Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-143)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } الآية : الخطابُ للمؤمنين ، والمعنَىٰ : لا يذهب بكُمْ أنْ ظَهَرَ الكُفَّار المكذِّبون عليكم بِأُحُدٍ ، فإن العاقبة للمتَّقين ، وقديماً ما أدال اللَّه المُكَذِّبين على المؤمنين ، ولكن ٱنْظُروا كيْفَ هلَك المكذِّبون بَعْدَ ذلك ، فكذلك تكُونُ عاقبةُ هؤلاءِ ، وقال النَّقَّاش : الخِطَابُ بـ { قَدْ خَلَتْ } للكُفَّار . قال * ع * : وذلك قَلِقٌ ، وخَلَتْ : معناه : مضَتْ ، والسُّنَن : الطرائِقُ . وقال ابنُ زَيْد : سُنَنَ : معناه : أمثال ، وهذا تفسيرٌ لا يخُصُّ اللفظة ، وقوله : { فَٱنظُرُواْ } هو عند الجمهورِ مِنْ نَظَر العَيْن ، وقال قومٌ : هو بالفكْر . وقوله تعالى : { هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاسِ } ، يريد به القُرآن ؛ قاله الحَسَن وغيره ، وقال جماعة : الإشارة بـ « هذا » إلى قوله تعالَىٰ : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } . وقال الفَخْر : يعني بقوله : « هذا بيانٌ » ما تقدَّم ؛ من أمره سبحانه ، ونَهْيِهِ ، ووعدِهِ ، ووعيدِهِ ، وذكرِهِ لأنواع البيِّنات والآيات . انتهى . ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوَهَنِ ، وهو الضَّعْف ، وأنَّسهم بأنهم الأعلَوْنَ أصْحَابُ العاقبة ، ومِنْ كَرَمِ الخُلُقِ ألاَّ يَهِنَ الإنسانُ في حربه ، إذا كان مُحِقًّا ، وإنما يحسن اللِّين في السِّلْم والرضَىٰ ، ومنه قولُه صلى الله عليه وسلم : " المُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ " ، وقوله سبحانه : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } إخبار بعُلُوِّ كلمة الإسلام ، هذا قول الجمهور ، وهو ظاهر اللفظ . قال * ص * : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } : في موضِعِ نصبٍ ؛ على الحال . وقوله سبحانه : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } : المقصدُ هزُّ النفوسِ ، وإقامتها ، ويترتَّب من ذلك الطَّعْنُ علَىٰ من نجم في ذلك اليَوْم نِفَاقُهُ أو ٱضطربَ يقينه ، أي : لا يتحصَّل الوعد إلاَّ بالإيمان ، فٱلزموه ، ثم قال تعالَىٰ ؛ تسليةً للمؤمنين : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ } ، والأُسْوَةُ مسلاة للبَشَر ؛ ومنه قول الخَنْسَاء : [ الوافر ] @ وَلَوْلاَ كَثْرَةُ البَاكِينَ حَوْلِي عَلَىٰ إخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِن أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي @@ والقَرْح : القَتْل والجِرَاحْ ؛ قاله مجاهدٌ وغيره . وقوله تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } ، أخبر سبحانه علَىٰ جهة التسلية ؛ أنَّ الأيام علَىٰ قديم الدهر وغابِرِه أيضاً إنما جعلَهَا دُولاً بيْنَ البَشَر ، أي : فلا تُنْكِرُوا أنْ يدَالَ عليكم الكفَّار . وقوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } ، تقديره : وليَعْلَم اللَّهُ الذين آمنوا فعل ذلك ، والمعنَىٰ : ليظهر في الوجود إيمانُ الذين قَدْ علم اللَّه أزلاً ؛ أنهم يؤمنون وإلاَّ فقد علمهم في الأزَلِ ، { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ } : معناه أهْل فَوْز في سَبِيلِهِ ، حسْبما وَرَدَ في فضائلِ الشهداءِ ، وذَهَب كثيرٌ من العلماء إلى التَّعْبير عن إدَالَةِ المؤمنين بالنَّصْر ، وعن إدالة الكُفّار بالإدالة ، ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثٌ ؛ " أنَّهُمْ يُدَالُونَ ؛ كَمَا تُنْصَرُونَ " والتمحيصُ : التنقيةُ ، قال الخليل : التَّمْحِيصُ : التخليص من العَيْب ، فتمحيصُ المؤمنينَ هو تنقيتُهم منَ الذُّنُوب ، والمَحَقُ : الإذهاب شيْئاً فشيْئاً ؛ ومنه : مَحَاقُ القَمَر ، وقوله سبحانه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ . … } الآية : حَسِبْتُم : معناه : ظَنَنْتُم ، وهذه الآيةُ وما بعدها عَتْبٌ وتقريعٌ لطوائفَ مِنَ المؤمنين الَّذينَ وقَعَتْ منهم الهَنَوَاتُ المشْهورة في يَوْمِ أُحُدٍ ، ثم خاطب اللَّه سبحانَهُ المؤمنين بقوله : { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } ، والسببُ في ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ في غزوةِ بَدْرٍ ، يريدُ عِيرَ قُرَيْشٍ مبادراً ، فلم يوعب النَّاس معه ؛ إذ كان الظنُّ أنه لا يلقى حَرْباً ، فلَمَّا قضَى اللَّه ببَدْرٍ ما قضَىٰ ، وفاز حاضِرُوها بالمَنْزِلة الرَّفيعةِ ، كان المتخلِّفون من المؤمنين عنْها يتمنَّوْن حُضُور قتالِ الكُفَّار ؛ ليكونَ منْهُمْ في ذلك غَنَاء يُلْحِقُهُمْ عِنْدَ ربِّهم ونبيِّهم بمنزلةِ أهْل بَدْر ، فلمَّا جاء أمْر أُحُدٍ ، لم يَصْدُقْ كُلُّ المؤمنين ، فعاتبهم اللَّه بهذه الآية ، وألزمهم تمنِّيَ المَوْتِ ؛ من حيثُ تَمَنَّوْا أسبابه ، وهو لقاءُ العَدُوِّ ومُضَارَبَتُهم ، وإلاَّ فنَفْسُ قَتْل المُشْرِك للمُسْلِم لا يجُوزُ أنْ يتمنَّىٰ ؛ من حيث هو قَتْلٌ ، وإنما تتمنَّىٰ لواحقه من الشهادةِ والتنْعيم ، قُلْتُ : وفي كلام * ع * : بعضُ إجمالٍ ، وقد ترجم البخاريُّ تَمَنِّيَ الشهادةِ ، ثم أسند عن أبي هريرة ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ ؛ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوَدِدتُّ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ " وخرَّجه أيضًا مسلمٌ ، وخرَّج البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديث أنسٍ ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ( عَزَّ وجَلَّ ) خَيْرٌ ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا ، وأَنَّ الدُّنْيَا لَهُ وَمَا فِيهَا ، إلاَّ الشَّهِيدَ ، لِمَا يَرَىٰ مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا ، فَيُقْتَلُ عَشْرَ مَرَّاتٍ ؛ لِمَا يَرَىٰ مِنَ الكَرَامَةِ " اهـــ . فقد تبيَّن لك تمنِّي القَتْلِ في سبيل اللَّه بهذه النُّصُوصِ ؛ لما فيه من الكرامة . وصَوَابُ كلام * ع * : أنْ يقول : وإِنما يتمنَّى القتلُ ؛ للواحقه ؛ من الشَّهادةِ والتنْعِيمِ . وقوله سبحانه : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } ، يريد : رأيتم أسبابه ، وقوله : { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } : تأكيدٌ للرؤية ، وإخراجِها من الاشتراك الذي بَيْنَ رؤية القَلْب ورُؤْية العَيْن .