Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-20)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } الآية : معنى : { شَهِدَ ٱللَّهُ } : أعلم عباده بهذا الأمْر الحَقِّ ، وقال * ص * : { شَهِدَ } ، بمعنى عَلِمَ أو قَضَىٰ ، أوْ حَكَم ، أو بَيَّن ، وهي أقوال اهـــ . وأسند أبو عُمَرَ ابْنُ عبدِ البَرِّ في كتاب « فَضْلِ العِلْمِ » ؛ عن غالبٍ القَطَّان ، قَالَ : كُنْتُ أختلِفُ إِلى الأَعْمَشِ ، فرأيته ليلةً قَامَ يتهجَّد من الليل ، وقرأ بهذه الآية : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } قال الأعمش : وأنا أشْهَدُ بما شَهِدَ اللَّه به ، وأسْتَوْدِعُ اللَّهَ هذه الشهادةَ ، فقلْتُ للأعمش : إِني سمعتُكَ تقرأُ هذه الآية تردِّدها ، فما بَلَغَكَ فيها ؟ قال : حدَّثني أبو وَائِلٍ ، عن ابنِ مَسْعُودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : عَبْدِي عهدَ إلَيَّ ، وَأَنَا أَحَقُّ مِنْ وَفَّىٰ بِالعَهْدِ ، أدْخِلُوا عَبْدِي الجَنَّةَ " اهـ . وقرأ جميعُ القرَّاء « أَنَّهُ » ؛ بفتح الهمزةِ ؛ وبكَسْرها من قوله : { إِنَّ الدِّينَ } ؛ على استئناف الكلامِ ، وقرأ الكِسَائيُّ وحْده : « أَنَّ الدِّينَ » ؛ بفتح الهمزةِ بَدَلاً من « أَنَّهُ » الأولَىٰ ، { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } : عطْفٌ على اسم الله ، قال الفَخْر : المراد بِأُولِي العِلْمِ هنا : الذينَ عَرَفُوا اللَّه بالدَّلاَلة القطعيَّة ؛ لأن الشهادة ، إنما تكونُ مقبولةً ، إِذا كان الإِخبار مقروناً بالعلْمِ ، وهذا يدلُّ أنَّ هذه الدرجةَ الشريفَةَ لَيْسَتْ إِلا للعلماء بالأُصُولِ ، وتكرَّرت « لا إِله إِلا اللَّه » هنا ، وفائدةُ هذا التكرير الإِعلامُ بأنَّ المسلم يجبُ أنْ يكون أَبداً في تكرير هذه الكلمة ، فإِنَّ أشرفَ كلمةٍ يذكرها الإِنسان هي هذه الكلمةُ ، وإذا كان في أكثر الأوقات مُشْتَغِلاً بذكْرِها ، وبتكريرها ، كان مُشْتَغِلاً بأعظمِ أنواعِ العباداتِ ، فكان من التكريرِ في هذه الآيةِ حضُّ العبادِ علَىٰ تكريرها . اهـ . وصحَّ في البخاريِّ ، عنه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ " ، وروى زيْدُ بن أرْقَم ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : " مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا إخْلاَصُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَحْجِزَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " ، خرَّجه الترمذيُّ الحَكِيمُ في « نَوَادِرِ الأُصُولِ » اهـــ من « التَّذْكرة » . و { قَائِمَاً } : حالٌ من اسمِهِ تعالَىٰ في قوله : { شَهِدَ ٱللَّهُ } ، أو مِنْ قوله : { إِلاَّ هُوَ } ، و { ٱلْقِسْطِ } : العَدْل ، وقوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ … } الآية : الدِّينُ ؛ في هذه الآية : الطاعةُ والمِلَّة ، والمعنَىٰ : أنَّ الدين المَقْبُول أو النافع هو الإِسلام ، والإِسلام في هذه الآية هو الإِيمانُ والطَّاعات ، قاله أبو العالية ؛ وعليه جمهور المتكلِّمين ، وحديثُ : " بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَىٰ خَمْسٍ " ، وحديثُ مَجِيءِ جِبْريلَ يعلِّم النَّاسَ دينَهُمْ يفسِّر ذلك ، ثم أخبر تعالَىٰ عن اختلاف أهْلِ الكتابِ بَعْد علمهم بالحقائقِ ، وأنه كان بَغْياً وطلباً للدنيا ؛ قاله ابن عُمَر وغيره ، و { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } : لفظٌ يعُمُّ اليهودَ والنصارَىٰ ، لكنَّ الرَّبِيعَ بنَ أنسٍ قال : المرادُ بهذه الآية اليهودُ ؛ ٱختلفوا بعد مَوْتِ موسَىٰ ، وبعد مُضِيِّ ثلاثة قرون ، وقيل : الآيةُ توبيخٌ لنصارَىٰ نَجْرَانَ ، وسُرْعَةُ الحسَاب : يحتمل أنْ يراد بها : مَجِيءُ القيامةِ والحِسَابِ ؛ إذ كل آت قريبٌ ، ويحتمل أنْ يراد بسُرْعَةِ الحِسَابِ : أنَّ اللَّه تعالَىٰ بإِحاطته بكلِّ شَيْءٍ عِلْماً لا يحتاجُ إلى عَدٍّ ولا فكْرة ؛ قاله مجاهد . وقوله تعالى : { فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ … } الآية : الضميرُ في « حَاجُّوكَ » لليهودِ ، ولنصارَىٰ نَجْرَانَ ، والمعنَىٰ : إنْ جادَلُوك وتعنَّتوا بالأقاويلِ المزوَّرة والمغالطاتِ ، فأسند إلى ما كُلِّفْتَ من الإِيمانِ ، والتبليغِ ، وعلى اللَّه نَصْرُكَ . وقوله : { وَجْهِيَ } : يحتمل أنْ يراد به المَقْصِدُ ، أي : جعلتُ مقصدي للَّه ، ويحتمل أنْ يراد به الذاتُ ، أي : أَسْلَمْتُ شخْصي وَذاتِي للَّه ، وأسلَمْتُ ؛ في هذا الموضعِ بمعنَىٰ : دَفَعْتُ ، وأمضَيْتُ ، وليستْ بمعنى دَخَلْتُ في السِّلْم ؛ لأنَّ تلك لا تتعدَّىٰ ، ومَنِ ٱتَّبَعَنِي : في موضع رفعٍ ؛ عطْفاً على الضميرِ في « أَسْلَمْتُ » ، والَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ ، في هذا الموضعِ : يجمعُ اليهودَ والنصارَىٰ ؛ بٱتفاقٍ ، والأميُّونَ : الذين لا يكتبون ، وهم العَرَبُ في هذه الآيةِ ، وقوله : { ءَأَسْلَمْتُمْ } : تقريرٌ في ضمنه الأمْرُ ، وقال الزَّجَّاج : { ءَأَسْلَمْتُمْ } : تهدُّد ، وهو حسن ، و { ٱلْبَلَـٰغُ } : مَصْدَرُ بَلَغَ ؛ بتخفيف عَيْنِ الفعل . وفي قوله تعالى : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } وعدٌ للمؤمنين ، ووعيد للكافرين .