Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-37)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية : النور في كلام العرب الأضواء المُدْرَكَةُ بالبصر ، ويُسْتَعْمَلُ مجازاً فيما صَحَّ من المعاني ولاح ؛ فيقال : كلام له نور ، ومنه الكتاب المنير واللّه تعالى ليس كمثله شيء فواضح أَنَّهُ ليس من الأضواء المُدْرَكَةِ ، ولم يبقَ إلاَّ أَنَّ المعنى مُنَوِّرُ السموات والأرض ، أي : به وبقدرته أنارت أضواؤها واستقامت أمورها كما تقول الملك نور الأمة أي قِوام أمورها وصلاحُ جملتها ، والأمر في الملك مجاز ، وهو في صفة اللّه تعالى حقيقة مَحْضَةٌ ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وغيره : « اللّه نَوَّرَ » ـــ بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء ـــ والضمير في { نوره } يعود على اللّه تعالى ؛ قاله جماعة ، وهو إضافة خلق إلى خالق ، كما تقول : ناقة اللّه ، وبيت اللّه ، ثم اختلفوا في المراد بهذا النور ، فقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هو المؤمن ، وقيل : هو الإيمان والقرآن ، وفي قراءة أُبَيِّ ابن كعب : « مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِينَ » والمشكاة : هي الكُوَّةُ غير النافذة فيها القنديل ونحوه ، وهذه الأقوال الثلاثة يَطَّرِدُ فيها مقابلة جزء من المثال بجزء من المُمَثَّلِ ، فعلى قول مَنْ قال : المُمَثَّلُ محمد صلى الله عليه وسلم ـــ وهو قول كعب الأحبار ـــ فرسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم هو المشكاةُ أو صدره ، والمصباح هو النبوة وما يَتَّصِلُ بها من علمه وهداه ، والزجاجة : قلبه ، والشجرة المباركة : هي الوحي ، والزيت : هو الحجج والبراهين . وعلى قول مَنْ قال : إنَّ المُمَثَّلَ به هو المؤمن ـــ وهو قول أُبَيِّ بن كعب ـــ ، فالمشكاة صدره ، والمصباح : الإيمان ، والعلم ، والزجاجة : قلبه ، والشجرة القرآن ، وزيتها : هو الحجج ، والحكمة التي تضمنها قولُ أُبَيٍّ فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي في قبور الأموات ، وتحتمل الآية معنى آخر ، وهو أَنْ يريدَ : مَثَلُ نورِ اللّه الذي هو هداه في الوضوح كهذه الجملة من النور ، الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة ؛ التي هي أبلغ صفات النور ، الذي هو بين أيديكم أَيُّها البشر ؛ وقال أبو موسى : المشكاة : الحديدة أو الرَّصَاصَةُ التي يكون فيها القنديل في جوف الزجاجة ، والأَوَّلُ أَصَحُّ . وقوله : { فِي زُجَاجَةٍ } لأَنَّه جسم شَفَّافٌ ، المصباحُ فيه أنور منه في غير الزجاجة ، والمصباح : الفتيل بناره . وقوله : { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي في الإنارة والضوء ، وذلك يحتمل معنيين : إمَّا أَنْ يريد أَنَّها بالمصباح كذلك ، وإمَّا أَنْ يريد أَنَّها في نفسها ؛ لصفائها وجودة جوهرها ، وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور ؛ قال الضَّحَّاكُ : الكوكب الدُّرِّيُّ : الزهرة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : « تَوَقَّدَ » ـــ بفتح التاء والدال ـــ ، والمراد : المصباح ، وقرأ نافع وغيره : « يُوقَدُ » أي : المصباح . وقوله : { مِن شَجَرَةٍ } أي من زيت شجرة ، والمباركة : المُنَمَّاةُ . وقوله تعالى : { لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال الحسن : أي : ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا ؛ وإنَّما هو مَثَلٌ ضربه اللّه تعالى لنوره ، ولو كانت في الدنيا لكانت إمَّا شرقِيَّةً وإمَّا غربِيَّةً ، وقيل غيرُ هذا . وقوله سبحانه : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيء … } الآية مبالغة في صفة صفائه وحُسْنِهِ . وقوله : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } أي : هذه كلها ومعان تكامل بها هذا النورُ المُمَثَّلُ به ، وفي هذا الموضع تمَّ المثالُ ، وباقي الآية بَيِّنٌ . وقوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } قال ابن عباس وغيره : هي المساجد المخصوصةُ بعبادة اللّه التي من عادتها أنْ تُنَوَّرَ بهذا النوع من المصابيح . وقوله : { أَذِنَ ٱللَّهُ } : بمعنى : أمر وقضى ، و { تُرْفَعَ } قيل : معناه تُبْنَى وتُعَلَّى ؛ قاله مجاهد وغيره ؛ كقوله تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ … } [ البقرة : 127 ] . وقال الحسن : معناه تُعظَّم ويُرْفَعُ شأنها ، وذكر اسمه تعالى هو بالصلاة والعبادة قولاً وفعلاً ، و { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } أي : في المساجد ، { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلأَصَالِ } قال ابن عباس : أراد ركعتي الضُّحَى . والعصر ، وإنَّ ركعتي الضحى لفي كتاب اللّه وما يغوص عليها إلاَّ غَوَّاصٌ ؛ ثم وصف تعالى المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمرَ اللّه تعالى وطلبهم رضاه ، لا يشغلهم عن الصلاة وذكرِ اللّه شيءٌ من أمور الدنيا . قلت : وعن عمر - رضي اللّه عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحَدٍ ، يَنْفُذُهُمُ البَصَرُ ، ويُسْمعُهُمُ الدَّاعِي ، فَيْنَادِي مُنَادٍ : سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ لَمِنَ الْكَرَمُ اليَوْمَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِع } [ السجدة : 16 ] ؟ ثُمَّ يَقُولُ : أَيْنَ الَّذِينَ كَانُواْ { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } إلى آخر الآية ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْعِ لَمِنِ الكَرَمُ اليَوْمَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيْنَ الحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ رَبَّهمْ " مختصراً رواه الحاكم في « المستدرك على الصحيحين » وله طرق عن أَبي إسحاقَ ، انتهى من « السلاح » ، ورواه أيضاً ابن المبارك من طريق ابن عباس قال : " إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَىٰ مُنَادٍ : سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ منْ أَصْحَابُ الكَرَم ، لِيَقُمْ الحَامِدُونَ لِلَّهِ تَعَالَىٰ عَلَىٰ كُلِّ حَالٍ ، فَيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلَى الجَنَّةِ ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً : سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ ؛ لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تَتَجَافَىٰ عَنِ المَضَاجِعِ ؛ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ؛ قَالَ : فَيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجنَّة ، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً : سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ ؛ لِيَقُمَ الَّذِينَ كَانَتْ : { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَـٰرُ } فيَقُومُونَ ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجَنَّة " انتهى من « التذكرة » . والزكاة هنا عند ابن عباس : الطاعة للَّه . وقال الحسن : هي الزكاةُ المفروضة في المال ، واليوم المخوف : هو يوم القيامة ، ومعنى الآية : إنَّ ذلك اليوم لِشِدَّةِ هوله القلوبُ والأبصارُ فيه مضطربةٌ قَلِقَةٌ متقلبة . قلت : ومن « الكلم الفارقية » : سعادة القلبِ إقباله على مُقَلِّبِهِ والعالِم بحال مَآله ومُنْقَلَبهِ ، القلوبُ بحارٌ جواهرُها المعارفُ ، وسواحلها الألسنة وغواصها الفكرة النافذة ، غَوَّاصُ بحر الصُّوَرِ يغوصُ بصورته في طلب مكسبه ، والعارِفُ يغوص بمعنى قلبه في بحار غَيْبِ رَبِّهِ ، فيلتقط جواهرَ الحكمة ودُرَرَ الدِّرَايَةِ قلوبُ العارفين ، كالبحار تنعقد في أصداف ضمائرهم جواهِرُ المعارف والأسرار ، القلوب كالأراضي إلى من أسلمت إليه قلبك بذر فيه ما عنده , أَمَّا مَنْ بذر نفسه ووسواسه العفن المسوس , أو بذر فيه معرفته بالرب المقدس ، انتهى . قلت : فإنْ أردت سلامتك في ذلك اليوم فليكن قلبك الآن مقبلاً على طاعة مولاك ؛ فإنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاَّ مَنْ أَتَى اللّه بقلب سليم . قال الواحِدِيُّ : تتقلب فيه القلوبُ بين الطمع في النجاة والخوفِ من الهلاك ، والأبصارُ تتقلَّبُ في أيِّ ناحية يؤخذ بهم أذاتَ اليمين أم ذاتَ الشمال ، ومن أيِّ جهة يُؤتون كتبَهم ، انتهى .