Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 42-45)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } ، قيل : معناه : إن اللّه يعلم الذين تدعون من دونه من جميع الأشياء ، وقيل : ما نافية ؛ وفيه نظر ، وقيل : ما استفهامية ، قال جابر : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } : العَالِمُ : مَنْ عَقَلَ عَنِ اللّهِ تَعَالَىٰ فَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ وَٱنْتَهَىٰ عَنْ مَعْصِيَتِهِ . قوله تعالى : { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي : لا للعبث واللعب ؛ بل ليدل على سلطانه ؛ وتثبيت شرائعه ، ويضع الدلالة لأهلها ويعم بالمنافع ؛ إلى غير ذلك مما لا يُحْصَىٰ عداً . ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بالنفوذ لأمره ؛ وتلاوة القرآن الذي أُوحِيَ إليه وإقامة الصلاة ، أي : إدامتها ؛ والقيام بحدودها . ثم أخبر سبحانه حُكْماً منه أن الصلاة تنهى صاحبَها وممتثلَها عن الفحشاء والمنكر . قال * ع * : وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجبِ من الخشوعِ ، والإخبات وتذكرِ اللّه ، وَتَوَهِّمِ الوقوف بين يديه ، وإنَّ قلبه وإخلاصه مُطّلَعٌ عليه مَرْقُوبٌ صَلُحَتْ لذلك نَفْسُهُ ، وتذلَّلَتْ ، وخَامَرَها ارتقابُ اللّه تعالى ؛ فاطَّرَدَ ذلك في أقواله ، وأفعاله ، وانتهَى عن الفحشاء والمنكر ، ولم يكَدْ يَفْتُرُ من ذلك حتى تظله صلاةٌ أخْرى ؛ يرجع بها إلى أفضل حاله ؛ فهذا معنى هذا الإخبار ؛ لأن صلاةَ المؤمن هكذا ينبغي أن تكون ، وقد رُوِيَ عن بعض السلف : أنه كان إذا أقام الصلاة ارتعد ، واصفر لونُه ، فكُلِّم في ذلك ، فقال : إني أقف بين يدي اللّه تعالى . قال * ع * : فهذه صلاة تنهى ـــ ولا بد ـــ عن الفحشاء والمنكر ، وأما من كانت صلاته دائرةً حول الإجزاء ، بلا تذكر ولا خشوع ، ولا فضائل ؛ فتلك تترك صاحبَها من منزلته حيثُ كانَ . وقوله تعالى : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال ابن عباس وأبو الدرداء وسلمان وابن مسعود وأبو قرة : معناه : ولذكر اللّه إياكم ؛ أكبر من ذكركم إياه . وقيل : معناه : ولذكر اللّه أكبر ؛ مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر . وقال ابن زيد وغيره : معناه : ولذكر اللّه أكبر من كل شيء . وقيل لسلمان : أيُّ الأعمالِ أفضل ؟ فقال : أَمَا تَقْرَأُ { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . والأحاديثُ في فَضْلِ الذّكْر كثيرةٌ ؛ لا تنحصر . وقال ابن العربي في « أحكامه » : قوله : و { لَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } فيه أربعة أقوال . الأول : ذكر اللّه لكم أفضلُ من ذكرِكم له ؛ أضاف المصدر إلى الفاعل . الثاني : ذكر اللّه أفضل من كل شيء . الثالث : ذكر اللّه في الصلاة ؛ أفضل من ذكره في غيرها ؛ يعني : لأنهما عبادتان . الرابع : ذكر اللّه في الصلاة ؛ أكبر من الصلاة ؛ وهذه الثلاثة الأخيرة من إضافة المصدر إلى المفعول ، وهذه كلها صحيحةٌ ، وإن للصلاةِ بركةً عظيمةً ، انتهى . قال * ع * : وعندي ، أن المعنى : ولذكر اللّه أكبر على الإطلاق ، أي : هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فالجُزء الذي منه في الصلاة ؛ يفعل ذلك ، وكذلك يفعل في غير الصلاة ، لأنَّ الانتهاءَ لا يكونُ إلا من ذَاكِرٍ للَّهِ تعالى ، مراقب له ، وثوابُ ذلك الذكر أن يذكُرَه اللّه تعالى ، كما في الحديث الصحيح : " وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ " والحركاتُ التي في الصلاة ؛ لا تأثيرَ لها في نهي ، والذكرُ النافع هو مع العلم ؛ وإقبال القلب وتفرُّغه إلا من اللّه تعالى . وأما ما لا يتجاوز اللسانَ ففي رتبة أخرى ، وذكر اللّه تعالى للعبد ؛ هو إفاضةُ الهدى ونور العلم عليه ؛ وذلك ثمرة ذكر العبدِ ربَّه . قال اللّه عز وجل : { فَٱذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] . وعبارة الشيخ ابن أبي جمرة : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } معناه : ذكره لك في الأزل أن جعلك من الذاكرينَ له ؛ أكبرٌ من ذكرِك أنت الآن له ، انتهى . قال القُشَيْريُّ في « رسالته » الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه ؛ وهو العمدة في هذا الطريق ؛ ولا يصل أحد إلى اللّه سبحانه إلا بدوام الذكر ، ثم الذكرُ على ضربين : باللسان ، وذكرٌ بالقلب ، فذكر اللسان : به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب ، والتأثيرُ لذكر القلب ، فإذا كان العبد ذاكراً بلسانه ، وقلبه ؛ فهو الكامل في وصفه ، سمعتُ أبا علي الدقاق يقول : الذكر : منشورُ الولاية ، فمن وُفِّقَ للذكر ؛ فقد وُفِّقَ للمنشور ، ومن سُلِبَ الذكرَ فقد عُزِلَ والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات . وأسند القشيريُّ عن المظفر الجصاص قال : كنت أنا ونصرَ الخراط ليلةً في موضع ؛ فتذاكرنا شَيْئاً من العلم ؛ فقال الخراط : الذاكر للَّه تعالى فائدته في أول ذكره : أنْ يعلمَ أنَّ اللّه ذكَره ؛ فبذكر اللّه له ذِكرُه ، قال : فخالفته ، فقال : لو كان الخضرُ ها هنا لشهد لصحته ، قال فإذا نحن بشيخٍ يجيء بين السماء والأرض ، حتى بلغ إلينا وقال صدق ؛ الذاكر للَّه بفضل اللّه ، وذكره له ذكرَه ، فعلمنا أنه الخضر عَليه السلام ، انتهى . وباقي الآيةِ ضَرْبٌ من التَوعُّدِ وحثٌّ على المراقبةِ ، قال البَاجِيُّ في « سنن الصالحين » : قال بعض العلماء : إن اللّه عز وجل يقول : " أَيُّمَا عَبْدٍ ٱطَّلَعْتُ عَلَى قَلْبِهِ ؛ فَرَأَيْتُ الغَالِبَ عَلَيْهِ التَّمَسُّكَ بِذِكْرِي ؛ تَوَلَّيْتُ سِيَاسَتَهُ وَكُنْتُ جَلِيسَهُ وَمُحَادِثَهُ وَأَنِيسَهُ " انتهى .