Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 29-31)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ … } الآية : أباح سبحانه في هذه الآية رفعَ الاستئْذان في كُلِّ بيت لا يسكنه أحد ؛ لأَنَّ العِلَّةَ في الاستئذان خوفُ الكشفة على المُحَرِّمَاتِ ، فإذا زالت العِلَّةُ زال الحكم ، وباقي الآية بَيِّنٌ ظاهر التوعد ، وعن مالك رحمه اللّه : أَنه بلغه أَنَّهُ كان يُسْتَحَبُّ إذا دخل البيتَ غيرَ المسكون أَنْ يقول ، الذي يدخله : السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللّهِ الصَّالِحِينَ ، انتهى ، أخرجه في « المُوَطَّإِ » . وقوله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } أظهر ما في { مِنْ } أَنْ تكون للتبعيض ، لأَنَّ أول نظرة لا يملكها الإنسانُ ؛ وإنَّما يَغُضُّ فيما بعد ذلك ، فقد وقع التبعيض بخلاف الفروج ؛ إذ حفظُها عامٌّ لها ، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ، ووجب التحذيرُ منه ، وحفظُ الفرج هو عن الزنا وعن كشفه حيث لا يحل . قلت : النواظر صوارمُ مشهورة فاغمدها في غِمْدِ الغَضِّ والحياء مِنْ نظر المولى وإلاَّ جرحك بها عَدُوُّ الهوى ، لا ترسلْ بريد النظر فيجلبَ لقلبك رَدِيءَ الفكر ، غُضُّ البصرِ يُورِثُ القلب نوراً ، وإطلاقُه يَقْدَحُ في القلب ناراً ، انتهى من « الكلم الفارقية في الحكم الحقيقية » . قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } يريد : أطهر وأنمى ، يعني : إذا غَضَّ بصره كان أطهرَ له من الذنوب وأَنمى لعمله في الطاعة . قال ابن العربي : ومِنْ غَضَّ ، البصر : كَفُّ التطلع إلى المُبَاحَاتِ من زينة الدنيا وجمالِها ؛ كما قال اللّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوٰجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ طه : 131 ] . يريد ما عند اللّه تعالى ، انتهى . وقوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ … } الآية : أمر اللّه تعالى النساء في هذه الآية بِغَضِّ البصر عن كل ما يُكْرَهُ ـــ من جهة الشرع ـــ النظرُ إليه ، وفي حديث أُمِّ سلمةَ قالت : كُنْتُ أنا وعائشةُ عند النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " احْتَجِبْنَ ، فَقُلْنَ : إنَّهُ أَعْمَىٰ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا " و { من } الكلام فيها كالتي قبلها . قال ابن العربي في « أحكامه » : وكما لا يَحِلُّ للرجل أن ينظر إلى المرأة ، لا يحل للمرأة أَنْ تنظر إلى الرجلِ ، فإنَّ عَلاَقَتَهُ بها كعلاقتها به ، وقصدَه منها كقصدها منه ، ثم استدل بحديث أُمِّ سلمة المتقدم ، انتهى . وحفظ الفرج يَعُمُّ الفواحش ، وسترَ العورة ، وما دون ذلك مِمَّا فيه حفظ ، ثم أَمر تعالى بأَلاَّ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ ما يظهر من الزينة ؛ قال ابن مسعود : ظاهر الزينة : هو الثياب . وقال ابن جبير وغيره : الوجه والكَفَّانِ والثيابُ . وقيل : غير هذا . قال : زينتها * ع * : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أَنَّ المرأة مأمورة بأَلاَّ تبديَ ، وأَنْ تجتهدَ في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء في كُلِّ ما غلبها ، فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بُدَّ منه أو إصلاح شأن ، فما ظهر على هذا الوجه فهو المَعفُوُّ عنه ، وذكر أبو عمر : الخلاف في تفسير الآية كما تقدم ؛ قال ورُوِيَ عن أبي هريرة في قوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قال : القُلْبُ والفتخة . قال جرير بن حازم : القُلْبُ : السِّوَارُ ، والفتخة : الخاتم ، انتهى من « التمهيد » . وقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } . قال ابن العربي : الجيب هو الطَّوْقُ ، والخمار : هو المِقْنَعَة , انتهى . قال * ع * : سبب الآية أَنَّ النساء كُنَّ في ذلك الزمان إذا غَطَّيْنَ رؤوسهنَّ بالأخمرة سَدَلْنَهَا من وراء الظهر ؛ فيبقى النَّحْرُ والعُنُقُ والأُذُنَانِ لا سِتْرَ على ذلك ، فأمر اللّه تعالى بِلَيِّ الخمار على الجيوب ، وهَيْئَةُ ذلك يستر جميعَ ما ذكرناه ، وقالت عائشة - رضي اللّه عنها - رَحِمَ اللّهُ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ ؛ لمَّا نزلت هذه الآية عَمَدْنَ إلى أكثف المروط فشققنها أخمرةً ، وضربن بها على الجيوب . وقوله سبحانه : { أَو نِسائِهن } يعني جميع المؤمنات ، ويخرج منه نساء المشركين ، وكتب عمر إلى أبي عبيدةَ بن الجراح أَنْ يمنع نساءَ أهل الذِّمَّةِ أَنْ يدخلنَ الحَمَّامَ مع نساء المسلمين فامتثل . وقوله سبحانه : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ } يدخل فيه الإماءُ الكتابِيَّاتُ والعبيد . وقال ابن عباس وجماعة : لا يدخل العبد على سَيِّدته فيرى شعرها إلاَّ أن يكون وغْداً . وقوله تعالى : { أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ } يريد الأتباع لِيُطْعَمُوا ، وهم فُسُولُ الرجال الذين لا إرْبَةَ لهم في الوَطْءِ ، ويدخل في هذه الصنيفة : المَجْبُوبُ ، والشيخ الفاني ، وبعضُ المَعْتُوهِينَ ، والذي لا إرْبَةَ له من الرجال قليلٌ ، والإربة : الحاجة إلى الوطء ، والطفل اسم جنس ، ويقال : طفل ما لم يُراهِقِ الحُلُمِ ، و { يَظْهَرُواْ } معناه : يَطَّلِعُوا بالوطء . وقوله تعالى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ … } الآية ، قيل : سببها أَنَّ امرأة مَرَّتْ على قوم فضربت برجلها الأرض فَصَوَّتَ الخَلْخَالُ ، وسماعُ صوت هذه الزينة أَشَدُّ تحريكاً للشهوة من إبدائها ؛ ذكره الزَّجَّاجُ ، ثم أمر سبحانه بالتوبة مُطْلَقَةً عَامَّةٍ من كل شيء صغير وكبير .