Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 44-48)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ … } الآية : هذه المخاطبةُ لنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، والإِشارة بذلك إِلى ما تقدَّم ذكْرُهُ من القصصِ ، والأنباء : الأخبار ، والغَيْبُ : ما غَاب عن مدارك الإِنسان ، ونُوحِيهِ : معناه : نُلْقِيهِ في نَفْسِك في خفاءٍ ، وَحَدُّ الوَحْيِِ : إِلقاء المعنَىٰ في النَّفْس في خفاءٍ ، فمنه بالمَلَكِ ، ومنه بالإِلهام ، ومنه بالإِشارة ، ومنه بالكِتَابِ . وفي هذه الآية بيانٌ لنبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ إِذ جاءهم بغُيُوب لا يعلمها إِلا مَنْ شاهدها ، وهو لَمْ يَكُنْ لديهم ، أوْ مَنْ قرأها في كتبهم ، وهو صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ من قومٍ أُمِّيِّينَ ، أوْ : من أعلمه اللَّه بها ، وهو ذاك صلى الله عليه وسلم ، و { لَدَيْهِمْ } : معناه : عندهم ومَعَهُمْ . وقوله : { إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ … } الآية : جمهورُ العلماء علَىٰ أنه ٱستهام لأخذِها والمنافَسَةِ فيها ، فروي أنهم أَلْقَوْا أقلامَهُمُ الَّتي كانوا يَكْتُبُونَ بها التوراةَ في النَّهْرِ ، فروي أنَّ قَلَمَ زكريَّا صاعد الجرية ، ومضَتْ أقلام الآخَرِينَ ، وقيل غير هذا ، قُلْتُ : ولفظ ابْنِ العَرَبِيِّ في « الأحكام » قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " فَجَرَتِ الأَقْلاَمُ وَعَلاَ قَلَمُ زَكَرِيَّا " اهـ ، وإِذا ثبت الحديثُ ، فلا نظر لأحدٍ معه . و { يَخْتَصِمُونَ } : معناه : يتراجَعُونَ القَوْلَ الجهيرَ في أمْرها . وفي هذه الآية ٱستعمال القُرْعَةِ ، والقُرعَةُ سُنَّة ، " وكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، إِذَا سَافَرَ ، أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ " وقال صلى الله عليه وسلم : " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ ، لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ " . واختلف أيضاً ، هل الملائكةُ هنا عبارةٌ عن جِبْرِيلَ وحْده أوْ عن جماعةٍ من الملائكة ؟ و { وَجِيهاً } : نصبٌ على الحال ، وهو من الوَجْهِ ، أيْ : له وجْهٌ ومنزلةٌ عند اللَّه ، وقال البخاريُّ : وجيهاً : شَريفاً اهـ . { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } : معناه : مِنَ اللَّه تعالَىٰ ، وكلامه في المَهْدِ : آيةٌ دالَّة علَىٰ براءة أُمِّه ، وأَخبر تعالَىٰ عنه أنَّه أيضًا يكلِّم الناس كَهْلاً ، وفائدةُ ذلك أنَّه إِخبار لها بحَيَاتِهِ إلى سِنِّ الكهولة ، قال جمهورُ النَّاس : الكَهْلُ الذي بَلَغَ سِنَّ الكهولةِ ، وقال مجاهد : الكَهْلُ : الحليمُ ؛ قال * ع * : وهذا تفسيرٌ للكُهُولة بعَرضٍ مصاحِبٍ لها في الأغلب ، وٱختلَفَ النَّاسُ في حَدِّ الكهولة ، فقيل : الكَهْلُ ٱبْنُ أَرْبَعِينَ ، وقيل : ابنُ خَمْسَةٍ وثلاثينَ ، وقيل : ابن ثلاثةٍ وثلاثين ، وقيل : ابن ٱثْنَيْنِ وثلاثينَ ، هذا حدُّ أَوَّلِهَا ، وأمَّا آخرها ، فٱثنان وخمسونَ ، ثم يدْخُلُ سنُّ الشيخوخة . وقولُ مَرْيَمَ : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ } : ٱستفهامٌ عن جهة حَمْلها ، وٱستغرابٌ للحَمْلِ علَىٰ بَكَارتها ، و « يَمْسَسْ » : معناه : يَطَأ ويُجَامِع . * ص * : والبَشَر يُطْلَقُ على الواحِدِ والجمع . اهـ . والكلامُ في قولِهِ : { كَذَٰلِكَ } كالكلامِ في أمر زكريَّا ، وجاءَتِ العبارةُ في أمر زكريَّا : « يَفْعَلُ » ، وجاءت هنا : « يَخْلُقُ » ؛ من حيث إِنَّ أمر زكريَّا داخلٌ في الإِمكان الذي يتعارَفُ ، وإنْ قَلَّ ، وقصَّة مريم لا تتعارَفُ البتَّة ، فلفظ الخَلْق أقربُ إِلى الاِختراعِ ، وأدَلُّ عليه . وقوله تعالى : { إِذَا قَضَى أَمْراً } : معناه : إِذا أراد إِيجاده ، والأمر واحدُ الأمور ، وهو مَصْدَرٌ سُمِّيَ به ، والضميرُ في « لَهُ » عائدٌ على الأمْر والقول ؛ على جهة المخاطبة . وقوله : { كُنْ } : خطابٌ للمَقْضِيِّ . وقوله : { فَيَكُونُ } ؛ بالرفع : خطابٌ للمُخْبَر . وقوله تعالى : { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَـٰبَ … } الآية : الكِتَابُ هنا : هو الخَطُّ باليد ، وهو مصدر : كَتَبَ يَكْتُبُ ؛ قاله جمهور المفسِّرين .