Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-17)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ … } الآيةُ هذه الآيةُ ابتداءُ وعظٍ لجميع الناس ، وفي ضمن ذلك توبيخٌ ، والشهواتُ ذميمةٌ ، وٱتباعها مُرْدٍ ، وطاعتها مَهْلَكَةٌ ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ " ، فَحَسْبُكَ أَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِهَا ، فمَنْ واقعها ، خلص إِلى النَّار ، قلْتُ : وقد جاءت أحاديثٌ كثيرةٌ في التزْهِيدِ في الدنيا ، ذكَرْنا من صحيحها وحَسَنِهَا في هذا المُخْتَصَرِ جملةً صالحةً لا توجد في غيره من التَّفَاسير ، فعلَيْكَ بتحصيله ، فتَطَّلعَ فيه على جواهرَ نفيسةٍ ، لا توجَدُ مجموعةً في غيره ؛ كما هي بحَمْدِ اللَّه حاصلةٌ فيه ، وكيف لا يكونُ هذا المختصر فائقاً في الحُسْن ، وأحاديثه بحَمْد اللَّه مختارةٌ ، أكثرها من أصولِ الإسلامِ الستَّةِ : البخاريِّ ، ومسلمٍ ، وأبي داود ، والتِّرمذيِّ ، والنَّسائِيِّ ، وابنِ مَاجَة ، فهذه أصول الإِسلام ، ثم مِنْ غيرها ؛ كصحيح ٱبْنِ حِبَّانَ ، وصحيح الحاكمِ ، أعني : « المُسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ » ، وأَبِي عَوَانَةَ ، وابْنِ خُزَيْمَةَ ، والدَّارِمِيِّ ، وَالمُوَطَّإِ ، وغيرِها من المسانيدِ المشهورةِ بيْن أئمَّة الحديثِ ؛ حَسْبما هو معلومٌ في علْمِ الحديث ، وقصْدِي من هذا نُصْحُ من اطلع على هذا الكتاب أنْ يعلم قَدْرَ ما أنعم اللَّه به علَيْه ، فإِن التحدُّث بالنعم شُكْر ، ولنرجَعْ إلى ما قصدناه من نَقْلِ الأحاديث : روى الترمذيُّ عن عَائِشَةَ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـــ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنْ أَرَدتِّ اللُّحُوقَ بِي ، فَلْيَكْفِيكِ مِنَ الدُّنْيَا ، كَزَادِ الرَّاكِبَ ، وإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ ، وَلاَ تَسْتَخْلِفِي ثَوْباً حَتَّىٰ تَرْقَعِيهِ " حديث غَرِيبٌ ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ " ، خرَّجه أبو داود وقد نقله البغويُّ في « مصابيحه » ، والبَذَاذَةُ : هي رث الهَيْئَة . اهـ و { القَناطير } : جمع قِنْطَارٍ ، وهو العُقْدة الكثيرةُ من المال ؛ واختلف النَّاس في تحريرِ حَدِّه ، وأصحُّ الأقوالِ فيه : ما رواه أُبَيُّ ابنُ كَعْبٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " القِنْطَارُ أَلْفٌ ومِائَتَا أُوقِيَّةٍ " ، لكنَّ القنْطارَ على هذا يختلفُ بٱختلافِ البلادِ في قَدْر الأَوقِيَّةِ . وقوله : { ٱلْمُقَنطَرَةِ } ، قال الطبريُّ : معناه : المُضَعَّفة ، وقال الربيعُ : المالُ الكثيرُ بعْضُه علَىٰ بعض . * ص * : { ٱلْمُقَنطَرَةِ } : مُفَعْلَلَة ، أو مُفَنْعَلَة ؛ مِن القِنْطَار ، ومعناه : المجتمعة . * م * : أبو البقاء : و { مِنَ ٱلذَّهَبِ } : في موضعِ الحالِ من { ٱلْمُقَنطَرَةِ } اهـ . وقوله : { ٱلْمُسَوَّمَةِ } : قال مجاهدٌ : معناه المُطَهَّمة الحِسَان ، وقال ابن عبَّاس وغيره : معناه : الراعيَةُ ، وقيل : المُعَدَّة ، { وَٱلأَنْعَـٰمِ } : الأصنافُ الأربعةُ : الإِبلُ ، والبَقَرُ ، والضَّأْنُ ، والمَعْز . * ص * : والأنعامُ : واحدُها نَعَمٌ ، والنَّعَمُ : الإِبل فقَطْ ، وإِذا جُمِعَ ، ٱنطلق على الإِبلِ والبقرِ والغنمِ . اهـ . { وَٱلْحَرْثِ } : هنا اسمٌ لكلِّ ما يُحْرَثُ من حَبٍّ وغيره ، والمَتَاعُ : ما يستمتعُ به ، وينتفعُ مدَّةً مَّا منحصرة ، و { ٱلْمَآبِ } : المَرْجِعُ ، فمعنى الآية : تقليلُ أمر الدُّنيا وتحقيرُها ، والترغيبُ في حُسْن المَرْجِع إِلى اللَّه تعالَىٰ . وقوله تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ … } الآية : في هذه الآية تَسْلِيَةٌ عن الدنيا ، وتقويةٌ لنفوسِ تاركيها ؛ ذَكَر تعالَىٰ حالَ الدُّنْيا ، وكَيْف ٱستقرَّ تزيينُ شهواتها ، ثم جاء بالإِنباءِ بخَيْرٍ من ذلك هَازًّا للنفُوس ، وجامعاً لها ؛ لتَسْمَعَ هذا النبأَ المستغْرَبَ النافعَ لِمَنْ عقل ، وأُنَبِّىءُ : معناه : أُخْبِرُ . وقوله تعالى : { وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ } ، الرِّضْوَانُ : مصدر مِنْ « رَضِيَ » ، وفي الحديث الصحيحِ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " أنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ ، إذا ٱسْتَقَرُّوا فِيهَا ، وَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ اللَّهُ لَهُمْ : أَتُرِيدُونَ أنْ أُعْطِيَكُمْ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ؟ قَالُوا : يَا رَبَّنَا ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً " ، هذا سياقُ الحديثِ ، وقد يجيءُ مختلِفَ الألفاظِ ، والمعنَىٰ قريبٌ بعضُه من بعض ، قال الفَخْر : وذلك أن معرفة أهْلِ الجَنَّة ، مع هذا النعيم المقيم بأنَّه تعالَىٰ راضٍ عنهم ، مُثْنٍ عليهم ـــ أزيدُ عليهم في إِيجابِ السُّرور . اهـــ . وباقي الآية بيِّن ، وقد تقدَّم في سورة البقرة بيانُهُ . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } الآية : « الَّذِينَ » : بدلٌ من « الَّذِينَ ٱتَّقَوْا » ، وفسر سبحانه في هذه الآية أحوال المتقين الموعودِينَ بالجَنَّات ، والصَّبْرُ ؛ في هذه الآية : معناه : على الطَّاعاتِ ، وعن المعاصي والشهواتِ ، والصِّدْقُ : معناه : في الأقوالِ والأفعالِ ، والقُنُوتُ : الطاعةُ والدعاءُ أيضاً ، وبكلِّ ذلك يتصف المتَّقِي ، والإِنْفَاقُ : معناه : في سبِيلِ اللَّه ومَظَانِّ الأجر ، والاِستغفارُ : طلبُ المَغْفرة من اللَّه سبحانه ، وخصَّ تعالى السَّحَر ؛ لما فيه من الفَضْل ؛ حسْبَما وَرَدَ فيه مِنْ صحيحِ الأحاديثِ ؛ كحديث النُّزُول : " هَلْ مِنْ دَاعٍ ، فَأَسْتجِيبَ لَهُ ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ، فَأَغْفِرَ لَهُ " ، إِلى غير ذلك ممَّا ورد في فَضْله . قلت : تنبيهٌ : قال القرطبيُّ في « تذكرته » ، وقد جاء حديثُ النزولِ مفسَّراً مبيَّناً في ما خرَّجه النسائِيُّ عن أبي هُرَيْرة ، وأبي سَعِيدٍ ، قَالاَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يُمْهِلُ حَتَّىٰ يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّل ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِياً يَقُولُ : هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَىٰ " ، صحَّحه أبو محمَّد عبْدُ الحقِّ . اهـــ . وخرَّج أبو بكرِ بْنُ الخَطِيبِ بسنده ، عن عبد الرحمن بْنِ عَوْفٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : قَالَ : " إِنَّ نُزُولَ اللَّهِ تَعَالَىٰ إِلَى الشَّيْءِ إِقْبَالُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نُزُولٍ " اهـ . والسَّحَر : آخرُ الليل ، قال نافِعٌ : « كان ابْنُ عُمَرَ يُحْيِي الليْلَ صلاةً ، ثم يقولُ : يا نَافِعُ ، أسْحَرْنَا ، فأقول : لاَ ، فَيُعَاوِدُ الصَّلاة ، ثم يسأل ، فَإِذا قُلْتُ : نَعَمْ ، قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ » . قال * ع * : وحقيقةُ السَّحَرِ في هذه الأحكامِ الشرعيَّة من الاستغفارِ المحمودِ ، وسُحُورِ الصَّائِمِ ، ومِنْ يَمِين لَوْ وَقَعَتْ ، إنما هي مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخر إِلى الفَجْر .