Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 149-152)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني : المنافقين الذين خَيَّبوا المسلمين ، وقالوا في أمر أُحُد : لو كان محمَّد نبيًّا ، لم ينهزم . وقوله سبحانه : { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ } هذا تثبيتٌ لهم ، وقوله سبحانه : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } سبب هذه الآيةِ أنه لما ارتحَلَ أبُو سُفْيان بالكفَّار ، رجع النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ ، فتجهَّز ، واتبع المشركِينَ ، وكان مَعْبَدُ بْنُ أبي مَعْبَدٍ الخُزَاعِيُّ قد جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ : وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ ، لَقَدْ سَاءَنَا مَا أَصَابَكَ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ تَمِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ رَكِبَ مَعْبَدٌ ؛ حَتَّىٰ لَحِقَ بِأَبِي سُفْيَانَ ، فَلَمَّا رَأَىٰ أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَداً ، قَالَ : مَا وَرَاءَكَ ، يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ قَدِ ٱجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، ونَدِمُوا عَلَىٰ مَا صَنَعُوا ، قَالَ : وَيْلَك ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ ، مَا أَرَاكَ أَنْ تَرْحَلَ حَتَّىٰ تَرَىٰ نَوَاصِيَ الخَيْلِ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ أَجْمَعْنَا الكَرَّةَ إلَيْهِمْ ، قَالَ : فَإنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ ، وَوَاللَّهِ ، لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَىٰ أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ شِعْراً ، قَالَ : وَمَا قُلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : [ البسيط ] @ كَادَتْ تَهُدُّ مِنَ الأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي إذْ سَالَتِ الأَرْضُ بِالجُرْدِ الأَبَابِيلِ تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لاَ تَنَابِلَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلاَ مِيلٍ مَعَازِيلِ فَظَلْتُ عَدْواً أَظُنُّ الأَرْضَ مَائِلَة لَمَّا سَمَوْا بِرَئيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ @@ إلى آخر الشِّعْر ، فألقى اللَّه الرُّعْبَ في قلوبِ الكفَّارِ ، وقالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّة : لاَ تَرْجِعُوا فإني أرَىٰ أنه سيكُونُ للقَوْمِ قِتَالٌ غَيْرُ الذي كَانَ ، فنَزَلَتِ الآيةُ في هذا الإلقاء ، وهي بَعْدُ متناولَةٌ كلَّ كافرٍ ؛ قال الفَخْر : لأنه لا أحد يخالفُ دِينَ الإسلام ، إلا وَفِي قلبه خَوْفٌ من الرُّعْب ، إما عند الحَرْب ، وإما عند المُحَاجَّة . انتهى . وقوله سبحانه : { بِمَا أَشْرَكُواْ } ، هذه باءُ السَّبَبِ ، والسُّلْطَانُ : الحُجَّة والبُرْهَان . قال * ص * : قوله : { وَبِئْسَ } ، المخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ ، أي : النار [ انتهى ] . وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } ، جاء الخطَابُ لجميعِ المؤمنينَ ، وإن كانَتِ الأمور التي عاتبهم سبحانه علَيْها ، لم يقَعْ فيها جميعُهم ؛ ولذلك وجوهٌ من الفصاحةِ ، منْها : وعْظ الجميع ، وزجْرُه ؛ إذ مَنْ لم يفعلْ مُعَدٌّ أنْ يفعل ؛ إن لم يزجر ، ومنها : السَّتْر والإبقاء علَىٰ من فعل ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد وَعَدَ المؤمِنِينَ النَّصْرَ يَومَئِذٍ علَىٰ خبر اللَّه ؛ إنْ صَبَرُوا وجَدُّوا ، فصَدَقَهُم اللَّه وعْدَه ؛ وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَافَّ المشركين يومئذ ، ورتَّب الرماة ، علَىٰ ما قَدْ ذكَرْناه قَبْلَ هذا ، وٱشتعلَتْ نارُ الحَرْب ، وأَبْلَىٰ حمزةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، وأَبُو دُجَانَةَ ، وعليٌّ ، وعَاصِمُ بْنُ أَبِي الأَقْلَحِ ، وغيرُهم ، وٱنهزَم المشركُونَ ، وقُتِلَ منهم ٱثنانِ وعشْرُونَ رجُلاً ، فهذا معنَىٰ قوله عز وجل : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } ، والحَسُّ : القتل الذَّريعُ ، يقال : حَسَّهُمْ إذا ٱستأصلهم قتْلاً ، وحَسَّ البَرْدُ النَّباتَ . وقوله سبحانه : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } ، يحتملُ أنْ تكونَ « حَتَّىٰ » غايةً ؛ كأنه قال : إلَىٰ أنْ فشلتم ، والأظهر الأقوَىٰ أنَّ « إذا » علَىٰ بابها تحتاجُ إلى الجوابِ ، ومَذْهَبُ الخَلِيلِ ، وسِيبَوَيْهِ ، وفُرْسَانِ الصِّنَاعة ؛ أنَّ الجوابَ محذوفٌ يدلُّ عليه المعنَىٰ ، تقديرُهُ : ٱنهزمتمْ ، ونحوه ، والفَشَل : ٱستشعارُ العَجْزِ ، وترْكُ الجِدِّ ، والتَّنَازُعُ هو الَّذي وقَعَ بَيْنَ الرماةِ ، { وَعَصَيْتُمْ } : عبارةٌ عن ذَهَابِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الرماة ، وتأمَّل ( رحمك اللَّه ) ما يوجبه الركُونُ إلى الدنيا ، وما يَنْشَأُ عنها من الضَّرَرِ ، وإذا كان مَثَلُ هؤلاءِ السَّادة علَىٰ رِفْعَتِهِمْ وعظيمِ منزلتهم ، حَصَلَ لهم بسببها مَا حَصَلَ ؛ مِنَ الفَشَل والهزيمةِ ، فكيف بأمثالنا ، وقد حذَّرَ اللَّه عز وجلَّ ونبيُّه ـــ عليه السلام ـــ من الدُّنْيا وآفاتها ؛ بما لا يخفَىٰ علَىٰ ذي لُبٍّ ، وقد ذكرنا في هذا « المُخْتَصَرِ » جملةً كافيةً لمَنْ وفَّقه اللَّه ، وشَرَح صدْره ، وقد خرَّج البَغَوِيُّ في « المُسْنَدِ المُنْتَخَبِ » له ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " لاَ تُفْتَحُ الدُّنْيَا عَلَىٰ أَحَدٍ إلاَّ أَلْقَتْ بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلَىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ " انتهى من « الكوكب الدري » . وقال - عليه السلام - للأنْصَارِ : لما تعرَّضوا له ؛ إذْ سمعوا بقُدُوم أبي عُبَيْدةِ بمالِ البَحْرَيْنِ : " أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ ، مَا الفَقْرَ أَخْشَىٰ عَلَيْكُم ! وَلَكِنِّي أَخْشَىٰ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ؛ كَمَا بُسِطَتْ عَلَىٰ مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُم كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ " ، أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ ، واللفظ له ، وقال : هذا حديثٌ صحيحٌ . انتهى . واعلم ( رحمك اللَّه ) أنَّ تيسير أسْبَابِ الدُّنْيا مع إعراضك عن أمر آخرتك ، ليس ذلك من علاماتِ الفَلاَحِ ؛ وقد روى ابنُ المُبَارك في « رقائقه » ، قال : أخبرنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، قال : حدَّثني سعيدُ بنُ أَبِي سَعِيدٍ ؛ أنَّ رجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا ؟ قَالَ : " إذَا رَأَيْتَ كُلَّمَا طَلَبْتَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ ، وَٱبْتَغَيْتَهُ ، يُسِّرَ لَكَ ، وَإذَا أَرَدتَّ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا ، وَٱبْتَغَيْتَهُ ، عُسِّرَ عَلَيْكَ ، فَأَنْتَ عَلَىٰ حَالٍ حَسَنَةٍ ، وَإذَا رَأَيْتَ كُلَّمَا طَلَبْتَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ ، وٱبْتَغَيْتَهُ ، عُسِّرَ عَلَيْكَ ، وَإذَا أَرَدتَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَٱبْتَغَيْتَهُ ، يُسِّرَ لَكَ ، فَأَنْتَ عَلَىٰ حَالٍ قَبِيحَةٍ " انتهى ، فتأمَّله راشداً ، وقولَه : { مِّن بَعْدِ مَا أَرَٰكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } ، يعني : هزيمةَ المشركين ، قال الزُّبَيْر ، واللَّه ، لَقَدْ رأيتُنِي أنْظُرُ إلَىٰ خَدَمِ هنْدِ بنْتِ عُتْبَةَ ، وصواحِبِهَا مشَمِّراتٍ هَوَارِبَ ، ما دُونَ أخْذِهِنَّ قليلٌ ، ولا كثيرٌ ؛ إذ مالَتِ الرماةُ إلى العَسْكَر حين كَشَفْنَا القَوْمَ عَنه ، يريدون النَّهْبَ ، وخَلَّوْا ظهورَنَا للخَيْلِ ، فَأُوتِينَا مِنْ أَدْبَارنا ، وصَرَخَ صَارِخٌ أَلاَ إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ ، وٱنْكَفَأَ علينا القومُ . وقوله سبحانه : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } ، يعني بهم الذين حَرَصُوا على الغنيمة ، وكان المالُ همَّهم ؛ قاله ابنُ عَبَّاسٍ ، وسائرُ المفسِّرين ، وقال عبدُ اللَّهِ بْنُ مسْعود : ما كنتُ أرى أنَّ أحداً مِنْ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يريدُ الدنيا ؛ حتى نَزَلَ فينا يَوْمَ أُحُدٍ : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } . وقوله سبحانه : { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلأَخِرَةَ } إخبارٌ عن ثبوتِ مَنْ ثَبَتَ من الرُّماة ، مع عبد اللَّه بن جُبَيْر ؛ ٱمتثالاً للأمْر حتى قُتِلُوا ، ويدخلُ في هذا أنَسُ بْنُ النَّضْر ، وكلُّ من جَدَّ ولم يَضْطَرِبْ من المؤمنين .