Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 99-104)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَـٰلِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } { حَتَّى } في هذا الموضع حَرْفُ ابتداءٍ ، والضمير في قوله : { أَحَدَهُمُ } للكفار ، وقوله : { ٱرْجِعُونِ } أي : إلى الحياة الدنيا ، والنون في : { ٱرْجِعُونِ } : نونُ العَظَمَةِ ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : " إذَا عَايَنَ المُؤْمِنُ المَوْتَ ، قَالَتْ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : نُرْجِعُك ؟ فيقول : إلى دَارِ الهُمُومِ وَالأَحْزَانِ ؟ بل قُدُماً إلى اللّهِ ، وأَمَّا الكَافِرُ ، فَيَقُولُ : { ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً } " وقوله : { كلا } : رَدٌّ وزجر . وقوله : { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } تحتمل ثلاثة معانٍ : أحدها : الإخبارْ المُؤكّدُ بأنَّ هذا الشيء يقع ، ويقولُ هذه الكلمة . الثاني : أنْ يكون المعنى : إنها كلمة لا تغني أكثر من أَنَّه يقولها ، ولا نفعَ له فيها ولا غَوْثَ ـــ الثالث : أنْ يكون إشارةً إلى أَنَّهُ لو لو رُدَّ لعاد ، والضمير في : { وَرَآئِهِم } للكفار ، والبرزخ في كلام العرب : الحاجز بين المسافتين ، ثَم يُسْتَعَارُ لما عدا ذلك ، وهو هنا : للمُدَّةِ التي بين موت الإنسان وبين بعثه ؛ هذا ، إجماعٌ من المفسرين . وقوله عز وجل : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ … } قال ابن مسعود وغيرُه : هذا عند النفخة الثانية وقيامِ الناس من القُبُورِ ؛ فهم حينئذٍ لهول المَطْلَعِ واشتغال كل امرىء بنفسه قد انقطعت بينهم الوسائلُ ، وزال انتفاعُ الأنساب ؛ فلذلك نفاها سبحانه ، والمعنى : فلا أنسابَ نافعةٌ ، ورُوِيَ عن قتادَة أَنَّهُ : ليس أَحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم مِمَّن يَعْرِفُ ، لأَنَّهُ يخاف أَنْ يكونَ له عنده مَظْلِمَةٌ ، وفي ذلك اليوم يَفِرُّ المرء من أخيه ؛ وأُمِّهِ وأبيه ؛ وصاحبتِهِ وبَنِيْهِ ، ويفرحُ كلُّ أحد يومئذٍ أنْ يكون له حَقُّ على ابنه وأبيه ، وقد وَرَدَ بهذا حديثٌ ، وكأنّ ارتفاع التساؤل لهذه الوجوه ، ثم تأتي في القيامة مواطنُ يكون فيها السؤال والتعارف . قال * ع * : وهذا التأويل حَسَنٌ ، وهو مرويُّ المعنى عن ابن عباس ، وذكر البزَّارُ من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالْمِيزَانِ ، فَيُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ ، فَيُوقَفُ بَيْنَ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ ، فَإنْ ثَقُلَ مِيزانُهُ ، نَادَى المَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمَعُ الخَلاَئِقَ : سَعِدَ فُلاَنٌ سَعَادَةً لاَ يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَداً ، وَإنْ خَفَّ مِيزَانُهُ ، نَادَى المَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الخَلاَئِقَ : شَقِيَ فُلاَنٌ شَقَاوَةً لاَ يَسْعَدُ بَعْدَهَا أبداً " ، انتهى من « العاقبة » . وروى أبو داودَ في « سننه » عن عائشة رضي اللّه عنها أَنَّها ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ : ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ ، فَهَلْ تَذكُرُونَ أَهْلِيَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أَمَّا في ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ ، فَلاَ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَداً ، عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَم : أَيِخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ ، وَعِنْدَ الكِتَابِ حَتَّى يَقُولَ : { هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه } [ الحاقة : 19 ] ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يُعْطَى كِتَابَهُ : أفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شَمَالِهِ ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ ، إذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ " ، انتهى . ولفح النار : إصابتها بالوهج والإحراق ، والكلوح انكشافُ الشفتين عن الأسنان ، وقد شبه ابنُ مسعود ما في الآية بما يعتري رؤوس الكِبَاشِ إذا شيطت بالنار ؛ فإنَّها تكلح ، ومنه كلوح الكلب والأسد . قلت : وفي « الترمذيِّ » عن أبي سعيد الخدريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ } قال : تَشْوِيهِ النَّارُ ، فَتَقْلُصُ شَفَتُهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ … " الحديث قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب ، انتهى . وهذا هو المُعَوَّلُ عليه في فهم الآية ، وأَمَّا قول البخاريِّ : { كَـٱلِحُونَ } معناه : عابسون ـــ فغيرُ ظاهر ، ولَعَلَّهُ لم يقف على الحديث .