Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 153-155)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } العامل في إذ قوله « عفا » , وقراءة الجمهور « تصعدون » ( بضم التاء ، وكسر العين ) ؛ من : أصْعَدَ ، ومعناه : ذَهَبَ في الأَرْضِ ، والصعيدُ : وجهُ الأرض ، فـ « أَصْعَدَ » : معناه : دَخَلَ في الصَّعيد ؛ كما أنَّ « أَصْبَحَ » : دخل في الصَّبَاحِ . وقوله سبحانه : { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } مبالغةٌ في صفةِ الانهزامِ ، وقرأ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ : « عَلَىٰ أُحُدٍ » ( بضم الألف والحاء ) ، يريد الجَبَلَ ، والمَعنِيُّ بذلك نبيُّ اللَّه صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان على الجَبَلِ ، والقراءةُ الشهيرةُ أقوَىٰ ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ علَى الجَبَلِ إلاَّ بعد ما فَرَّ الناسُ ، وهذه الحالُ مِنْ إصعادهم إنَّما كانتْ ، وهو يدعوهم ، ورُوِيَ أنَّه كان يُنَادِي صلى الله عليه وسلم : " إلَيَّ ، عِبَادَ اللَّهِ " ، والناسُ يفرُّون ، وفي قوله تعالى : { فِي أُخْرَاكُمْ } : مدْح له صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ذلك هو موقِفُ الأبطالِ في أعْقَابِ النَّاس ؛ ومنه قولُ الزُّبِيْرِ بْنِ باطا : ما فَعَل مقدِّمتُنا إذَا حَمَلْنا ، وحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا ؛ وكذلك كَانَ صلى الله عليه وسلم أشْجَعَ الناسِ ؛ ومنه قولُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ : كِنَّا إذا ٱحْمَرَّ البَأْسُ ، ٱتَّقَيْنَاهُ برَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { فَأَثَـٰبَكُمْ } : معناه : جازاكُمْ علَىٰ صنيعكم ، واختلف في معنَىٰ قوله تعالى : { غَمّاً بِغَمٍّ } ، فقال قوم : المعنى : أثابكم غَمًّا بسبب الغمِّ الذي أدخلتموه علَىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائرِ المسلمينَ بفَشَلكم ، وتَنَازُعِكم ، وعِصْيَانكم . قال قتادة ، ومجاهد : الغَمُّ الأول : أنْ سَمِعُوا أَلاَ إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ ، والثاني : القَتْلُ والجِرَح . وقوله تعالى : { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } ، أي : من الغنيمة ، ولا ما أصابكم ، أي : من القَتْل والجِرَاحِ ، وذُلِّ الٱِنهزامِ ، واللامُ من قوله : « لكَيْ لاَ » متعلِّقة بـــ « أثَابَكُمْ » ، المعنى : لتعلموا أنَّ ما وقَعَ بكُمْ إنما هو بجنايَتِكُمْ ، فأنتم آذيتم أنفسكم ، وعادةُ البَشَر أنَّ جانِيَ الذنْبِ يَصْبِرُ للعقوبة ، وأكْثَرُ قَلَقِ المعاقَبِ وحُزْنِهِ ، إنما هو مع ظَنِّه البراءةَ بنَفْسه ، ثم ذكر سبحانه أمْرَ النُّعَاس الذي أَمَّنَ به المؤمنِينَ ، فغشي أهْل الإخلاص ، قُلْتُ : وفي « صحيح البخاريِّ » ، عن أنسٍ ؛ أنَّ أبَا طَلْحَةَ قَالَ : غَشِينَا النُّعَاسُ ، ونَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ : فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وآخُذُهُ ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ ، ونحْوه عن الزُّبَيْر ، وابنِ مسْعود ، « والواوُ » في قوله : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } ، واو الحال ، ذَهَب أكثر المفسِّرين إلى