Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 57-63)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } تحقيرٌ لأمرِ الدنيا ومخاوفِها ، كأن بعضَ المؤمنين نظر في عاقبةٍ تلحقه في خروجه من وطنه ؛ أنه يموت أو يجوع ونحو هذا ؛ فحقَّر اللّه سبحانه شَأْنَ الدنيا ، أي وأنتم لا محالة ميتون ومُحْشَرُون إلينا ، فالبِدَارُ إلى طاعة اللّه والهجرة إليه أولى ما يُمْتَثَلُ . ذكر هشام بن عبد اللّه القرطبيُّ في تاريخه المسمى بـ « بهجة النفس » قال : بينما المنصور جالسٌ في منزله في أعلى قصره ؛ إذ جاءه سهم عائر فسقط بين يديه ؛ فذُعِرَ المنصورُ منه ذُعْراً شديداً ، ثم أخذه فجعل بقلِّبه ، فإذا مكتوبٌ عليه بين الرِّيشَتَيْنِ : [ الوافر ] @ أَتَطْمَعُ فِي الْحَيَاةِ إلَى التَّنَادِي وَتَحْسَبُ أَنَّ مَالَكَ مِنْ مَعَادِ سَتُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِكَ وَالْخَطَايَا وََتُسْأَلُ بَعْدَ ذَاكَ عَنِ الْعِبَادِ @@ ومن الجانب الآخر : [ البسيط ] @ أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إذْ حَسُنَتْ وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ وَسَاعَدَتْكَ اللَّيَالِي فَٱغْتَرَرْتَ بِهَا وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ @@ وفي الآخر : [ البسيط ] @ هِيَ الْمَقَادِيرُ تَجْرِي فِي أَعِنَّتِهَا فَٱصْبِرْ فَلَيْسَ لَهَا صَبْرٌ عَلَىٰ حَالِ يَوْماً تُرِيكَ خَسِيسَ القَوْمِ تَرْفَعُه إلَى السَّمَاءِ وَيَوْماً تَخْفِضُ العَالِي @@ ثم قرأ على الجانب الآخر من السهم : [ البسيط ] @ مَنْ يَصْحَبِ الدَّهْرَ لاَ يَأْمَنْ تَصَرُّفَهُ يَوْماً فَلِلدَّهْرِ إحْلاَءٌ وَإمْرَارُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَإنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ إذَا ٱنْتَهَىٰ مَدُّهُ لاَ بُدَّ إقْصَارُ @@ انتهى . وقرأ حمزة : « لنثوينهم من الجنة غرفا » : من أثوى يُثْوِي بمعنى : أقام . وقوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ … } الآية : تحريضٌ على الهجرة ؛ لأَن بعضَ المؤمنين فكَّر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة ، وقالوا : غربةٌ في بلد لاَ دَارَ لنا فيه ولا عقار ، ولا من يطعم ، فمثل لهم بأَكثر الدواب التي لا تتقوت ولا تدخر ، ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } فقوله : { لاَّ تَحْمِلُ } يجوز أن يريدَ مِن الحَمْلِ ، أي : لا تَنْتَقِلُ ولا تنظر في ادخاره . قاله مجاهد وغيره . قال * ع * : والادِّخار ليسَ من خُلُق الموقنين ، وقد قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ عُمَرَ : " كَيْفَ بِكَ إذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةِ منَ النَّاسِ ؛ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَةٍ بِضَعْف اليَقِينِ " ويجوز أن يريدَ من الحمالة ؛ أي : لا تَتَكَفَّلُ لنفسها . قال الداووديُّ : وعن علي بن الأقمر : { لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي : لا تدخر شيئاً لغدٍ ، انتهى . وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً " قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ . انتهى . ثم خاطب تعالى في أمر الكفار وإقامة الحجة عليهم ، بأَنهم إن سُئِلوا عن الأمور العظام التي هي دلائل القدرة ، لم يكن لهم إلا التسليمُ بِأَنها للَّه تعالى ، و { يُؤْفَكُونَ } معناه : يصرفون .