Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولُه جَلَّتْ قدرته : { الۤمۤ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الأبْرَعُ في نَظْمِ الآيةِ أنّ يكون : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } كلاماً مبتدأً جزماً ؛ جملةً رادةً علَىٰ نصارَى نَجْرَانَ الذين وفَدُوا علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وقالوا : إِنَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ مَا هُوَ معلومٌ في السِّيَرِ ، فنزل فيهم صَدْر هذه السورةِ إِلى نيِّفٍ وثمانينَ آيةً منْها ، إلى أنْ دعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم إلى الابْتِهَالِ . وقد تقدَّم تفسيرُ قوله : { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } في آية الكرسيِّ ، والآيةُ هناك إِخبارٌ لجميعِ الناسِ ، وكُرِّرتْ هنا إخباراً بحجج هؤلاءِ النصارَىٰ ، ويردُّ عليهم ؛ إِذ هذه الصفاتُ لا يمكنهم ٱدعاؤها لعيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ ؛ لأنهم إِذ يقولُون : إِنه صُلِبَ ، فذلك مَوْتٌ في معتقَدِهِمْ ، وإِذْ من البيِّن أنَّه ليس بقَيُّومٍ . وقراءة الجمهور « القَيُّوم » ، وقرىء خارجَ السَّبْعِ : « القَيَّامُ » ؛ و « القَيِّمُ » ، وهذا كلُّه مِنْ : قَامَ بالأَمْرِ يقُومُ به ، إِذا ٱضطَلعَ بحفْظِهِ ، وبجميعِ ما يحتاجُ إِلَيْهِ في وُجُودِهِ ، فاللَّه تعالَىٰ القَيَّامُ علَىٰ كلِّ شيءٍ ممَّا ينبغِي له ، أوْ فِيهِ ، أوْ عليه . * ت * : وقد تقدَّم ما نقلْناه في هذا الاِسم الشريفِ ؛ أنه اسمُ اللَّهِ الأعظمُ ، قال النوويُّ : ورُوِّينَا في كتابِ التِّرمذيِّ ؛ عن أَنَسٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ ، قَالَ : " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ " ، قَالَ الحاكمُ : هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد . اهـــ . قال صاحب « سلاح المؤمن » : وعنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه ـ ، قَالَ : « لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، قَاتَلْتُ شَيْئاً مِنْ قِتَالٍ ، ثمَّ جئْتُ إِلَىٰ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْظُرُ مَا صَنَعَ فَجِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ : " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ ، ثُمَّ جِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ ؛ لاَ يَزِيدُ عَلَىٰ ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ ، ثُمَّ جِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ » رواه النِّسائِيُّ ، والحاكمُ في « المستدرك » ، واللفظ للنسائِيِّ . وعن أسماء بنتِ يَزيد ـــ رضي اللَّه عنها ـــ ؛ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ٱسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } ، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ : { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } " رواه أبو داود ، واللفظ له ، والترمذيُّ ، وابن ماجة ، وقال التِّرْمِذِيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . وعن أبي أُمَامَة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " ٱسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاَثِ سُوَرٍ : فِي سُورَةِ البَقَرَةِ ، وآل عِمْرَانَ ، وَطَه " ، قال القاسِمُ : فَٱلْتَمسْتُهَا أنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ . انتهى . وقوله : { بِٱلْحَقِّ } : يحتملُ معنيَيْنِ : أحدهما : أنْ يكون المعنَىٰ : ضُمِّنَ الحقائقَ ؛ في خبره ، وأمره ، ونهيه ، ومواعظه . والثانِي : أنْ يكون المعنَىٰ : أنه نَزَّلَ الكتابَ بٱستحقاقِ أنْ يُنَزَّل ؛ لما فيه من المصلحةِ الشاملة ، وليس ذلك على أنه واجبٌ على اللَّه تعالى أنْ يفعله . * ت * : أي : إِذْ لا يجبُ عَلَى اللَّه سبحانه فعْلٌ ؛ قال * ع * : فالباءِ ، في هذا المعنَىٰ : علَىٰ حدِّ قوله : { سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [ المائدة : 116 ] . وقيل : معنى : { بِٱلْحَقِّ } : أيْ : مِمَّا ٱختلَفَ فيه أهْلُ الكتابِ ، وٱضطرب فيه هؤلاءِ النصارَى الوافِدُونَ . قال * ع * : وهذا داخلٌ في المعنى الأول . وقوله : { مُصَدِّقاً } : حالٌ مؤكِّدة ؛ لأنه لا يمكن أنْ يكون غير مصدِّقٍ ، لما بين يديه من كتب اللَّه سُبْحانه ، { وما بَيْن يديه } : هي التوراةُ والإِنجيلُ وسائرُ كُتُبِ اللَّه التي تُلُقِّيَتْ من شرعنا . وقوله تعالى : { مِن قَبْلُ } : يعني : من قبل القرآن . وقوله : { هُدىً لِّلنَّاسِ } : معناه : دُعَاءٌ ، والنَّاسُ : بنو إِسرائيل في هذا الموضعِ ، وإِن كان المراد أنهما هُدىً في ذاتهما ، مَدْعُوٌّ إليه فرعَوْنُ وغَيْرُه ، فالناسُ عامٌّ في كل مَنْ شاء حينئذٍ أنْ يستبصر ، و { ٱلْفُرْقَانَ } : القرآن ؛ لأنه فَرَقَ بيْنَ الحقِّ والباطلِ ، ثم توعَّد سبحانه الكفَّارَ عموماً بالعذابِ الشديدِ ، والإشارةُ بهذا الوعيدِ إلى نصارَىٰ نَجْرَانَ ، و { عَزِيزٌ } : معناه : غالبٌ ، والنقمة والاِنتقام : معاقبةُ المذْنِبِ بمبالغةٍ في ذلك .