Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-158)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ … } الآية : نَهَى اللَّه المؤمنِينَ ؛ أنْ يكونوا مثل الكفَّار المنافقين في هذا المعتقَدِ الفاسِدِ الذي هو أنَّ من سافر في تجارةٍ ونحوها ، ومَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ ، لو قعد في بَيْته لعاش ، ولم يَمُتْ في ذلك الوَقْتِ الذي عَرَّض فيه نَفْسه للسَّفَر أو للقِتَال ، وهذا هو مُعْتَقَدُ المعتزلة في القَوْل بالأَجَلَيْنِ ، أو نحو منْه ، وصرَّح بهذ المقالة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيٍّ المُنَافِقُ ، وأصحابه ؛ قاله مجاهد وغيره ، والضَّرْبُ في الأرض : السيرُ في التِّجَارة ، وغُزًّى : جمعُ غازٍ . وقوله تعالى : { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } الإشارةُ بـ « ذَلِكَ » إلى هذا المعتقد الَّذى جعله اللَّه حَسْرةً لهم ؛ لأن الذي يتيقن أنَّ كل قَتْل ومَوْت ، إنما هو بأجَلٍ سابقٍ يجدُ برد اليأسِ والتسليمِ للَّه سبحانه على قلبه ، والذي يَعْتَقِدُ أنَّ حميمه لو قعد في بَيْته ، لم يَمْتُ ، يتحسَّر ويتلهَّف ؛ وعلى هذا التأويل ، مَشَى المتأوِّلونَ ، وهو أظهرُ مَا في الآية ، والتحسُّرُ : التلهُّفُ على الشي ، والغَمُّ به . وقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } توكيدٌ للنهيْ في قوله : { لاَ تَكُونُواْ } ووعيدٌ لمن خالفه ، ووَعْدٌ لمن ٱمتثله . وقوله سبحانه : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ } اللامُ في { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } هي المؤذنةُ بمَجِيءِ القَسَمِ ، واللامُ في قوله : { لَمَغْفِرَةٌ } هي المتلقِّية للقَسَمِ ، والتقديرُ : واللَّهِ ، لمغفرةٌ وترتَّب المَوْتُ قبل القَتْل في قوله تعالى : { مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } ؛ مراعاةً لترتُّب الضَّرْب في الأرض والغَزْو ، وقدَّم القَتْل هنا ؛ لأنَّه الأشرف الأهمُّ ، ثم قدَّم المَوْتَ في قوله تعالى : { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } ؛ لأنها آية وعظٍ بالآخرةِ والحَشْرِ ، وآيةُ تزهيدٍ في الدنْيَا والحَيَاةِ ، وفي الآيةِ تحقيرٌ لأمر الدنيا ، وحضٌّ على طَلَبِ الشهادةِ ، والمعنَىٰ : إذا كان الحَشْر لا بُدَّ في كِلاَ الأمْرَيْن ، فالمضيُّ إليه في حالِ شهادةٍ أَوْلَىٰ ؛ وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصدْقٍ ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ، وَإنْ مَاتَ عَلَىٰ فِرَاشِهِ " ، رواه الجماعةُ إلاَّ البخاريَّ ، وعن أنَسٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً ، أُعْطِيِهَا ، وَلَوْ لَمْ تُصْبْهُ " ، انفرد به مُسْلم . انتهى من « سلاح المؤمن » .