Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } إلى قوله { كَذَلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ظاهر الآية : وأَمْرُ الشريعة أَنَّ الحَرَجَ عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر ، وتقتضي نيتهم الإتيان به بالأكمل ، ويقتضي العذر أَنْ يقعَ منهم الأنقص ، فالحرج مرفوع عنهم في هذا ، وللناس أقوال في الآية وتخصيصاتٌ يطول ذكرها ، وذكر اللّه تعالى بيوتَ القراباتِ ، وسقط منها بيوت الأبناء ؛ فقال المفسرون : ذلك لأَنَّها داخلة في قوله : { من بيوتكم } لأنَّ بيت ابن الرجل بيتُه . وقوله تعالى : { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } يريد ما خزنتم وصار في قبضتكم ، فمعظمه ما ملكه الرجلُ في بيته وتحت غلقه ، وهو تأويل الضَّحِّاكِ ومجاهد ، وعند جمهور المفسرين : يدخل في الآية الوكلاءُ والعبيدُ والأُجراءُ بالمعروف . وقرأ ابن جبير : « مَلَكْتُمْ مَفَاتِيحَهُ » مبنياً للمفعول وزيادة يا بين التاء والحاء ، وقَرَنَ تعالى في هذه الآية الصديقَ بالقرابة المَحْضَةِ الوكيدة ؛ لأَنَّ قُرْبَ المودة لصيق ؛ قال معمر : قلت : لقتادَة : أَلاَ أشرب من هذا الجُبِّ ؟ قال : أنت لي صديق ، فما هذا الاستئذان ؟ قال ابن عباس في كتاب « النقاش » : الصديق أوكد من القرابة ؛ ألا ترى استغاثة الجهنميين : { فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 100 ، 101 ] . وقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } : رَدٌّ لمذهب جماعة من العرب كانت لا تأكل أفذاذاً ألبتَّةَ ، نحت به نحو كرم الخلق ، فأفرطت في إلزامه ، وأَنَّ إحضار الأكيل لَحَسَنٌ ولكن بأَلاَّ يحرم الانفرادُ ، قال البخاريُّ : أشتاتاً وشتى واحد ، انتهى . وقال بعض أهل العلم : هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام : " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " الحديث ، وبقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } الآية ، وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر : « لاَ يَجْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلاَّ بِإذْنِهِ » الحديث . قلت : والحق أَنْ لا نسخَ في شيءٍ مِمَّا ذُكِرَ ، وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى . وقوله سبحانه : { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً } : قال النَّخَعِيُّ : أراد المساجد ، والمعنى : سُلِّمُوا على مَنْ فيها ، فإنْ لم يكن فيها أحد فالسلام أنْ يقول : السلامُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السلامُ علينا وعلى عبادِ اللّه الصالحين . وقال ابن عباس وغيره : المراد البيوتُ المسكونة ، أي : سلِّموا على مَنْ فيها ، قالوا : ويدخل في ذلك غيرُ المسكونة ، ويُسَلِّم المرءُ فيها على نفسه بأنْ يقول : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين . قلت : وفي « سلاح المؤمن » ، وعن ابن عباس في قوله عز وجل : { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } قال : هو المسجدُ إذا دخلته فقل : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين رواه الحاكم في « المستدرك » وقال : صحيح على شرط الشيخين ، يعني البخاريَّ ومسلماً ، انتهى ، وهذا هو الصحيح عن ابنِ عباس ، وفَهِمَ النوويُّ أَنَّ الآية في البيوت المسكونة ، قال : ففي الترمذيِّ عن أنس قال : قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَا بُنَيَّ ، إذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ ، فَسَلِّمْ ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ " قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي أبي داودَ عن أبي أُمَامَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ ـــ عز وجل ـــ : رَجلٌ خَرَجَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللّهِ عز وجل فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِما نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى المَسْجِدِ ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدُّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ ؛ وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ ؛ فَهُو ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى " حديث حسن رواه أَبو داودَ بإسناد حسن ، ورواه آخرون ، والضمان : الرعاية للشيء ، والمعنى : أَنَّه في رعاية اللّه عز وجل ، انتهى . وقوله تعالى : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةً } وصفها تعالى بالبركة ؛ لأَنَّ فيها الدعاءَ واستجلابَ مودَّةِ المسلم عليه . قلت : وقد ذكرنا في سورة النساءِ : ما ورد في المصافحة من رواية ابن السُّنِّيِّ قال النووي : وَرُوِّينَا في سنن أَبي داودَ والترمذيِّ وابن ماجه عن البَرَاءِ بن عازِبٍ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا " انتهى . والكاف من قوله : { كذلك } : كافُ تشبيهٍ ؛ وذلك : إشارة إلى هذه السنن . وقال أيضاً بعضُ الناس في هذه الآية : أَنَّها منسوخة بآية الاستئذان المتقدمة . قال * ع * : والنسخ لا يُتَصَوَّرُ في شيءٍ من هذه الآيات ، بل هي مُحْكَمَةٌ ، أَمَّا قوله : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 188 ] ففي التعدي والخدع ونحوه ، وأمَّا هذه الآية ففي إباحة طعام هذه الأصناف التي يسرها ـــ استباحَةُ طعامها على هذه الصفة ، وأمَّا آية الإذن فعلة إيجاب الاستئذان خوف الكَشَفَةِ ، فإذا استأذن المرءُ ودخل المنزل بالوجه المباح صَحَّ له بعد ذلك أكل الطعام بهذه الإباحة ، وليس يكونُ في الآية نسخ فتأمله .