Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-112)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … } الآية : اختلفَ في تأويل هذه الآية . فقيل : نزلَتْ في الصحابة ، وقال الحسَنُ بْنُ أبي الحَسَن وجماعةٌ مِنْ أَهْل العلْمِ : الآيةُ خطَابٌ لجميع الأمة ؛ بأنهم خير أمة أخرجَتْ للنَّاس ؛ ويؤيِّد هذا التأويلَ كونُهم شهداءَ عَلَى النَّاس . وأمَّا قوله : « كُنْتُمْ » ؛ على صيغة المُضِيِّ ؛ فإنها التي بمعنَى الدَّوامِ ؛ كما قال تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب : 73 ] وقال قوم : المعنَىٰ : كنتم فِي عِلْمِ اللَّه ، وهذه الخَيْريَّة التي خَصَّ اللَّه بها هذه الأمَّة ، إنما يأخذ بحَظِّه منها مَنْ عمل بهذه الشُّروط مِنَ الأمر بالمعروفِ ، والنَّهْيِ عن المنكر ، والإيمانِ باللَّه ؛ ممَّا جاء في فَضْل هذه الأمَّة ما خرَّجه مُسْلِمٌ في صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامةِ " وفي رواية : " السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة " ، وفي رواية : " نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، والأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، المَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الخَلاَئِقِ " ، وفي رواية : " المَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ " اهـــ . وخرَّج ابن مَاجَة ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " نَحْنُ آخرُ الأُمَمِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبَ ، يُقَالُ : أَيْنَ الأَمَّةُ الأَمِّيَّةُ ونَبِيُّها ، فَنَحْنُ الآخرُونَ الأَوَّلُونَ " ، وفي روايةٍ عن ابن عَبَّاس : " فتُفَرِّجُ لَنَا الأَمَمُ عَنْ طَرِيقَنَا ، فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ ، فَتَقُولُ الأُمَمُ : كَادَتْ هَذِهِ الأَمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا " ، وخَرَّجهُ أيضاً أبو داود الطَّيَالِسِيُّ في مسنده بمعناه . اهـــ من « التذكرة » . وروى أبو داود في سننه ، قال : حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شَيْبة ، عن أبيه ، عن أبي مُوسَىٰ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ ؛ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا ؛ الفِتَنُ ، وَالزَّلاَزِلُ ، وَالقَتْل " اهـــ ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ أيضاً عن غَيْر أبي داود ، وهذا الحديثُ ليس هو علَىٰ عمومه في جميعِ الأمَّة ؛ لثبوت نُفُوذِ الوعيدِ في طائفةٍ من العُصَاة . اهـــ . وقوله : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ، وما بعده : أحوالٌ في موضعِ نصبٍ . وفي الحديثِ : " خَيْرُ النَّاسِ أتُقَاهُمْ لِلَّهِ ، وَآمَرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ " ، رواه البغويُّ في « منتخبه » . اهـــ من « الكوكب الدري » . وقوله سبحانه : { مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } : تنبيهٌ علَىٰ حال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وأخيهِ ، وثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ ، وغيْرِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ . وقوله تعالى : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } ، أي : إلا أَذًى بالألسنة فَقَطْ ، وأخبر سبحانه في قوله : { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } ، بخبر غَيْب ، صحَّحه الوجودُ ، فهي مِنْ آيات نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وفائدةُ الخَبَرِ هي في قولِهِ : { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ، أي : لا تكونُ حَرْبُ اليهودِ معكم سِجَالاً ، وخص الأدبار بالذِّكْر دون الظَّهْرِ ، تَخْسِيساً للفَارِّ ، وهكذا هو حيثُ تصرَّفَ . وقوله تعالى : { ضُرِبَتْ } : معناه : أُثْبِتَتْ بشدَّةٍ وإلزامٍ ، وهذا وصْفُ حالٍ تقرَّرت على اليهودِ في أقطار الأرْضِ قبل مَجِيء الإسلام ، وثُقِفُوا : معناه أُخِذُوا بحالِ المذْنِبِ المستحِقِّ الإهلاك ، وقوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ ٱللَّهِ } في الكلامِ محذوفٌ يدركُهُ فهُمْ السامعِ ، تقديره : فلا نجاة لهم مِنَ القَتْلِ أو الاستئصالِ إلاَّ بحَبْلٍ ، وهو العَهْدُ . وقوله : { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى الغَضَب ، وضَرْب الذلَّة والمَسْكَنَة ، وباقي الآية تقدَّم تفسير نظيره .