Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-49)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } . هذه الآية مَكيةٌ ، ولم يكن يومئذٍ قتالٌ ، وكانتِ اليهودُ يومئذٍ بمكة ؛ وفيما جاورها ، فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدالٌ واحتجاجٌ في أمر الدينِ ؛ وتكذيب ، فأَمر اللّه المؤمنين ألا يجادلوهم إلا بالتي هي أحسن ؛ دعاءً إلى اللّه تعالى وملاينةً ، ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين ؛ وحصلت منه أذية ؛ فإن هذه الضيفة استُثْنِيَ لأهل الإسلام معارضَتُهَا ؛ بالتغيير عليها ، والخروج معها عن التي هي أحسن . ثم نُسِخَ هذا بَعْدُ بآية القتال ؛ وهذا قول قتادة ؛ وهو أحسن ما قيل في تأويل الآية . * ت * : قال ، عز الدين بن عبد السلام في « اختصاره لقواعد الأحكام » ؛ فائدة : لا يجوز الجدالُ والمناظرةُ إلا الإظهار الحقِّ ونُصْرَتِهِ ؛ ليُعْرَفَ ويُعْمَلَ به ، فمن جادل لذلك ؛ فقد أطاع ، ومن جادَلَ لغرضٍ آخر ، فقد عصَىٰ وخَابَ ، ولا خير فيمن يتحيَّلُ لِنُصْرَةِ مذهبه ؛ مع ضعفه وبُعْدِ أدلته من الصواب ، انتهى . تنبيه : رَوَى الترمذيُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قَالَ : " الحَيَاءُ وَالْعِيُّ : شُعْبَتَانِ مِنَ الإيمَانِ ، والبَذَاءُ وَالبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النَّفَاقِ " ورَوَىٰ أبو داود والترمذيُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللّهَ يَبْغَضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ بِلِسَانِهَا " حديث غريب ، انتهى ؛ وهما في « مصابيح البغوي » . وروى أبو داودَ عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الكَلاَمِ لِيَسْبِيَ بِه قُلُوبَ الرِّجَالِ ، أَوِ النَّاسِ ـــ لَمْ يَقْبَلِ اللّهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً " انتهى . وقوله تعالى : { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } الآية ، قال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرأون التوراةَ بالعبرانيةِ ؛ ويفسرونها بالعربية للمسلمين ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ » ، وقُولُوا : { ءَامَنَّا بِٱلَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } " وَرَوَى ابنُ مسعود ؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ ، فَإنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوْكُمْ ؛ وَقَدْ ضَلُّوا : إمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ ، وإمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ " . وقوله تعالى : { فَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } يريدُ : التوراة والإنجيل ؛ كانوا في وقت نزول الكتاب عليهم يؤمنون بالقرآن . ثم أخبر عن معاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن منهم أيضاً مَنْ يؤمن به ولم يكونوا آمنوا بَعْدُ ، ففي هذا إخبارٌ بغيب ؛ بَيَّنَه الوجودُ بَعْدَ ذلك . قوله تعالى : { وَمَا يَجْحَدُ بِـآيَـٰتِنَا إِلاَّ ٱلْكَـٰفِرونَ } يُشْبِهُ أَن يُرَادَ بهذا الانحناءِ كفارُ قريش . ثم بيَّن تَعَالى الحجةَ وأوضحَ البرهانَ : أَن مما يقوى أَنَّ نزولَ هذا القرآن مِن عِنْدِ اللّه ؛ أن محمداً ـــ عليه السلام ـــ جاء به في غاية الإعجاز والطُّول والتَّضَمُنِ للغيوب ، وغير ذلك ؟ وهو أمِّيَّ ؛ لا يقرأ ولا يكتب ؛ ولا يتلو كتاباً ولا يخط حروفاً ؛ ولا سبيلَ له إلى التعلم ، ولو كان ممن يقرأ أو يخط ، لارتاب المبطلون ، وكان لهم في ارتيابهم مُعَلَّق ، وأما ارتيابهُم مع وضوحِ هذهِ الحجةِ ؛ فظاهرٌ فسادهُ { بَلْ هُوَ ءَايَـٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ } يعني : القرآن ، ويحتمل : أن يعودَ على أمرِ محمد صلى الله عليه وسلم و { ٱلظَّـٰلِمُونَ } و { ٱلْمُبْطِلُونَ } يَعُمُّ لفظهما كلَّ مكذِّبٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنَّ عَظُمَ الإشارةَ بهما إلى قريش ؛ لأنهم الأهم ؛ قاله مجاهد .