أنَّ اللفظة من الهَمِّ الذي هو بمعنَى الغَمِّ والحُزْن . وقوله سبحانه : { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ } : معناه : يظنُّون أنَّ دين الإسلام ليس بحقٍّ ، وأنَّ أمر محمَّد صلى الله عليه وسلم يضمحلُّ . قلْتُ : وقد وردَتْ أحاديثُ صِحَاحٌ في الترغيبِ في حُسْن الظَّنِّ باللَّه عزَّ وجلَّ ، ففي « صحيح مُسْلِم » ، وغيره ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حاكِياً عن اللَّه عزَّ وجلَّ يقولُ سبْحَانه : " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي … " الحديثَ ، وقال ابْنُ مَسْعود : واللَّه الَّذِي لاَ إله غيره ، لا يُحْسِنُ أحَدٌ الظنَّ باللَّه عزَّ وجلَّ إلا أعطاه اللَّهُ ظنَّه ، وذلك أنَّ الخَيْر بيده ، وخرَّج أبو بَكْرِ بْنُ الخَطِيب بسنده ، عن أنَسِ ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ المَرْءِ حُسْنُ ظَنِّهِ " اهـــ . وقوله : { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } : ذهب الجمهورُ إلَىٰ أنَّ المراد مدَّة الجاهليَّة القديمَة قَبْل الإسلام ، وهذا كقوله سبحانه : { حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } [ الفتح : 26 ] و { تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } [ الأحزاب : 33 ] وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المراد في هذه الآيةِ ظَنُّ الفِرْقَةِ الجاهليَّة ، وهم أبو سُفْيَانَ ومن معه ، قال قتادة وابْنُ جُرَيْج : قيل لعبد اللَّه ابْن أُبَيٍّ ٱبْنِ سَلُولَ : قُتِلَ بَنُو الخَزْرَجِ ، فَقَالَ : وهلْ لنا من الأمْرِ من شَيْء ، يريدُ أنَّ الرأْيَ ليس لنا ، ولو كان لَنَا منْهُ شيْءٌ ، لسمع مَنْ رأينا ، فلم يَخْرُجْ ، فلم يُقْتَلْ أحدٌ منا . وقوله سبحانه : { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } اعتراضٌ أثناء الكلامِ فصيحٌ ، ومضمَّنه الردُّ عليهم ، وقوله سبحانه : { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ … } الآية : أخبر تعالَىٰ عنهم على الجُمْلة دُونَ تَعْيين ، وهذه كانَتْ سُنَّتَهُ في المنافقينَ ، لا إله إلا هو . وقوله سبحانه : { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَـٰهُنَا } هي مقالةٌ سُمِعَتْ من مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ المغموصِ عليه بالنِّفَاق ، وباقي الآية بيِّن . وقوله تعالى : { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } : اللام في « ليبتلي » متعلِّقة بفعلٍ متأخِّرٍ ، تقديره : وليبتليَ وليمحِّصَ فعْلَ هذه الأمور الواقعة ، والابتلاءُ هنا الاختبار . وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } قال عُمَرُ ( رضي اللَّه عنه ) : المرادُ بهذه الآية جميعُ مَنْ تولَّىٰ ذلك اليَوْمَ عن العدُوِّ . وقيل : نزلَتْ في الذين فَرُّوا إلى المدينةِ . قال ابنُ زَيْد : فلا أدْري ، هل عُفِيَ عن هذه الطائفةِ خاصَّة ، أمْ عن المؤمنين جميعاً . وقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } : ظاهره عند جمهور المفسِّرين : أنه كانَتْ لهم ذنوبٌ عاقبهم اللَّه علَيْها بتَمْكين الشيطان من ٱستزْلاَلِهِمْ بوسوسَتِهِ وتخويفِهِ ، والفَرَارُ مِنَ الزَّحْفِ من الكبائر ؛ بإجماعٍ فيما عَلِمْتُ ، وقَدْ عده صلى الله عليه وسلم في السَّبْعِ المُوبِقَاتِ .