Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-163)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } ، قرأ ابنُ كَثِيرٍ ، وأبو عَمْرٍو ، وعاصم : « أَنْ يَغُلَّ » ؛ بفتح الياء ، وضم الغين ، وقرأ باقي السبعة : « أَنْ يُغَلَّ » ؛ بضم الياء ، وفتح الغين ، واللفظةُ بمعنى الخِيَانة في خَفَاءِ ، تقولُ العربُ : أَغَلَّ الرَّجُلُ يُغِلُّ إغْلاَلاً ، إذا خان ، واختلفَ عَلَى القراءة الأولَىٰ ، فقال ابنُ عَبَّاسٍ وغيره : نزلَتْ بسبب قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ من المغانمِ يَوْمَ بَدْرٍ ، فقال بعضُ النَّاس : لعلَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا ، فقيلَ : كانت هذه المَقَالَةُ مِنْ مؤمِنٍ لم يَظُنَّ في ذلك حَرَجاً . وقيل : كانَتْ من منافِقين ، وقد رُوِيَ أن المفقود إنما كَانَ سَيْفاً ، قال النَّقَّاش : ويقال : إنما نزلَتْ ؛ لأن الرماة قالوا يوم أُحُدٍ : الغنيمةَ الغنيمةَ ، فإنا نخشَىٰ أنْ يَقُولَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَخَذ شيئاً ، فهو له ، وقال ابْنُ إسحاق : الآية إنما أنزلَتْ ، إعلاماً بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئاً مما أُمِرَ بتبليغه . وأمَّا على القراءة الثانيةِ ، فمعناها عند الجمهور ، أي : ليس لأحدٍ أنْ يغل النبيَّ ، أيْ : يخونه في الغنيمة ؛ لأنَّ المعاصِيَ تَعْظُمُ بحَضْرته ؛ لتعيين توقيره . قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : وهذا القولُ هو الصحيحُ ، وذلك أنَّ قوماً غَلُّوا من الغنائمِ ، أو هَمُّوا ، فأنزل اللَّه تعالَى الآية ، فنهاهُمُ اللَّه عن ذلك ، رواه الترمذيُّ . انتهى . وقوله تعالى : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ … } الآية : وعيدٌ لِمَنْ يغل من الغنيمة ، أو في زكاته بالفَضِيحَة يَوْمَ القيامة علَىٰ رءوس الأَشهاد ، قال القرطبيُّ في « تذكرته » : قال علماؤنا ( رحمهم اللَّه ) في قوله تعالَىٰ : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } : إنَّ ذلك عَلَى الحقيقةِ ؛ كما بيَّنه صلى الله عليه وسلم ، أي : يأتي به حاملاً له علَىٰ ظهره ورقبته ، معذَّباً بحمله وثِقَلِهِ ، ومروَّعاً بصوته ، وموبَّخاً بإظهار خيانته . انتهى . وفي الحديثِ عَنْه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " أَدُّوا الْخَائِطَ وَالمَخِيطَ ؛ فَإنَّ الغُلُولَ عَارٌ ونَارٌ وشَنَارٌ عَلَىٰ أَهْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ " رواه مالكٌ في « الموطَّأ » ، قال أبو عُمَرَ في « التمهيد » : الشَّنَار : لَفْظَةٌ جامعةٌ لمعنَى العَارِ وَالنَّارِ ، ومعناها الشَّيْن ، والنَّار ؛ يريد أن الغلول شَيْنٌ وعارٌ ومنْقَصَة في الدُّنْيا ، وعذابٌ في الآخرة . انتهى ، وفي الباب أحاديثُ صحيحةٌ في الغُلُولِ ، وفي مَنْعِ الزكاة . وقوله سبحانه : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } ، أي : الطاعة الكفيلة بِرضْوَان اللَّه . قال * ص * : « أَفَمَنْ » : ٱستفهامٌ ، معناه : النَّفْيُ ، أي : ليس مَنِ ٱتبعَ مَا يَئُولُ به إلَىٰ رِضَا اللَّه تعالَىٰ عَنْه ؛ فباء برضَاه ، كَمَنْ لم يَتَّبِعْ ذلك ؛ فباء بسَخَطه . انتهى . وقوله سبحانه : { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } قال ابنُ إسحاق وغيره : المراد بذلك الجَمْعَانِ المذكورانِ ؛ أهل الرِّضْوان ، وأصحاب السَّخَط ، أيْ : لكلِّ صِنْفٍ منهم تَبَايُنٌ في نفسه في منازل الجنة ، وفي أطباق النَّار أيضاً ، وقال مجاهدٌ والسُّدِّيُّ ما ظاهره : أن المراد بقوله : « هم » ، إنما هو لمتبعي الرضْوان ، أي : لهم درجاتٌ كريمةٌ عند ربهم ، وفي الكلامِ حذفٌ ، تقديره : هُمْ ذَوْو دَرَجَاتٍ ، والدرجاتُ : المنازلُ بعضها أعلى من بعض في المَسَافة ، أو في التكرمة ، أو في العذاب ، وباقي الآيةِ وعْدٌ ووعيدٌ .