Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-122)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ … } الآية : الحَسَنَةُ والسيِّئة ؛ في هذه الآية : لفظ عامٌّ في كل ما يَحْسُنُ ويَسُوء ، قلْتُ : ويجبُ على المؤمن أنْ يجتنب هذه الأخلاقَ الذَّميمة ؛ وَرُوِّينا في « كتاب الترمذيِّ » ، عن وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ( رضي اللَّه عنه ) ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأخِيكَ ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ " اهـــ . والكَيْد : الاحتيالُ بالأباطيل ، وقوله تعالى : { وَأَكِيدُ كَيْداً } [ الطارق : 16 ] من باب تسمية العقوبة باسم الذَّنْب . وقوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } هذا ابتداءُ عتْبِ المؤمنين في أَمْر أُحُدٍ ، وفيه نزلَتْ هذه الآياتُ كلُّها ، وكان من أمر غزوة أُحُدٍ أَنَّ المُشْرِكِينَ ٱجتمعوا في ثلاثة آلاف رجُلٍ ، وقصدوا المدينةَ ؛ ليأخذوا بثأرهم في يوم بَدْرٍ ، فنزلوا عند أُحُدٍ يوم الأربعاء ، الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ ، سنَةَ ثلاثٍ من الهجرةِ ، علَىٰ رأس أَحَدٍ وثلاثين شهرًا من الهجْرة ، وأقاموا هنالك يَوْمَ الخمِيسِ ، ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة يدبِّر وينتظرُ أمْرَ اللَّهِ سبحانه ، فلَمَّا كان في صَبِيحَة يَوْم الجُمُعة ، جَمَعَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم النَّاس وٱستشارهم ، وأخبرهم أنه كان يَرَىٰ بقرًا تُذْبَح ، وثَلْماً في ذُبَابِ سَيْفه ، وأنَّهُ يُدْخِلُ يده في دِرْعٍ حَصِينَةٍ ، وأنه تأوَّلها المدينةَ ، وقال لهم : أرى ألاَّ نخرج إلَىٰ هؤلاء الكُفَّارِ ، فقال له عبدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ٱبْنُ سَلُولَ : أَقِمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلاَ تَخْرُجْ إلَيْهِمْ بِالنَّاسِ ، فَإنْ هُمْ أَقَامُوا ، أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ ، وإنِ انْصَرَفُوا ، مَضَوْا خَائِبِينَ ، وَإنْ جَاءُونَا إلَى المَدِينَةِ ، قَاتَلْنَاهُمْ فِي الأَفْنِيَةِ وَرَمَاهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِالحِجَارَةِ مِنَ الآطامِ ، فَوَاللَّهِ ، مَا حَارَبَنَا قَطُّ عَدُوٌّ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ إلاَّ غَلَبْنَاهُ ، وَلاَ خَرَجْنَا مِنْهَا إلَىٰ عَدُوٍّ إلاَّ غَلَبَنَا ، فَوَافَقَ هَذَا الرَّأْيُ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ورَأْيَ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، وقَالَ قَوْمٌ مِنْ صُلَحَاءِ المُؤْمِنِينَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ بَدْرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ٱخْرُجْ بِنَا إلَىٰ عَدُوِّنَا ، وَشَجَّعُوا النَّاسَ ، وَدَعَوْا إلَى الحَرْبِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَصَلَّىٰ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الجُمُعَةِ ، وَقَدْ حَشَّمَهُ هَؤُلاَءِ الدَّاعُونَ إلَى الحَرْبِ ، فَدَخَلَ إثْرِ صَلاَتِهِ بَيْتَهُ ، وَلَبِسَ سِلاَحَهُ ، فَنَدِمَ أُولَئِكَ القَوْمُ ، وَقَالُوا : أَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سِلاَحِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَقِمْ ، إنْ شِئْتَ ، فَإنَّا لاَ نُرِيدُ أنْ نُكْرِهَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ لَبِسَ سِلاَحَهُ أَنْ يَضَعَهَا ؛ حَتَّىٰ يُقَاتِل ، ثُمَّ خَرَجَ بِالنَّاسِ ، وَسَارَ حَتَّىٰ قَرُبَ مِنْ عَسْكَرِ المُشْرِكِينَ ، فَعَسْكَرَ هُنَالكَ ، وَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقَدْ غَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ٱبْنُ سَلُولَ ، وَقَالَ : أَطَاعَهُمْ ، وَعَصَانِي ، فَلَمَّا كَانَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمَ السَّبْتِ ، ٱعْتَزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَسِيرِ إلَىٰ مُنَاجَزَةِ المُشْرِكِينَ ، فَنَهَضَ وَهُوَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ ، فَٱنْخَزَلَ عَنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ٱبْنُ سَلُولَ بِثَلاَثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ مُنَافِقٍ وَمُتَّبِعٍ ، وَقَالُوا : نَظُنُّ أَنَّكُمْ لاَ تَلْقَوْنَ قِتَالاً ، ومَضَىٰ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سبْعِمِائةٍ فَهَمَّتْ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو حَارِثَةَ مِنَ الأَوْسِ وَبَنُو سَلِمَةَ مِنَ الخَزْرَجِ بالانْصِرَافِ ، وَرَأَوْا كَثَافَةَ المُشْرِكِينَ ، وَقِلَّةَ المُسْلِمِينَ ، وَكَادُوا أَنْ يَجْبُنُوا ، وَيَفْشَلُوا ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ ، وَذَمَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَنَهَضُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ أَطَلَّ عَلَى المُشْرِكِينَ فَتَصَافَّ النَّاسُ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً ، وَجَعَلَهُمْ يَحْمُونَ الجَبَلَ وَرَاءَ المُسْلِمِينَ ، وَأسْنَدَ هُوَ إلَى الجَبَلِ ، فَلَمَّا ٱضْطَرَمَتْ نَارُ الحَرْبِ ، ٱنْكَشَفَ المُشْرِكُونَ ، وَٱنْهَزَمُوا ، وَجَعَلَ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ يَشْدُدْنَ فِي الجَبَلِ ، وَيَرْفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ ، قَدْ بَدَتْ خَلاَخِيلُهُنَّ ، فَجَعَلَ الرُّمَاةُ يَقُولُونَ : الغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ لَهُمْ : لاَ تَبْرَحُوا مِنْ هُنَا ، وَلَوْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَقَوْمٌ مِنْهُمْ : ٱتَّقُوا اللَّهَ وَٱثْبُتُوا ؛ كَمَا أَمَرَكُمْ نَبِيُّكُمْ ، فَعَصَوْا ، وَخَالَفُوا ، وَٱنْصَرَفُوا يُرِيدُونَ النَّهْبَ ، وَخَلَّوْا ظُهُورَ المُسْلِمِينَ لِلْخَيْلِ ، وَجَاءَ خَالِدٌ فِي جَرِيدَةِ خَيْلٍ مِنْ خَلْفِ المُسْلِمِينَ ، حَيْثُ كَانَ الرُّمَاةُ ، فَحَمَلَ عَلَى النَّاسِ ، وَوَقَعَ التَّخَاذُلُ ، وَصِيحَ فِي المُسْلِمِينَ مِنْ مُقَدِّمَتِهِم ، وَمِنْ سَاقَتِهِمْ ، وَصَرَخَ صَارِخٌ : قُتِلَ مُحَمَّدٌ ، فَتَخَاذَلَ النَّاسِ ، وَٱسْتَشْهَدَ مِنَ المُسْلِمِينَ سَبْعُونَ ، وَتَحَيَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْلَى الجَبَلِ ، وَتَحَاوَزَ النَّاسُ " . هَذَا مختصرٌ من القصَّة يتركَّب عليه تفسيرُ الآياتِ ، وأمْرِ أُحُدٍ مستوعَبٌ في السِّيَرِ ، وليس هذا التعليقُ ممَّا يقتضي ذكْرَهُ ، و { تُبَوِّئُ } : معناه : تُعَيِّنُ لهم مقاعدَ يتمكَّنون فيها ، ويثْبُتُون ، وقوله سبحانه : { مَقَـٰعِدَ } : جمعُ مَقْعَدٍ ، وهو مكانُ القعود ، وهذا بمنزلة قولك : مَوَاقِف ، ولكنَّ لفظة القُعُود أدلُّ على الثبوتِ ، ولا سيَّما أنَّ الرماة إنما كانوا قُعُوداً ، وكذلك كانَتْ صفوفُ المسلمين أولاً والمُبَارِزَةُ والسَّرعَان يَجُولُون . قوله تعالى : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } ، أي : ما تقولُ ، وما يقالُ لك وقْتَ المشاورة وغيره ، و { هَمَّتْ } : معناه : أرادَتْ ، ولم تَفْعَلْ ، والفَشَل : في هذا الموضع : هو الجُبْن الذي كاد يلحق الطَّائفتين ، ففي البُخَاريِّ وغيره ، عَنْ جَابِرٍ ، قال : نزلَتْ هذه الآيةُ فينا ؛ إذ همَّت طائفتان في بَنِي سَلِمَةَ وبَنِي حَارِثَةَ ، وما أحب أنها لم تنزلْ ، واللَّهُ يقولُ : { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } .