضهم فيه كثيرٌ من السلف ، وهذه الأخبار من كتب اليهود ، وٱفترائهم ؛ كما نصَّه اللَّه أول الآيات . انتهى . ٱنْظُرْهُ . وقوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ … } الآية : ذكر ابْنُ الأعرابيِّ في « اليَاقُوتَةِ » ؛ أنَّ { يُعَلِّمَانِ } بمعنى « يُعْلِمَانِ ، ويشعران » ؛ كما قال كعب بن زهير : [ الطويل ] @ تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أنَّكَ مُدْرِكِي وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأَخْذِ بِالْيَدِ @@ وحَمَلَ هذه الآية على أن الملكين إِنما نزلا يُعْلِمَانِ بالسَّحْر ، وينهَيَان عنه ، وقال الجمهورُ : بل التعليمُ على عرفه . * ص * : وقوله تعالى : { مِنْ أَحَدٍ } : « مِنْ » هنا زائدةٌ مع المفعول لتأكيد ٱستغراقِ الجنْس ؛ لأن أحداً من ألفاظ العموم . انتهى . وَ { يَفْرِّقُونَ } : معناه فرقةَ العِصْمَة ، وقيل : معناه يُؤْخِّذُونَ الرجُلَ عن المرأة ؛ حتى لا يَقْدِرَ على وطْئها ، فهي أيضاً فرقةٌ ، و { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } : معناه : بعلمه ، وتمكينه ، و { يَضُرُّهُمْ } : معناه : في الآخرة ، والضميرُ في علموا عائدٌ على بني إِسرائيل ، وقال : { ٱشْتَرَاهُ } ؛ لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أنْ يعُلَّمُوا ، والخَلاَقُ : النصيب والحظُّ وهو هنا بمعنى الجاه والقَدْرِ ، واللامُ في قوله : « لَمَن » للقسمِ المؤذنة بأنَّ الكلام قَسَمٌ لا شرط . * م * : { وَلَبِئْسَ مَا } : أبو البقاء : جواب قسمٍ محذوفٍ ، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ ، أي : السحرأو الكفر ، والضمير في « بِهِ » عائدٌ على السحر ، أو الكفر . انتهى . وَ { شَرَوْاْ } : معناه : باعوا ، والضمير في « يَعْلَمُونَ » عائدٌ على بني إسرائيل ٱتفاقاً ، { وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ } : يعني : الذين اشْتَرُوا السِّحْرَ ، وجوابُ : « لَوْ » : { لَمَثُوبَةٌ } ، والمثوبةُ ؛ عند الجمهور : بمعنى الثواب . وقوله سبحانه : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يحتمل نفْيَ العلْمِ عنهم ، ويحتمل : لو كانوا يعلمون عِلْماً ينفع . وقرأ جمهورُ النَّاس : { رٰعِنَا } ؛ من المراعاة ؛ بمعنى : فَاعِلْنَا ، أي : ٱرْعَنَا نَرْعَكَ ، وفي هذا جَفَاءٌ أنْ يُخَاطِب به أحدٌ نبيِّهُ ، وقد حضَّ اللَّه تعالى على خَفْض الصوت عنده ، وتعزيرِهِ وتوقيرِهِ ، وقالتْ طائفةٌ : هي لغةٌ للعرب ، فكانت اليهودُ تصرفها إلى الرُّعُونَة ؛ يظهرون أنهم يريدون المراعاة ، ويُبْطِنُون أنهم يريدونَ الرُّعُونَة التي هي الجَهْلُ ، فنهى اللَّه المؤمنين عن هذا القول ؛ سَدًّا للذريعةِ ؛ لئلاَّ يتطرق منه اليهود إِلى المحظور ، و { ٱنظُرْنَا } : معناه : ٱنتظِرْنا ، وأمهل علَيْنا ، ويحتمل أن يكون المعنى : تفقَّدنا من النَّظَر ، والظاهرُ عنْدي استدعاءُ نظر العَيْن المقترِنِ بتدبُّر الحال ، ولما نهى اللَّه تعالى في هذه الآية ، وأمر ، حض بَعْدُ على السمع الذي في ضمنه الطاعةِ ، وأَعلَمَ أنَّ لمن خالف أمره ، فكفر عذاباً أليماً ، وهو المؤلم ، { وَٱسْمَعُواْ } : معطوفٌ على { قُولُواْ } ، لا على معمولها .