Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 105-109)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ … } الآية : قال ابن عبَّاس : هي إشارة إلى كلِّ مَنِ ٱفترَقَ من الأمَمِ في الدِّين ، فأهلكهم الافتراقُ ، وقال الحسنُ : هي إشارة إلى اليهودِ والنصارىٰ . قلتُ : وروى أبو داوُدَ في سُنَنِهِ ، عن معاويةَ بْنِ أبي سُفْيَان ، قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ٱفْتَرَقُوا عَلَىٰ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَىٰ ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ ، وَهِيَ الجَمَاعَةُ " ، وروى أبو هريرة نحوه ، ولم يَذْكُرِ النَّار اهـــ . وقوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } الآية : بياضُ الوُجُوهِ : عبارةٌ عن إشراقِها وٱستنارتِها وبِشْرِها برحمة اللَّهِ ؛ قاله الزَّجَّاج وغيره . وقوله تعالى : { أَكْفَرْتُمْ } : تقريرٌ وتوبيخٌ متعلِّق بمحذوف ، تقديره : فيقالُ لهم : أكفرتم ، وفي هذا المَحْذُوفِ جوابُ « أمَّا » ، وهذا هو فحوَى الخطَابِ ، وهو أنْ يكون في الكلام شيْءٌ مقدَّر لا يستغنِي المَعْنَىٰ عنه ؛ كقوله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ } [ البقرة : 184 ] المعنى : فَأَفْطَرَ ، فَعِدَّةٌ . وقوله تعالى : { بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } يقتضي أنَّ لهؤلاء المذكورين إيماناً متقدِّماً ، واختلف أهل التأويل في تَعْيِينِهِمْ ، فقال أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ : هم جميعُ الكُفَّارِ ، وإيمانهم هو إقرارهم يَوْمَ قِيلَ لهم : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] وقال أكثر المتأوِّلين : المراد أهل القبْلَة مِنْ هذه الأمة ، ثم ٱختلفوا ، فقال الحسَنُ : الآية في المنافقين ، وقال قتادة : هي في أهْل الرَّدة ، وقال أبو أُمَامة : هي في الخَوَارج . وقوله تعالى : { تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } الإشارة بـــ « تِلْكَ » إلى هذه الآياتِ المتضمِّنة تعذيبَ الكُفَّار ، وتَنْعِيمَ المؤمنين ، ولَمَّا كان في هذا ذكْرُ التعذيبِ ، أخبر سبحانه ؛ أنه لا يريدُ أنْ يقع منه ظُلْمٌ لأحدٍ من العبادِ ، وإذا لم يردْ ذلك ، فلا يوجد ألبتة ؛ لأنه لا يَقَعُ من شيء إلاَّ ما يريده سُبْحانه ، وقوله : { بِٱلْحَقِّ } : معناه بالإخبار الحَقِّ ، ويحتمل أنْ يكون المَعْنَىٰ : نَتْلُوهَا عَلَيْكَ مضمَّنة الأفعال التي هِيَ حَقٌّ في نفسها من كرامةِ قومٍ ، وتعذيبِ آخرينَ ، ولما كان للذِّهْنِ أنْ يقف هنا في الوَجْه الذي به خَصَّ اللَّه قومًا بعملٍ يرحمهم مِنْ أجله ، وآخرين بعملٍ يعذِّبهم عليه ، ذكر سبحانه الحُجَّة القاطعة في مِلْكِهِ جميعَ المخلوقاتِ ، وأنَّ الحَقَّ أَلاَّ يعترض علَيْه ؛ وذلك في قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } الآية .