Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-29)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية نزلت عام الحُدَيْبِيَّةِ حِينَ صُدَّ النبي صلى الله عليه وسلم وجاء { يَصُدُّونَ } مستقبلاً ؛ ِاذ هو فعل يُدِيمونه ، وخبر { إِنَّ } محذوف مُقَدَّرٌ عند قوله : و { ٱلْبَادِ } : تقديره : خسروا أو هلكوا . و { ٱلْعَـٰكِفُ } : المقيم في البلد ، و « البادي » : القادم عليه من غيره . وقوله : { بِإِلْحَادِ } قال أبو عبيدة : الباء فيه زائدة . * ت * قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وجَعْلُ الباء زائدةً لا يُحْتَاجُ إليه في سبيل العربية ؛ لأَنَّ حَمْلَ المعنى على القول أولى من حمله على الحروف ، فيقال : المعنى ومن يَهُمَّ فيه بميل ، لأَنَّ الإلحادَ هو الميل في اللغة إلاَّ أَنَّهُ قد صار في عُرْفِ الشرع ميلاً مذموماً ، فرفع اللّه الإشكال ، وبَيَّنَ سبحانه أَنَّ الميلَ بالظلم هو المراد هنا ، انتهى . قال * ع * : والإلحاد الميلُ وهو يشمل جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر ، فلعظم حرمة المكان توعد اللّه تعالى على نية السيئة فيه ، ومَنْ نوى سيئة ولم يعملها ـــ لم يُحَاسَبْ بذلك إلاَّ في مَكَّةَ هذا قولُ ابنِ مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم . قال * ص * : وقوله : { أَن لاَّ تُشْرِكْ } : أَنْ : مفسِّرةٌ لقولٍ مُقَدَّرٍ ، أي : قائلين له ، أو موحين له : لا تشرك ، وفي التقدير الأول نَظَرٌ فانظره ، انتهى . وقوله تعالى : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ … } الآية : تطهيرُ البيت عامٌّ في الكُفْرِ ، والبِدَعِ ، وجميعِ الأَنْجَاسِ ، والدماءِ ، وغير ذلك ، { وَٱلْقَائِمِينَ } : هم المصلون ، وخَصَّ سبحانه بالذكر من أركان الصلاة أعظَمَها ، وهو القيامُ والركوعُ والسجودُ ، ورُوِيَ : « أَنَّ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لَمَّا أُمِرَ بالأذان بالحج ـــ قال : يا رب ، وإذا أَذَّنْتُ ، فَمَنْ يَسْمَعُنِي ؟ فقيل له : نادِ يا إبراهيمُ ، فعليك النداءُ وعلينا البلاغ ؛ فصعد على أبي قُبَيْس ، وقيل : على حجر المَقَام ، ونادى : أَيُّها الناس ، إنَّ الله تعالى قد أَمرهم بحجِّ هذا البيتِ ؛ فَحِجُّوا ، فَرُوِيَ أَنَّ يومَ نادى أسمع كُلَّ مَنْ يحج إلى يوم القيامة في أصلابِ الرجال ، وأجابه كُل شَيءٍ في ذلك الوقْتِ : من جمادٍ ، وغيرهِ : لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبيك ؛ فجرت التلبيةُ على ذلك » قاله ابن عباس ، وابن جبير ، ، و { رِجَالاً } : جمع رَاجِل ، وَالـ { ضَامِر } : قالت فرقة : أراد بها الناقةَ ؛ وذلك أَنه يقال : ناقة ضامرٌ ، وقالت فرقة : لفظ « ضامر » يشمل كلَّ مَنِ اتصف بذلك من جمل ، أو ناقة ، وغيرِ ذلك . قال * ع * : وهذا هو الأظهر ، وفي تقديم { رِجَالاً } تفضيلٌ للمُشَاةِ في الحج ؛ وإليه نحا ابن عباس . قال ابن العربي في « أحكامه » : قوله تعالى : { يَأْتِينَ } رَدَّ الضمير إلى الإبل ؛ تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها ؛ كما قال تعالى : { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً } [ العاديات : 1 ] . في خيل الجهاد ؛ تكرمةً لها حين سَعَتْ في سبيل اللّه ، انتهى . والفَجُّ : الطريق الواسعة ، والعميق : معناه : البعيد ؛ قال الشاعر [ الطويل ] : @ إِذَا الْخَيْلُ جَاءَتْ مِنْ فِجَاجٍ عَمِيقَة يَمُدُّ بِهَا فِي السَّيْرِ أَشْعَثُ شَاحِبُ @@ والـ { مَنَـٰفِعَ } في هذه الآية التجارةُ في قول أكثر المتأولين ، ابنِ عباس وغيرِه ، وقال أبو جعفر محمد بن علي : أرادذ الأَجْرَ ومنافع الآخرة ، وقال مجاهد بعموم الوجهين . * ت * وأظهرها عندي قول أبي جعفر ؛ يظهر ذلك من مقصد الآية ، واللّه أعلم . وقال ابن العربيِّ : الصحيح : القولُ بالعموم ، انتهى . وقوله سبحانه : { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } ذهب قوم إلى : أَنَّ المراد ذكر اسم اللّه على النَّحْرِ والذبح ، وقالوا : إنَّ في ذكر الأيام دليلاً على أنَّ الذبح في الليل لا يجوزُ ، وهو مذهب مالكٍ وأصحابِ الرأي . وقالت فرقة فيها مالك وأصحابُه : الأيام المعلوماتُ : يومُ النحر ويومانِ بعده . وقوله : { فَكُلُواْ } ندبٌ ، واستحب أهل العلم أن يأكلَ الإنسانُ مِنْ هَدْيِهِ وأَضْحِيَّتِهِ ، وأنْ يتصدَّقَ بالأكثر ، والبائس : الذي قد مَسَّهُ ضُرُّ الفاقة وبؤسها ، والمراد أهل الحاجة ، والتفث : ما يصنعه المُحْرِمُ عند حِلِّهِ من تقصيرِ شعر وحلقه ، وإزالة شعث ونحوه ، { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } : وهو ما معهم من هدي وغيره ، { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } : يعني : طوافَ الإفاضة الذي هو من واجبات الحج . قال الطبري : ولا خلاف بين المتأوِّلِينَ في ذلك . قال مالك : هو واجب ، ويرجع تاركه من وطنه إلاَّ أَنْ يطوف طوافَ الوداع ؛ فإنَّهُ يجزيه عنه ، ويحتمل أَنْ تكونَ الإشارة بالآية إلى طواف الوداع ، وقد أَسْنَدَ الطبريُّ عن عمرو بن أبي سلمة قال : سألت زهيراً عن قوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } فقال : هو طواف الوداع ؛ وقاله مالك في الموطإِ ، واخْتُلِفَ في وجهِ وصف البيتِ بالعتيق ، فقال مجاهد وغيره : عتيق ، أي : قديم . وقال ابن الزبير : لأَنَّ اللّه تعالى أعتقه من الجبابرة . وقيل : أعتقه من غرق الطَّوفانِ ، وقيل غير هذا .